يبدو أنه سيكون من الصحيح أكثر تقييم زيارة بوش في ضوء الأهداف التي أراد تحقيقها. فلزيارة بوش الي الشرق الأوسط، حيث كانت إسرائيل محطة من محطاتها، عدد من الأهداف تنضم جميعاً الي استراتيجية اقليمية شاملة: 1 تنسيق وتجنيد الدعم الإقليمي مقابل إيران: إدارة بوش تأمل في حشد التأييد من قبل المعسكر العربي المعتدل (دول الخليج، لا سيما السعودية، وكذلك مصر والأردن) لبلورة ائتلاف اقليمي يصد التأثير المتصاعد لإيران في الشرق الأوسط. 2 دفع المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية قدماً: فبعد أن حصلت عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين علي إنعاش (اصطناعي) في قمة أنابوليس، تجد إدارة بوش نفسها معنية في الحفاظ علي الزخم ومواصلة المفاوضات. والفرضية هي أن التقدم علي المستوي الفلسطيني سيسهل علي إدارة بوش عملية حشد وتجنيد التأييد العربي مقابل إيران. 3 دعم إسرائيل وحكومة أولمرت: أعرب الرئيس بوش طوال سبع سنين من ولايته عن مواقف مؤيدة لإسرائيل بشكل متواصل، ويبدو أن تأييده ودعمه لإسرائيل حقيقي، سواء كان هذا التأييد متأثراً بوجهة نظره الدينية أو نابعاً من ظروف العمليات التي حصلت في 11 سبتمبر والحرب ضد الإرهاب. لكن دعم بوش لحكومة أولمرت ووعده باستقرارها، يخدم أيضاً مصلحة آنية تتمثل في كون هذا الدعم يتيح استمرار المفاوضات مع الفلسطينيين، الأمر الذي يرمي الي المساعدة في تجنيد الائتلاف الدولي مقابل إيران. لكن كيف تقف هذه الأهداف أمام اختبار الواقع الشرق أوسطي: تأييد حكومة أولمرت خلال المؤتمر الصحفي المشترك، أغدق بوش الكثير من الثناء علي رئيس الحكومة أولمرت. وخلال العشاء المشترك الذي جمع بوش مع قادة أحزاب الائتلاف الحكومي، من بينها قادة أحزاب اليمين، ايلي يشاي عن شاس، وأفيجدور ليبرمان عن إسرائيل بيتنا، اللذان يهددان بالانسحاب من الحكومة في حال أجري أولمرت مفاوضات حول قضايا التسوية الدائمة، قال بوش للوزراء: "أولمرت زعيم قوي. حافظوا عليه كي يواصل القيادة". وفي مرحلة معينة، مررت وزيرة الخارجية رايس قصاصة ورق اليه طلبت فيها منه أن يصمت، وذلك لخشيتها، علي ما يبدو، من تدخل زائد يقوم به رئيس الولاياتالمتحدة في السياسة الداخلية لإسرائيل. يولي الجمهور في إسرائيل أهمية كبيرة للعلاقات الجيدة مع الولاياتالمتحدة، وقد استمتع قادة أحزاب الائتلاف الحكومي، من دون شك، باللقاء مع بوش. لكن ليس واضحاً مدي التأثير الذي سيتركه هذا الأمر علي مستقبل أولمرت السياسي. عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. تدعي محافل في العالم العربي أن إدارة بوش تريد فقط تقدماً ظاهرياً علي الصعيد الفلسطيني من أجل الحصول علي تأييد عربي مقابل إيران. لكن، كما يظهر من قمة أنابوليس، ومن الزيارة الي إسرائيل، يبدو أن إدارة بوش تتحرك بشكل تدريجي نحو تدخل أكبر في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وعلي الرغم من أن بوش أوضح خلال الزيارة أنه ما زال يعارض فرض تسوية علي الطرفين من قبل الولاياتالمتحدة، إلا أنه يمكن ملاحظة وجود محاولة أمريكية للتأثير علي مضمون التسوية الدائمة وعلي مجريات المفاوضات. ومن جملة الأمور، تحاول إدارة بوش عرض نهج أكثر توازناً، لكنه لا يزال أقرب الي إسرائيل. ولكن بوش لم يقترح حلاً للعنصر الرئيسي الذي يمنع حصول تقدم نحو التسوية الإسرائيلية الفلسطينية اليوم وهو ضعف حركة فتح بقيادة محمود عباس، والانشقاق بين غزة التي تسيطر عليها حركة حماس، وبين الضفة التي تسيطر عليها حركة فتح من الناحية الرسمية، بينما يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي من الناحية الواقعية العملية. وطالما حافظت حماس علي قوتها، وطالما كانت هناك خشية من سيطرتها علي الكيان الفلسطيني، فستجد إسرائيل صعوبة في التنازل عن أراضٍ وإتاحة إقامة دولة فلسطينية مستقلة. التهديد الإيراني الدول العربية المعتدلة تشعر بالقلق من التهديد الإيراني، بسبب التطوير النووي وبسبب الخشية من الحركات الشيعية والإسلام الراديكالي، وتري في كبح إيران مصلحة قومية بالنسبة لها. ترمي الخطوة الأمريكية الي بلورة ائتلاف عربي معتدل، مع إسرائيل ك"شريك هادئ"، لصد إيران. ومن المحتمل أن الخطوات المهمة مقابل إيران ستتطلب من إسرائيل كبح جماح تكتيكي علي الحلبة الفلسطينية. ذلك أن الهدوء علي هذه الحلبة يمكنه بالطبع المساعدة علي تركيز المساعي والجهود مقابل إيران، لكن لن يكون من الصحيح اشتراط الصراع لكبح إيران بالتقدم في التسوية علي الحلبة الفلسطينية التي تعاني من عدم استقرار مزمن. لكن الدكتور تشاك فرايلخ، نائب رئيس مجلس الأمن القومي في إسرائيل سابقاً، ادعي في بحث أجراه أنه علي الرغم من العلاقات الوثيقة بين إسرائيل والولاياتالمتحدة، وعلي الرغم من كثرة أُكر التنسيق والاتصالات بينهما، تظهر خشية من أنه نقص في الحوار حول القضية النووية الإيرانية. فالذهول الذي استقبلت به إسرائيل التقرير الاستخباري الأمريكي، الذي اقر بأن إيران جمدت مشروعها النووي العسكري في العام 2003، يؤكد ادعاء فريلخ إزاء الحوار المشوب بالخلل. سواء اقتنع بوش بصحة تقدير الاستخبارات الإسرائيلية أم لم يقتنع، ثمة أهمية عليا لتحسين الحوار والتنسيق بين إسرائيل والولاياتالمتحدة في القضية الإيرانية. ففي الوضع المثالي، ستتم بلورة تقدير مشترك متين، وموقف منسق إزاء طرق العمل الجدية، لكن حتي لو لم يتم التوصل الي اتفاق، من الضروري أن يدرك الطرفان تقديرات ومواقف الطرف الآخر وأن يمتنع أحدهما عن مفاجأة الآخر (مثل حوار أمريكي إيراني، أو عملية إسرائيلية من جانب واحد).