مؤتمر دمشقالفلسطيني: محاولة سورية إيرانية محكومة بالفشل! صالح القلاب في وقت لاحق من هذا الشهر، ستستضيف دمشق، بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن جمهورية إيران الإسلامية، مؤتمراً مضاداً لمؤتمر «أنابوليس» الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش والذي من المتوقع أن ينعقد في نهايات الشهر الحالي أو بدايات الشهر المقبل، وسيكون مؤتمر دمشق هذا مؤتمراً لكل قوى التحالف الإيراني السوري وهو سيُعقد بأموال «الحلال» الإيرانية وسيحضره حزب الله إلى جانب حركة «حماس» الفلسطينية وغير مستبعد أن يتمثل فيه «فيلق القدس» التابع لجيش حرس الثورة الإيرانية الذي اعتبر، بموجب قرار أميركي صدر أخيراً، على أنه منظمة إرهابية. سينعقد هذا المؤتمر، الذي جرى الإعداد له جيداً برعاية سورية وإيرانية على مدى الشهور الأخيرة منذ استئناف عملية السلام بين الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولميرت، في منتجع «صحارى» الذي يملكه اتحاد عمال سوريا والواقع في إحدى ضواحي العاصمة السورية والمتوقع أن يفتتحه مسؤول سوري كبير وأن يشارك في حفل افتتاحه نائب الرئيس الإيراني وتحضره شخصيات لبنانية موالية لدمشق ومؤيدة لاحتفاظ نظام الرئيس بشار الأسد بمجالٍ حيوي أمني وسياسي فاعل ومؤثر في لبنان. سيكون هذا المؤتمر، الذي سينعقد عشية انعقاد مؤتمر «أنابوليس» والذي كانت إيران قد عقدت مؤتمراً مثله في طهران في عام 1991 عشية انعقاد مؤتمر مدريد الشهير، بمثابة مهرجان لحلف «فسطاط الممانعة والمقاومة» الذي كان أعلنه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والذي يضم بالإضافة إلى جمهورية «الولي الفقيه» الإسلامية وبالإضافة إلى النظام الذي يحكم باسم حزب البعث في سوريا كلاً من حركة «حماس» وحزب الله اللبناني وبعض الميليشيات المذهبية العراقية وتنظيمات فلسطينية هامشية لا وجود لأي منها داخل فلسطين مثل «فتح الإنتفاضة» والجبهة الشعبية القيادة العامة بقيادة الضابط السابق في الجيش السوري أحمد جبريل وأحد انشقاقات جبهة التحرير الفلسطينية التي كان يقودها محمد عباس (أبو العباس) الذي توفي في بغداد بعد احتلالها في عام 2003.. وكل ذلك بالإضافة إلى منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية قوات الصاعقة التي كان أسسها حزب البعث (السوري) عشية حرب يونيو (حزيران) 1967 ولعبت دوراً رئيسياً في ساحة العمل الفدائي الفلسطينية لنحو ثلاثة أعوام ثم بدأت بالتلاشي بعد حركة الرئيس حافظ الأسد التصحيحية في عام 1970 إلى أن أصبحت مجرد رقم ثانوي في معادلة التنظيمات الفلسطينية. لقد بات في حكم المؤكد أن «الجبهة الديموقراطية» لن تحضر هذا المؤتمر، وهذا ما أكده أمينها العام نايف حواتمة خلال زيارة له في الأسبوع الماضي إلى عمان أما بالنسبة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كان أسسها الدكتور جورج حبش بعد حلِّ حركة القوميين العرب في عام 1968 والتي غدا أميناً عاماً لها أحمد سعادات المعتقل الآن في السجون الإسرائيلية فإن هناك معلومات تشير إلى أنها تعيش الآن أزمة داخلية، سياسية وتنظيمية، بسبب إعلان أحد قادتها المقيمين في دمشق بأنها ستشارك في مؤتمر «صحارى» لأنها تعارض العملية السلمية الحالية وترفض مؤتمر «أنابوليس» الآنف الذكر. وحسب بعض كبار المسؤولين الفلسطينيين فإن لمؤتمر دمشق هذا هدفين رئيسيين هما: أولاً: إعطاء شرعية للانقلاب الدموي الذي نفذته حركة «حماس» في منتصف يونيو (حزيران) الماضي ضد حركة «فتح» ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية وسيطرت بموجبه على قطاع غزة حيث أصبح ل«فسطاط الممانعة والمقاومة» رأس جسر في فلسطين كرأس الجسر الذي أقامه حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية والذي غدا مع الوقت بمثابة دولة داخل الدولة اللبنانية.. بل أقوى من الدولة اللبنانية. ثانياً: إظهار، عشية إنعقاد مؤتمر «أنابوليس» هذا الآنف الذكر، أن هناك رقماً رئيسياً في معادلة الشرق الأوسط لا يجوز تجاوزه ولا يمكن التوصل إلى أي حل ناجح وقابل للاستمرار لأزمة هذه المنطقة بدونه حتى لو حضره باقي العرب كلهم وحتى وإن مثلت الفلسطينيين فيه منظمة التحرير والسلطة الوطنية. إن أحد أهداف هذا المؤتمر الرئيسية هو إظهار أن منظمة التحرير لم تعد ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وبالتالي فإنه لا يحق لها أن تمثل الفلسطينيين في مؤتمر «أنابوليس»، الذي من المقرر أن ينعقد في فلوريدا في الولاياتالمتحدة خلال أربعة أسابيع، وأنه لا يحق لها أن تبرم أي اتفاق مع إسرائيل باسم هذا الشعب ونيابة عنه وهذه محاولة كانت قد أقدمت سوريا على مثلها في بدايات ثمانينات القرن الماضي بعد إخراج قوات الفصائل الفلسطينية من بيروت تحت ضغط الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982. في سبتمبر (أيلول) عام 1982 انعقدت في المغرب قمة «فاس» الثانية التي وصل إليها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تواً بعد خروجه من بيروت مروراً بالعاصمة اليونانية «أثينا» ثم بعد ذلك مروراً بتونس التي أصبحت لاحقاً مقراً له ولمنظمته ولمدة عشرة أعوام وقد توصلت هذه القمة إلى قرارات بالنسبة للقضية الفلسطينية في غاية الأهمية استندت فيها إلى مقررات قمة «فاس» الأولى والى مبادرة الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، التي حين أطلقها كان لا يزال وليَّ عهد المملكة العربية السعودية. لقد حظيت تلك المقررات بإجماع عربي لم يشذَّ عنه حتى الراحل حافظ الأسد الذي أظهر امتعاضاً شديداً إزاء ترحيب قادة الدول بياسر عرفات، تقديراً ل«صمودهِ» على مدى ثلاثة أشهر تحت الحصار الذي فرضه عليه الإسرائيليون في بيروت، والذي انفرد الرئيس السوري السابق بعدم الذهاب لاستقباله في مطار «فاس» كبطل منتصر قادم من معركة خاضها نيابة عن الأمة العربية بكل شجاعة. لكن الرئيس السوري السابق، رحمه الله، ما أن عاد من هذا المؤتمر حتى باشر العمل الدؤوب لإحباط مقررات قمة «فاس» هذه وللإطاحة بياسر عرفات وتمزيق حركة «فتح» وشق منظمة التحرير وإنشاء منظمة بديلة لها أو على الأقل منظمة موازية للتشويش عليها وعلى مشاركتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في أي تسوية مقبلة على أساس هذه المقررات. في هذا الإطار جاء العصيان الذي قام به الضابطان في حركة «فتح» أبو موسى و«أبو خالد العملة» في بدايات ربيع عام 1983 والذي كان مسرحه منطقة البقاع اللبناني، وفي هذا الإطار أيضاً كان حصار طرابلس اللبنانية الشهير في العام نفسه وكانت المساعي السورية الدؤوبة التي أعقبت كل هذا للإطاحة برئيس منظمة التحرير ياسر عرفات ولتدمير هذه المنظمة وإنشاء منظمة بديلة يكون مقرها دمشق وتكون ملحقة بالسياسات والتوجهات السورية.. وهذا هو ما يجري الآن وهذا هو هدف مؤتمر " «صحارى» الذي من المقرر أن يُعقد بعد أسبوع برعاية سوريا وإيران ومشاركة «حماس» وكل الفصائل الوهمية الفلسطينية وحضور حزب الله اللبناني وقوى «فسطاط الممانعة والمقاومة» اللبنانية وغير اللبنانية. في تلك المحاولة السابقة كاد نظام الرئيس حافظ الأسد أن يفلح وينجح في القضاء على ياسر عرفات وفي شق منظمة التحرير وخلق منظمة بديلة تكون ملحقة بأجهزته الأمنية على غرار ما هو واقع حال بالنسبة لكل التنظيمات الفلسطينية المتمركزة الآن في دمشق وبما فيها حتى «حماس»، لكن ما حال دون ذلك وأحبط تلك المحاولة هو الموقف العربي الذي تمثل باحتضان الأردن للمجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في عمان في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1984 وهو الموقف الدولي الذي تمثل برفض الاتحاد السوفياتي لذلك التوجه السوري، وهو أيضاً الموقف الداخلي الفلسطيني الذي تمثل بصمود الجبهتين «الشعبية» و«الديموقراطية» في وجه كل الضغوطات التي مورست في ذلك الحين على هاتين المنظمتين الفلسطينيتين وعلى كل الحالة الفلسطينية. ما أشبه اليوم بالأمس فانقلاب غزة الذي قامت به «حماس» ضد حركة «فتح» وضد منظمة التحرير والسلطة الوطنية هو في حقيقة الأمر انقلاب سوري إيراني وهذه مسألة باتت معروفة ومؤكدة ولا تحتاج لأي نقاش والآن إذْ يبادر «فسطاط الممانعة والمقاومة» إلى عقد هذا المؤتمر الذي سينعقد في «صحارى» في دمشق بعد أسبوع فإن الهدف هو الهدف القديم ذاته.. إنه السعي لخلق منظمة بديلة للمنظمة الفلسطينية وإنه المشاغبة على القرار العربي الذي اتخذته قمة الرباط المعروفة في عام 1974 الذي اعتبر أن هذه المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. فهل ستنجح هذه المحاولة الجديدة يا ترى.. وهل سيفلح الإيرانيون والسوريون في هزَّ المعادلة الفلسطينية الداخلية قبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمر «أنابوليس» الذي هناك رهان فلسطيني وعربي ودولي بأنه سيكون محطة رئيسية على طريق حل قضية الشرق الأوسط الحل العادل المنشود..؟! إن الوضع الفلسطيني الراهن أفضل بألف مرة مما كان عليه في بدايات عقد ثمانينات القرن الماضي وإن هناك إلتفافاً عربياً حقيقياً من قبل معظم الدول العربية حول محمود عباس (أبو مازن) ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية وإن هناك التفافاً دولياً يشبه هذا الالتفاف العربي.. ثم إن تحالف «فسطاط الممانعة والمقاومة» ليس بالقوة التي يعتقدها كثيرون، والأسباب هنا واضحة ومعروفة، ولذلك فإن مؤتمر الأسبوع المقبل لن يكون إلا مجرد قفزة في الهواء ومجرد محاولة سورية جديدة ستكون فاشلة بالنتيجة وسيكون مصيرها كمصير تلك المحاولة السابقة الآنفة الذكر!! عن صحيفة الشرق الاوسط 1/11/2007