لقد بدا واضحاً الآن، اعتزام الرئيس بوش، خوض مواجهة سياسية، اقتصادية وعسكرية مع إيران، بدلاً من إدخالها طرفاً في المفاوضات الإقليمية، حسبما نصحت بذلك، "مجموعة دراسة العراق"، التي ترأسها كل من جيمس بيكر ولي هاملتون. كما يبدو واضحاً أن بوش قد تأثر في قراره هذا، بآراء مستشاريه الموالين لإسرائيل، من أمثال "إليوت أبرامز"، وهو المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط، بمجلس الأمن القومي، كذلك بآراء كبار الاستراتيجيين في عدد من مؤسسات البحث العلمي "المحافظة" مثل معهد "أمريكان إنتربرايز"ِ، مع العلم بأن هؤلاء لطالما أثاروا الزوابع من قبل وتعالت مطالبهم بتغيير النظام في طهران. وعلي رغم الانتكاسات الكبيرة التي مني بها "المحافظون الجدد" في واشنطن، جراء الفشل الذريع لاستراتيجيتهم الخاصة بالعراق، فإنهم لا يزالون يمارسون تأثيرهم وسطوتهم الكبيرة علي البيت الأبيض، وكذلك علي مكتب نائب الرئيس ديك تشيني. وأثناء زيارة قريبة لها إلي منطقة الشرق الأوسط، كانت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، قد سعت لاستقطاب دعم عدد من الدول العربية والشرق أوسطية، إلي سياسات الولاياتالمتحدة، الرامية إلي مواجهة طهران. وعلي رغم القلق الذي يساور العديد من هذه الدول، إزاء تصاعد الدور الواضح للوجه العدواني الشيعي، ولحليفته إيران في المنطقة، فإن هذه الدول تبدي قلقاً أكبر إزاء احتمال نشوب حرب ِأمريكية- إسرائيلية ضد طهران. وفيما لو حدثت مواجهة عسكرية كهذه، فإنها لاشك سوف تلقي بتأثيراتها وعواقبها الوخيمة علي كافة دول المنطقة وشعوبها. ولا يزال الهدف المعلن من قبل الولاياتالمتحدة هو "احتواء" إيران، والحد من نفوذها وتأثيرها علي منطقة الشرق الأوسط. غير أن الخطر الكامن وراء سياسة كهذه، هو أن يتجاوز الهجوم علي إيران، حدود الملاسنة والتراشق اللفظي والعقوبات المفروضة حالياً، ليتصاعد إلي تحرشات واشتباكات عسكرية، لا يستبعد تطورها إلي حرب ومواجهة عسكرية واسعة النطاق. وهناك من الخبراء والمحللين من يعتقد، أنه وفي حال توجيه الولاياتالمتحدة ضربة عسكرية لإيران، فربما تقرر هذه الأخيرة، إطلاق صواريخ علي القواعد العسكرية الأمريكية المنصوبة في العراق ومنطقة الخليج العربي، بينما لا يستبعد أن يستأنف "حزب الله" هجماته الصاروخية علي إسرائيل، ما يترك الباب واسعاً أمام احتمال غزو إسرائيل لسوريا. وبذلك تكون قد اندلعت نيران حرب إقليمية واسعة النطاق، تلقي بتداعياتها السالبة علي كافة الأطراف المشاركة فيها. يذكر أن واشنطن قد ناصبت طهران العداء منذ وقت ليس بالقريب، وخاصة فيما أسماه بوش بتعبيره الشهير، سيئ الصيت، "محور الشر". غير أن قراراً تم اتخاذه خلال الفترة القريبة الماضية فيما يبدو، باتخاذ إجراءات مشددة ضد طهران، التي وصف نائب الرئيس ديك تشيني في تصريح أخير له، نظامها الحاكم بأنه بات يشكل مهدداً متعدد الجوانب والزوايا للولايات المتحدةالأمريكية ولحلفائها الإقليميين والدوليين. ويمكننا أن نجمل وجهات النظر الأمريكية لهذه المهددات الأمريكية، فيما يلي: أولاً: تناهض إيران الهيمنة الأمريكية علي منطقة الخليج العربي، وبالتالي فهي تسعي لوضع حد للوجود العسكري الكثيف في هذه المنطقة، مع استبدال ذلك النفوذ الأمريكي، بآخر إيراني يحل محله، علي أن تسنده، في هذه الحالة، الأيديولوجية الإسلامية الثورية التي تؤمن بها طهران. ثانياً: يشكل البرنامج النووي الإيراني، الرامي إلي تطوير السلاح النووي في الأساس، مهدداً أمنياً جدياً لدولة إسرائيل وكذلك للدول العربية الحليفة للولايات المتحدةالأمريكية. وما لم يوضع حد لهذا البرنامج، فإنه سيحد من حرية ونفوذ الولاياتالمتحدة في المنطقة، وكذلك علي نفوذ إسرائيل، مما يعني عملياً قلب موازين القوي الإقليمية لصالح إيران. ثالثاً: ونتيجة لهيمنتها علي مضيق هرمز، فإنه سيكون في وسع إيران أن تقطع تدفقات النفط الشرق أوسطي إلي شتي بلدان ودول العالم الصناعي الغربي. رابعاً: لقد تغلغل عدد من جنود سلاح الحرس الثوري الإيراني، إلي داخل العراق، حيث ينهمكون الآن في مهام تدريب وتسليح المليشيات الشيعية، وحض مقاتليها علي إراقة دماء الجنود الأمريكيين، والحيلولة دون تحقيق الاستقرار الأمني المنشود في العراق. خامساً: تسعي طهران -عن طريق حليفها "حزب الله"- إلي زعزعة استقرار حكومة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، الموالية لأمريكا وكذلك للإطاحة بقيادة السلطة الفلسطينية، ممثلة في شخص رئيسها محمود عباس، وبذلك يتسني لطهران، مد أياديها وتوسيع نفوذها علي السياسات اللبنانية الداخلية، في ذات الوقت الذي توسع فيه النفوذ نفسه، علي ساحة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. سادساً: وعلي صعيد أمريكا اللاتينية، فقد لوحظ انحياز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، إلي صف أعداء أمريكا وخصومها هناك، من أمثال هوجو شافيز، ودانيل أورتيجا رئيس نيكاراجوا، ورئيس الإكوادور "رافائيل كوريا" والرئيس البوليفي "إيفو موراليس". وأصبح هؤلاء جميعاً يشكلون جبهة واحدة مشتركة، معادية للإمبريالية الأمريكية. وفي سبيل التصدي لهذا الخطر الإيراني المتعدد الوجوه والجوانب، فقد تبنت واشنطن استراتيجية متعددة الشعب والأسنان هي الأخري. وتتضمن هذه الاستراتيجية إصابة نظام إيران المصرفي بالكساح والشلل التام، وكذلك شل قدراتها علي تمويل تجارتها الخارجية، وذلك عن طريق ممارسة الضغوط علي البنوك العالمية، ومنعها من التعامل مع طهران. أما عسكرياً، فقد سارعت واشنطن إلي إرسال اثنتين من حاملات طائراتها ومقاتلاتها الجوية_ هما "إيزنهاور" و"ستينز"- إلي منطقة قريبة الإبحار من إيران، حتي يتسني لها ردع القدرات الصاروخية والبحرية الإيرانية، ثم عززت واشنطن كل ذلك الانتشار العسكري الإقليمي في المنطقة، بنشر أنظمة "باتريوت" الصاروخية الدفاعية، في منطقة الخليج العربي. إلي ذلك فقد اتخذت واشنطن من الإجراءات والتحوطات ما يحول دون عرقلة طهران لتدفقات النفط الشرق أوسطي.