خارطة طريق مصرية.. ومرجعية عربية!! هاني حبيب أخيراً، وضعت القاهرة بين أيدي قادة الفصائل الفلسطينية، رؤيتها للأساس الذي ينبغي أن يشكل قاعدة للحوار الوطني الفلسطيني بعد قرابة شهرين من المباحثات المستفيضة التي أجرتها القيادة المصرية مع ممثلي هذه الفصائل في القاهرة، ما تضمنته هذه الوثيقة لم يكن مفاجئاً، ليس لأنه تم تسريب معظم ما جاء فيها الى وسائل الإعلام، ولكن لأنها تمثل حصيلة توافقات متوقعة بين مختلف رؤى الفصائل المختلفة، وهكذا كان، فهذه الرؤية المصرية، تنسجم مع الطابع التوافقي الجامع لكل مكونات الخلاف بين مختلف الفصائل، غير ان هذا الطابع هو نفسه الذي يجعل من هذه الوثيقة، موطئاً لكل الملاحظات والتحفظات عليها من قبل الفصائل الفلسطينية التي برأينا لم تصل بعد الى ان مفهوم التوافق يتضمن عدم التمترس وراء المواقف المسبقة المعروفة، وإبداء مرونة تصل الى حد التنازل عن بعض المفاهيم والمواقف المتداولة، ولعل عدم تحديد الصيغ التي جاءت في هذه الوثيقة بدقة، يعكس رغبة القاهرة، في ان يكون الحوار هو الحكم على هذه المواقف من دون أن تفرض رؤيتها المحددة، وهي بذلك، وضعت الارضية الصالحة للحوار، وفي نفس الوقت، لتجاذب الخلافات والاصطفافات. هناك الكثير في هذه الوثيقة الذي يحتاج الى توصيف محدد، والتي لا يمكن التمادي في بحث تفاصيلها، ولكن وعلى سبيل المثال، وكما جاء في البند الاول (رقم 8) حول الحكومة المقترحة، فهي حكومة "توافق وطني" تفسرها حركة حماس بأنها حكومة فصائل أساسها فصيلا "فتح" و"حماس"، بينما تفسرها باقي الفصائل، وخصوصاً حركة فتح والرئاسة الفلسطينية، بأنها حكومة تكنوقراط توافق عليها الفصائل، وهي مواقف معروفة سلفاً، كانت القاهرة تدركها ولا تزال، لكنها تركت الباب مفتوحاً أمام الحوار لحسمها. وفي نفس البند والسطر. يشار الى ان مهام هذه الحكومة محددة تتمثل في فك الحصار، و"تسيير الحياة للشعب والإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة"، وهنا تكمن عدة ألغام في هذا النص الغامض، فاختيار فك الحصار وكأنه اولى المهمات، يعني ضمناً أن لا تشارك حماس مباشرة في هذه الحكومة، إذ ان الحصار جاء على خلفية حكومتها السابقة والحالية، وهو موقف معلن من قبل "الرباعية الدولية" وهذا يعني - ضمناً - ان الحكومة هي حكومة لا تشارك فيها حركة حماس مباشرة، أي موقف الرئاسة وحركة فتح ومعظم الفصائل، الذي يفضلون حكومة تكنوقراط تنال رضا وموافقة الفصائل، أما اللغم الثاني فيتمثل في اجراء "انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة" ولم يتم ذكر كلمة متزامنة، لكن القول انها "جديدة" يتضمن مثل هذا الامر، لكن ذلك يتوقف على تفسيرات متفاوتة من قبل الفصائل المختلفة، وكذلك بالنسبة الى الإشراف على بناء الاجهزة الامنية، كما جاء في مهام الحكومة المتوقعة، ذلك ان هذا الإشراف منوط بكيفية تشكيل الحكومة وصفتها المحددة، اذا ما سيكتب لهذا الإشراف النجاح. ولكن وفي البند العاشر، نجد مصطلح "اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة"، وهو أكثر تحديداً، وكان ينبغي أن تضاف الكلمة الى البند الثامن، وفي نفس البند حديث عن "مراجعة قانون الانتخابات" وهو القانون الذي لا يزال موضع خلاف حاد في تفسيره الحالي، كما في مدى الحاجة الى تعديله اصلاً، فكل فصيل يحاول أن يكون القانون الانتخابي وسيلة لنجاحه، بصرف النظر عن مدى تطابق هذا القانون الانتخابي مع الوضع الفلسطيني. ولسنا بصدد تناول كافة المصطلحات و"المفاهيم الغامضة" التي تضمنتها الرؤية المصرية للحوار الفلسطيني، لأننا ندرك ان هذه الرؤية انما هي اعلان مبادئ أو خارطة طريق، ينبغي للحوار أن يحسم فهماً مشتركاً متوافقاً عليه، لكل مصطلح أو مفهوم، وعند الحوار، سيظهر ان الفصائل الفلسطينية لم تتعود أن تجري حواراً يتسم بالمرونة بقدر ما تتشبث بمواقفها المعروفة والمتكررة رغم ان المطلوب هو تنازلات متبادلة لصالح وضع حد للانقسام، الذي برأينا، يخدم مصالح فصائلية أو شخصية في كثير من الاحيان، بما يجعل من المواقف المسبقة، والتأكيد عليها، عقبة كأداء أمام الحوار الذي يبدو شاملاً، كما يبدو أن حركتي "فتح" و"حماس" ستتحكمان بمعظم مفاصله. خارطة الطريق المصرية هذه، لها اهميتها المميزة عن باقي المبادرات، كونها تأتي بعد فشل العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني الاسرائيلي، وبعد أن اخذ الانقسام الداخلي الفلسطيني بعداً واقعياً يجعل من الوقت سيفاً مسلطاً على القضية الفلسطينية برمتها، لكن الطريقة التي اتبعتها القاهرة للتوصل الى مثل هذه الخارطة من خلال عقد لقاءات اولية مع قادة أو ممثلي الفصائل للتوصل الى آفاق ورؤية توافقية، كانت مبادرات فلسطينية سابقة قد اتبعتها، وفي بعض المرات أكثر تحديداً أو جرأة، مثل تلك المبادرة التي أطلقتها مؤسسة "بال ثينك" التي لم تكتف باللقاءات الاولية مع ممثلي الفصائل، بل وأيضاً وضع أسس تهيئ للحوار، مثل وقف الحملات الاعلامية المتبادلة، والتراجع عن قوانين تم سنها على خلفية الصراع والخلاف، كما انها تضمنت اليات وتوقيتات، وهو ما لم يتم في الرؤية المصرية، الا ان أحد أهم مميزات خارطة الطريق المصرية، انها تتخذ بعداً عربياً، ومرجعية عربية من خلال جامعة الدول العربية، بما يكفل على الاقل أن تصبح المنظومة العربية شاهداً على الجهات التي لا تريد لهذا الحوار أن ينجح. وفي هذا السياق، لا نتمنى على القاهرة أن تكتفي بإصدار هذه الرؤية - الخارطة، بل الاستمرار في دعم كل الاطراف التي تعتقد ان هذه الرؤية يجب ان تترجم الى وقائع على الارض، فالجمهور الفلسطيني بات يتطلع الى القاهرة باعتبارها المنقذ من هذا الوضع الشاذ غير المسبوق في الساحة الفلسطينية، والمرجعية العربية لا يجب أن تكون مجرد أمنية، بقدر ما هي واجب عربي قومي، غاب لسنوات على أن يشكل البعد الذي يجب القياس عليه، فيما إذا كانت القضية الفلسطينية، هي قضية العرب الاولى، أم أن الامر يتعلق بالشعارات ليس إلا!!. عن صحيفة الايام الفلسطينية 26/10/2008