سلام.. بين خريفين وليد أبي مرشد لم تقرع طبول الحرب في الشرق الاوسط على مستوى «سيمفونية إقليمية» كما تقرع اليوم: * في العراق حرب بدأت تحريرية وتحولت مذهبية وتهدد اليوم بأن تصبح تقسيمية لكيان الدولة. * في غزة والضفة الغربية حرب اسرائيلية على الشعب الفلسطيني كانت، ولا تزال، حرب العضو «المزروع» قسرا على الجسم الرافض له. * على الحدود التركية العراقية بوادر حرب متجددة بين عسكر «تركيا الفتاة» ومشروع الدولة الكردية المنطلقة من كردستان العراق. * وعلى خط التماس الاميركي الايراني مشروع مواجهة عسكرية مهدت لها واشنطن بتصنيف «الحرس الثوري» منظمة ارهابية في ما يمكن ان يتحول تغطية سياسية لقصف محتمل لمعسكرات تدريب الحرس داخل ايران... وربما مدخلاً لحرب أميركية أخرى في الشرق الاوسط يبدو، حتى الآن، ان الادارة الجمهورية تفضل «توريثها» للادارة الديمقراطية القادمة عوض شنها بنفسها. وسط هذه الاجواء المتوترة تقترح واشنطن عقد مؤتمر لسلام شرق أوسطي لم تتضح بعد أجندته ولا حتى أسماء المدعوين لحضوره يعقد هذا الخريف في أنابوليس . هل تشكل الدعوة لمؤتمر الخريف تراجعا عن دبلوماسية «الفوضى البناءة» التي نادت بها وزيرة الخارجية الاميركية، كوندوليسا رايس، أم انها محاولة أخيرة لوقف التدهور المتواصل في استقرار الشرق الاوسط بعد أن أصبح آخر بؤرة متفجرة في العالم في أعقاب تهدئة القضية البلقانية (ولا نقول تسويتها). عشية مؤتمر الخريف تبدو الادارة الاميركية وكأنها تعاني من مشكلة تصنيف واقعي لأولوياتها الخارجية في الشرق الاوسط، وتتحاشى الاقرار بان «أم الازمات» في المنطقة ونقطة البيكار في استقرارها هي القضية الفلسطينية. لو سّرعت ادارة الرئيس بوش تنفيذ «رؤيتها» لدولة فلسطينية تتعايش بسلام مع الكيان الصهيوني (والتي حددت العام 2005 موعدا لقيامها) لحالت دون قيام «بنغلاديش» إسلامية في غزة تعرقل مشروع الدولة الديمقراطية وتزيد من هموم واشنطن الاصولية، ولكانت تسببت بشرخ حتمي بين من يعاديها «قوميا»، على الساحة العربية، ومن يعاديها «أصوليا». ولو كانت محاربة الاصولية الاسلامية الهاجس الفعلي للادارة الاميركية بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2002، لما «ألغت» الخصم الاقليمي العلماني للنظام الاصولي في طهران، أي العراق وهي تدرك قبل غيرها أن إلغاء العراق يفرز خللا كبيرا في موازين القوى العربية الايرانية من جهة، والعربية الاسرائيلية، من جهة ثانية ويطلق يد النظام الايراني في تطوير ترسانة نووية لن يقصّر بتوظيفها في تسويق أصوليته «الثورية» وتعزيز هيمنته السياسية في الشرق الاوسط (ولبنان مجرد مثال أولي). أن يمتلك نظام شمولي في الشرق الاوسط ملتزم بتصدير أصوليته «الثورية» الى دول الجوار سلاحا نوويا... أمر غير مستساغ من دول الجوار. ولكن، بالمقابل، أن يحتكر كيان مغتصب للارض وللشعب السلاح النووي في الشرق الاوسط... أمر آخر غير مطمئن لدول وشعوب المنطقة. ورغم ان منطق الدبلوماسية «المتوازنة» كان يفترض ان تواجه واشنطن «الخطرين» معا بتبني دعوة الدول العربية الى شرق أوسط «خال من السلاح النووي»، ورغم ان الاقتراح العربي يتيح لها ضرب «عصفورين بحجر واحد»: إخضاع ترسانة اسرائيل النووية لرقابة دولية أي اميركية بنهاية المطاف وقطع الطريق على محاولة اي دولة شرق اوسطية كانت تطوير سلاح نووي، فضلت التصدي للخطر الممكن على مواجهة الخطر القائم. مؤتمر الخريف في أنابوليس قد يكون فرصة إدارة بوش الاخيرة لإعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط وفق إلحاحية طابعها وليس رغبات «اللوبي» الصهيوني في واشنطن... فإذا حققت اختراقا تاريخيا على صعيد التسوية الفلسطينية تكون قد خطت الخطوة الاولى على طريق دعم استقرار الشرق الاوسط وفي الوقت نفسه تعزيز مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية. ولكن بعد ان فقدت ادارة بوش اكثريتها في الكونغرس ومصداقيتها في الشارع وبعد ان أرجأت عقد مؤتمر الخريف الى «خريف» ولايتها يجوز التساؤل: هل يرجى خيرا من محاولتها «استعادة» زمام المبادرة في الشرق الأوسط... متأخرة خمس سنوات على الاقل؟ عن صحيفة الشرق الاوسط 1/11/2007