وداع المحافظين الجدد ... كذبة أخرى مصطفى زين بعد أن بدأ نجم الرئيس جورج بوش بالأفول، وتوقفت نبوءاته، تاركاً وراءه كوارث إنسانية وبيئية ومالية، طاولت كل العالم، وبعدما فرّ معظم المحيطين به من سفينته الغارقة، عاد أركان المحافظين الجدد ليذكرونا بمآثرهم، وأيديولوجيتهم التي اتخذها الرئيس مصدراً لوحيه وطبعت عهده، وشكلت وباء انتشر وسط مثقفين عرب ما زالوا يرفعون رايات البوشية وشعاراتها، رمزاً للتقدم والديموقراطية. أطل ريتشارد بيرل، أمير الظلام على ما يوصف، وزميلاه، مساعدا وزير الدفاع السابق، بول وولفوفيتز ودوغلاس فيث، عبر صحيفة "دي تسايت" الألمانية، ليتبرأوا من "الأخطاء" المرافقة للحرب على العراق، وليس من الجريمة، ويلقوا اللوم على معلمهم دونالد رامسفيلد. قال وولفوفيتز: "لم نكن نعرف العدو ولم تكن لدى حكومتنا أدنى فكرة عن حرب المتمردين التي أعد لها نظام صدام حسين جيداً". أما الصقر الآخر ريتشارد بيرل فقال: "أردنا أن نكون المحررين، لكننا أصبحنا بعد خمسة أو ستة أشهر القوة المحتلة المستهدفة. لم أتصور أننا سنقوم يوماً بعملية إصلاح بهذا السوء". وأضاف أن قرار الحرب النهائي لم يكن بيده ولا بيد زميليه وأكد أن: "رامسفيلد كان المسؤول الفعلي عن قرار اجتياح العراق". ورأى فيث أن الولاياتالمتحدة دفعت: "ثمناً باهظاً، ليس ناتجاً عن الحرب فحسب، بل عن إدارتها بهذا الشكل السيئ. واليوم، لا كوريا الشمالية ولا إيران، تعتقدان للحظة واحدة بأن تهديداتنا التي تواكب ديبلوماسيتنا تتمتع بأي صدقية". تصريحات الصقور الثلاثة توحي بأنهم يدافعون عن أنفسهم أمام محكمة عسكرية، وأنهم كانوا جنوداً، يتلقون الأوامر وينفذونها، والمسؤول عن الفشل أو الجريمة هو القائد (رامسفيلد) الذي أصدرها. لكن لنرجع قليلاً إلى تاريخ كل منهم لندرك أنهم كانوا مسؤولين عن تنفيذ الجريمة وتهيئة مسرحها، والتحريض على ارتكابها، ومديرين لوقائعها أيضاً. في وثائق الحرب أن همَّ المحافظين الجدد كان خدمة إسرائيل وليس أهداف أو مصالح الولاياتالمتحدة. وأن مسؤوليتهم عن التحضير للحرب وإدارتها كانت مباشرة. جاء في تقرير اللجنة العسكرية في الكونغرس أن نائبي وزير الدفاع بول وولفوفيتز ودوغلاس فيث، من جماعة المحافظين الجدد المؤثرة المؤيدة لإسرائيل، استغلا أحداث 11 أيلول 2002 للتخطيط للحرب على العراق. "أعد فيث تقارير تزعم وجود علاقة بين تنظيم "القاعدة" والعراق. واختلق قصة لقاءات في براغ بين محمد عطا، وهو أحد المشاركين في الهجمات على نيويورك وأحد المسؤولين في الاستخبارات العراقية، ويدعى أحمد العاني". وتبين نتيجة التحقيقات أن كل القصة كاذبة، رددها بوش ونائبه ديك تشيني لتبرير الجريمة. أما بيرل الذي كان يشغل منصب رئيس مكتب السياسة الدفاعية فقدم تقريراً عام 2002 يدعو إدارة بوش الى شن حرب تكتيكية على العراق، ضمن خطة استراتيجية لاحتلال السعودية ومصر. وكان اقترح على رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الرجوع عن اتفاقات أوسلو وضم الضفة وقطاع غزة نهائياً إلى الدولة العبرية. الثلاثة إذن كانوا في موقع المسؤولية. خططوا للحرب ونفذوا وأصدروا أوامر. وها هم اليوم يتهمون غيرهم بالغباء، من دون أي ذرة ندم أو تراجع عن أيديولوجيتهم. الثلاثة من ألمع مثقفي المحافظين الجدد. وها هم يكذبون، في حفلة الوداع، مدعين البراءة، بعدما استخدموا ثقافتهم في ارتكاب جريمة العصر. لكن من يحاكمهم، مع وزيرهم ورئيسهم ونائبه وباقي المسؤولين؟ عن صحيفة الحياة 26/10/2008