درس هام من واقعة " العجوز وماكين" جيمس زوغبي كانت واقعة صغيرة في خضم الحملة الانتخابية المرهقة والقاسية بيد أنها حملت الكثير من الدلالات حول مسألة ترددت حولها الأحاديث مرارا وتكرارا منذ بدء الحملة الإنتخابية. في 10 اكتوبر في ليكفيو مينيبوليس وخلال لقاء استضاف المرشح الجمهوري جون ماكين وقفت امرأة مسنة من مؤيديه اسمها جايلي كوينل وأُعطي الميكروفون لها فتحدثت من خلاله قائلة: "أنا لا أثق في أوباما ، لقد قرأت عنه وهو عربي" وبدا على ماكين بوضوح أنه لم يشعر بالارتياح لهذا التعليق فسارع بتناول الميكروفون منها وقال : لا يا مدام ، لا يا مدام ، إنه رجل من أسرة كريمة وهو مواطن ، وإذا كنت اختلف معه حول قضايا أساسية فهذا هو المحور الذي تدور حوله الحملة الانتخابية. ولكنه ليس كذلك. أشكرك. وكانت لحظة قلق وتشوش لأسباب عديدة. فلمدة عامين تقريبا حتى وقتنا الحاضر انتشرت رسائل بريد الكتروني ومطويات تقول أن باراك أوباما مسلم وأكثر من ذلك فقد راحت تنعته بأنه " مسلم في السر" وأنه قد تم زرعه وسطنا لكي يثير حالة من الارباك في ديموقراطيتنا. وبقدر ما يمكن أن تبدو عليه تلك الإدعاءات من غرابة فقد أثيرت أسئلة بالفعل عن محل ميلاد أوباما ومعتقداته وارتباطاته وكلها تدور حول أننا لا نعرف من هو ، ومن هم الذين يمثلهم أو ماذا سيفعل لأميركا. مثل تلك الاتهامات الوهمية تناقلتها أحاديث إذاعية وغذاها مبشرون متطرفون حققوا من وراء ذلك مكاسب مادية. وبطريقة أو بأخرى حاول خصوم أوباما في البداية خلال الانتخابات التمهيدية للديموقراطيين والآن بصورة أكثر قسوة في الانتخابات العامة أن يغذوا تلك الأقاويل المغرضة. في البداية كان الحديث يتضمن عبارات مثل " إنه لا يحبنا" أو "نحن لا نعرف من يكون " أو " إنه لا يؤمن بأميركا التي نؤمن بها نحن جميعا. والآن أصبح الحديث "إنه كذاب" " إنه صديق للإرهابيين" أو " إنه عربي حقا " . وقبل أيام قليلة قام الحزب الجمهوري في فيرجينيا بإرسال بريد جماعي يتضمن صورا مقصوصة لعيني أوباما ومعها عبارة " يجب أن تبدو أميركا شريرة في العين والا تجفل" بينما عمد الحزب الجمهوري في كارولينا الشمالية الى وضع رسائل تليفونية منزلية مسجلة تربط بين الديموقراطيين والإرهابيين. كما نشرت صحيفة محافظين بارزة مقرها واشنطن مقالا تحت عنوان "صوت الجهاديين الإنتخابي "وراحت تزعم القول بأن " الإسلاميين يسعون الى تدمير الحضارة الغربية من الداخل" ويستخدمون حملة أوباما كوسيلة لهم. وبكثرة التكرار يمكن أن تجد حتى الأوهام أرضا خصبة في ظل انعدام الأمن الاقتصادي والخوف من الآخر (وهو أسلوب أفضل لوصف العنصرية والكراهية تجاه الإسلام) وتجد من يصدقها. وهذا هو ما حملته عبارة المرأة المسنة. والآن وبقدر ما أثارت الكلمات حالة من الاضطراب ، إلا أن تجاوب السيناتور ماكين قد اصابني هو الآخر بالاضطراب. فبينما حظى في البداية بسمعة جيدة لدى وسائل الإعلام الرئيسية لدفاعه عن خصمه إلا أن ما أثار القلق لدي هو ذلك المفهوم الضمني الذي حملته إجابته التي افتقدت البراعة ، بقوله أن كون الشخص "عربيا" أو "من أسرة كريمة " هما فئتان بعيدتان ومنفصلتان عن بعضهما الى حد ما. وقد أصدر مكتبي توبيخا ردا على ذلك كما قمت أنا بالرد بنفس الأسلوب على موقع المداخلات الشهير " هوفينجتون بوست" وهو من مواقع المدونين الرائدة في الولاياتالمتحدة ، وكتبت تحت عنوان " جون ماكين : أنا عربي كما أنني رجل محترم" وتحت العنوان كتبت اقول " إذا زادت الأمور عن الحد انقلبت الى الضد ، فعلى الرغم من أنه قد سرنا أن نرى أن ماكين (هذا) يحاول أن يبدد الشائعات التي أثيرت حول السيناتور أوباما فإننا نرى أيضا ضرورة أن نذكر أن العرب الأميركيين هم أيضا رجال ونساء من اصل كريم ويتمتعون بكافة الحقوق والمواطنة كما وردت في إطار الدستور. فالعرب الأميركيون هم جزء من البوتقة التي تنصهر فيها قوة هذا البلد كما أننا نربي أبناءنا وبناتنا كي يكونوا نموذجا للمواطنين من هذه الأمة. ونحن نخدم هذا البلد بشرف. والإدعاء بأن اي مجموعة عرقية قد تحمل بذور الغدر أو المناهضة للولايات المتحدة هو قول غير مقبول وخطير وغير لائق. وقد جاء الرد الذي تلقيته ساحقا وبطريقة غير عادية وايجابية حيث كتب المئات والمئات تعليقاتهم كما بعث كثيرون برسائل بريد الكتروني ومن بين العبارات التي تضمنتها كتاباتهم: هذا النوع من التعليقات يشوه ليس فقط العرب الأميركيين او الأميركيين من أصل إفريقي ولكنه يشوه أميركا كلها. نحن جميعا عرب أميركيون منذ يوم الجمعة ، وأنا أصبحت واحدا منهم. باعتباري مواطنا أميركيا من أصل ياباني فأنا أعلم تماما الأثر الذي قد ينجم عن غوغائية هستيرية لقد آلمني ذلك كأميركي ومن الجدير بالذكر أنه كانت هناك استجابة وإن كانت بطيئة ولكنها ثابتة من المعلقين في وسائل الإعلام في السي ان ان ، وإم اس إن بي سي وكذلك العرض التهكمي الذي قدمه برنامج " ديلي شو" لمقدمه جون ستيوارت حيث انتقد جميعهم السيناتور ماكين لفشله في إدراك أن "العرب" يجب ألا يستخدموا كمادة للتراشق مع خصم. وبالفعل كان التجاوب الجماعي مشجعا ما أكد لدي اعتقادي في الصلاح والخير الأصيل لدى المواطنين من أبناء بلدنا. لقد طال أمد هذه الانتخابات الى حد بعيد كما انها ظلت صعبة. وقد أتاح ذلك الفرصة لتعرية عصب غير ناضج في صميم النفسية الأميركية وأعني به "العرق" والخوف من العرب والمسلمين ( وهي مشكلة موجودة منذ زمن غير أنها تفاقمت بعد الإرهاب المروع في 11 سبتمبر، وعلينا أن نواجهها الآن. وطالما ظلت مثل تلك القضايا دون معالجة فقد تظل مادة للتحريض وإثارة حالة من التخويف وإنعدام الأمن. بيد أن هناك درس يجب تعلمه من واقعة المرأة المسنة وماكين وهي أن الكراهية إذا تركت لحالها فسوف تنمو وتتزايد وإذا تم معالجتها والتصدي لها فمن الممكن القضاء عليها. عن صحيفة الوطن العمانية 20/10/2008