ما لا يمكن إنكاره هو ان الأميركيين مسؤولون جهاد الخازن ذات يوم قرب نهاية صيف 1974 ذهبت الى واشنطن لإجراء مقابلة لوزير الخزانة في حينه وليام سايمون، ساعدني في ترتيبها الملحق الصحافي الأميركي في بيروت، وكان من أصل مصري لا يحضرني اسمه الآن لأنني أكتب وأنا على سفر. كان موضوع المقابلة أسعار النفط فبعد الحظر العربي في السنة السابقة ارتفعت الأسعار أربعة أضعاف، واستقرت في حدود 15 دولاراً للبرميل، ما اعتبر سعراً عالياً جداً، وكانت هناك أخبار عن أن الولاياتالمتحدة تريد خفض الأسعار وتضغط في هذا الاتجاه. اليوم، إذا دخلت فندقاً فقد أفتش على الباب، أما في تلك الأيام فكنا في دنيا ما قبل الإرهاب وشرّه، ووجدت عند مدخل المبنى الضخم الفخم، الى يمين البيت الأبيض، حارساً كهلاً بثياب احتفالية، سألته اين مكتب الوزير لأن عندي موعداً معه، فقال ان عليّ أن اصعد الى الطابق الثاني، وأسير الى نهاية الممر حيث سأجد من يساعدني. صعدت وسرت حتى وجدت حارساً آخر وراء طاولة على زاوية يلتقي فيها ممران بزاوية قائمة، وكررت سبب وجودي، فأشار الى باب قال انه مدخل مكتب الوزير. ووجدت الباب مفتوحاً فدخلت الى غرفة ضمت أربع سكرتيرات، ما رأتني إحداهن حتى قالت: مستر كازان؟ وقادتني الى مكتب وليام (بيل) سايمون. جلسنا وحيدين، وكان لطيفاً للغاية، طلب مني عدم التسجيل ليأخذ حريته في الكلام. وهو رد على كل أسئلتي، وفوجئت بأنه لا يسعى الى خفض الأسعار، مع انه يتمنى ذلك، ويكفيه وقف ارتفاعها. وهو قال ان من غير المنطقي ان يحاول خفض الأسعار وهناك طلب وهي ترتفع، ولكن يرجو من المنتجين ان يزيدوا الإنتاج لوقف الارتفاع. قلت له إن شاه ايران مصرّ على رفع الأسعار، وهو رد بهدوء ما ترجمته: نحن صنعناه ونستطيع ان نكسره. وفوجئت بالرد القوي ونظرت الى الوزير فقال ان رده ليس للنشر، وسألته ماذا يفعل إذا نشرته، فقال ضاحكاً انه سينكر كل شيء، فلهذا طلب مني ألا أسجّل المقابلة. المقابلة نشرت في ال «ديلي ستار» التي كنت أرأس تحريرها، ونشرت بعدها مقابلة أجريتها مع ديفيد اينالز، الوزير في وزارة الخارجية البريطانية في حينه، واللورد بعد ذلك، فقد توقفت في لندن في طريق العودة، وكانت المقابلتان أول جهد خارجي لي، فقبل ذلك كان الملك حسين أول زعيم أجري له مقابلة صحافية. ما سبق عاد إليّ وأنا أقرأ خبراً طلبت على أساسه تقريراً طويلاً مفصلاً كتبه أندرو سكوت كوبر وأساسه وثائق تخرج الى النور للمرة الأولى، وهي محفوظة في مكتبة الرئيس جيرالد فورد، في مدينة آن أربور، بولاية ميشيغان. كان الأميركيون سرّوا لرفض حليفهم شاه ايران المشاركة في حظر النفط سنة 1973، إلا انهم غضبوا عليه بعد ان استضاف قمة نفطية قرب نهاية 1973، أدت الى رفع الأسعار أكثر من أربعة أضعاف. في الأوراق المنشورة تبرز محاولة سايمون الضغط على الشاه لحمله على المساعدة في خفض الأسعار، ودفاع هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي في حينه، عن الشاه لأنه حليف ويمكن الاعتماد عليه في مواجهة الاتحاد السوفياتي. وهو حذر حرفياً «لا نستطيع ان نضغط عليه من دون ان نكسره». غير ان هذا ما حدث، وخلف الشاه نظام معادٍ للولايات المتحدة فربحت هذه على صعيد تجميد الأسعار، وخسرت أكثر بقيام نظام يهدد مصالحها. كاتب التقرير يجري مقارنة بين ايران الشاه وإيران محمود أحمدي نجاد، ويلاحظ ان الشاه في غروره وطموحاته وأطماعه أنفق أكثر كثيراً من دخل بلده، فزاد التضخم وارتفعت البطالة، وأن هذا ما يحدث الآن في ظل حكم احمدي نجاد. كل هذا صحيح غير انني وجدت التقرير درساً في التعامل مع الولاياتالمتحدة، فقد كان الشاه حليفها الأول والأهم في المنطقة، حتى ضربها في جيبها، فتخلت عنه، من دون ان تفكر بسياسة من يأتي بعده، وهل تستطيع الولاياتالمتحدة التعامل معه. النتيجة معروفة، والأميركيون يزعمون ان محمود احمدي نجاد كان بين الطلاب الذين احتجزوا الديبلوماسيين في السفارة الأميركية في طهران 444 يوماً بعد الثورة، وهو ينكر ذلك، إلا ان ما لا يمكن إنكاره هو ان الأميركيين مسؤولون عن صعود أمثال محمود احمدي نجاد. وأكمل غداً وقصة أخرى من وحي الموضوع. عن صحيفة الحياة 22/10/2008