تسجيل رغبات 92 ألف طالب في تنسيق المرحلة الأولى.. والأدبي يتصدر| فيديو    رسميًا.. منح مجانية لطلبة الثانوية العامة في الجامعات الخاصة والأهلية (الشرروط)    وزير الدفاع يلتقي عددًا من مقاتلي الجيش الثاني الميداني وكلية الضباط الاحتياط ومعهد ضباط الصف المعلمين    وزير العمل يعلن بدء إختبارات المرشحين لوظائف بالأردن    وزير الخارجية ورئيس هيئة الرقابة المالية يشهدا توقيع برتوكول تعاون بين الوزارة والهيئة بشأن المصريين بالخارج في إطار مبادرة "تأمينك في مصر"    بنك QNB مصر يشارك في تحالف مصرفي من ستة بنوك يمنح تمويلًا مشتركًا    رئيس الوزراء يوجه بسرعة سداد المديونيات المستحقة لهيئة الشراء الموحد    الجريدة الرسمية تنشر قرار الحد الأدنى لأجور الموظفين والعاملين بالدولة    محافظ الغربية يعتمد الأحوزة العمرانية لعدد من العزب    البورصة تتلقى طلب قيد أسهم شركة أرابيا للاستثمار والتنمية بالسوق الرئيسي    هذه الأسلحة الفاسدة..!!    دمشق تعلن تشكيل مجلس الأعمال السوري التركي    التجويع وضمير الإنسانية    شهيدان جراء استهداف الاحتلال لعناصر تأمين المساعدات شمال غربي غزة    باكستان وإيران يؤكدان ضرورة رفع التبادل التجاري ل 10 مليارات دولار    »مكتب استعلامات« في فنادق إقامة منتخبات بطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عام    سون يقترب من الانتقال إلى لوس أنجلوس الأمريكي    إصابة ميسي تثير القلق في إنتر ميامي    إنفانتينو يشيد بالدعم المصري لكرة القدم ويثمن اتصال رئيس الوزراء    إنتر ميلان يقدم عرضًا جديدًا ل أتالانتا لضم لوكمان    رغم حرارة الجو وارتفاع الأمواج.. شواطئ الإسكندرية تكتظ بالمصطافين وسط تأمين وإنقاذ مشدد    3 أيام صيف حار.. طقس المنيا ومحافظات الصعيد غدا الإثنين    اختبارات للطلاب المتقدمين لمدرسة التكنولوجيا التطبيقية بالعريش    بحضور وزير الثقافة.. انطلاق احتفالية توزيع جائزة المبدع الصغير    سينتيا خليفة بطلة فيلم «سفاح التجمع» مع أحمد الفيشاوي    وزير الخارجية للقاهرة الإخبارية: مصالح المصريين بالخارج ضمن أولويات الدولة    وفاء حامد: تراجع الكواكب يُنذر بمرحلة حرجة.. وأغسطس يحمل مفاجآت كبرى    الهلال الأحمر يطلق حملة للتبرع بالدم بالتعاون مع سفارة إندونيسيا    رئيس الوزراء يتابع جهود دعم صناعة الدواء في مصر    البروفة الودية الأخيرة.. ماييلي يقود هجوم بيراميدز في مواجهة أسوان    وزير الثقافة يُكرّم الفائزين بجوائز الدولة للمبدع الصغير (تفاصيل)    تأجيل محاكمة 11 متهما بخلية التجمع    في يوم مولده.. اللواء محمود توفيق.. حارس الأمن ووزير المعارك الصامتة    نائب وزير الصحة يبحث مع ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان ملفات العمل المشتركة    "ائتلاف نزاهة" يُنهي برنامجه التدريبي استعدادًا للمتابعة الميدانية لانتخابات الشيوخ    إعدام ربة منزل وزوجها استدرجا شخصا بزعم إقامة علاقة غير شرعية وقتلاه بالخانكة    طرحة عروس و"كروب توب".. هاجر الشرنوبي تتألق في أحدث ظهور لها    حسن الرداد يكشف سبب اعتذاره عن «سفاح التجمع»    أمينة الفتوى: فقدان قلادة السيدة عائشة كانت سببا في مشروعية التيمم    برلمانية إيطالية: ما يحدث في غزة مجزرة تتحمل إسرائيل مسؤوليتها الكاملة    بالدموع والدعاء.. تشييع جنازة بونجا حارس وادي دجلة في الإسماعيلية- فيديو وصور    مدرب بروكسي: مصطفى شلبي أفضل من صفقات الزمالك الجديدة    غذاء الكبد والقلب.. طعام سحري يخفض الكوليسترول الضار    توقيع الكشف الطبي على 837 مواطن بقرية منشأة مهنا بالبحيرة    68 لجنة تستعد لاستقبال الناخبين في انتخابات الشيوخ بالبحر الأحمر غدًا    وزيرة التضامن تكرم رئيس جامعة سوهاج وطلابه الفائزين بمشروعات رفيقي والوسادة الإلكترونية    راغب علامة يؤكد احترامه لقرارات النقابة.. ومصطفى كامل يرد: كل الحب والتقدير    مصر تواصل أعمال الإسقاط الجوي للمساعدات الإنسانية على قطاع غزة    رئيس الوزراء يشهد فعاليات افتتاح النسخة السادسة من مؤتمر المصريين بالخارج    200 مليون جنيه لدعم التأمين الصحى لغير القادرين فى موازنة 2025/2026    خصم 10 أيام من رئيس جمعية زراعية لتراخيه في مواجهة التعديات ببني سويف    ماس كهربائى يتسبب فى حريق مركب صيد بدمياط دون خسائر بشرية    إعلام يابانى: طوكيو تعزف عن الاعتراف بدولة فلسطين مراعاة لواشنطن    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الأحد 3 أغسطس 2025    «فتوى» برائحة الحشيش    أحمد كريمة: قائمة المنقولات لإثبات حقوق الزوجة ومرفوض تحويلها لسيف على رقبة الزوج وسجنه (فيديو)    دعاء الفجر | اللهم فرج همي ويسّر لي أمري وارزقني رزقًا مباركًا    "الدنيا ولا تستاهل".. رسالة مؤثرة من نجم بيراميدز بعد وفاة بونجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغرب يريدها حرباً صليبية / عبد الرحيم ريحان
نشر في محيط يوم 10 - 01 - 2011


الغرب يريدها حرباً صليبية


*عبد الرحيم ريحان

عبدالرحيم ريحان
صرّح الرئيس الفرنسى ساركوزي من وجود ما أسماه "مخطط تطهير دينى شرير يستهدف الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط ".

و صرحت نافى بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بأنه ينبغى اعتبار الهجمات على الأقليات الدينية في أماكن مثل مصر "جرس إنذار" ينبه السلطات فى كل مكان إلى ضرورة التصدى للتعصب المتزايد .

وطالب بابا الفاتيكان أمام آلاف المسيحيين الذين احتشدوا في ساحة كنيسة القديس بطرس بروما للاحتفال برأس السنة الميلادية بحماية المسيحيين في مصر بعد وقوع تفجير الكنيسة القبطية قائلا:

"أناشد بإلحاح المسيحيين في المناطق المضطربة بعدم الاستسلام للإحباط والإذعان " ودعا وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني إلى ربط المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى بعض الدول التى تتعرض فيها الأقليات المسيحية لهجمات بتحسين أوضاع حقوق الإنسان فيها .

وكل هذا ليس من أجل حماية المسيحيين بل وسيلة للتدخل فى شئون الدول العربية من منطلق استعماري بشكل الاستعمار الحديث وهى التحكم فى مقدرات الشعوب العربية اقتصادياً لتحويلها لشعوب تابعة ذليلة لا تملك قوتها دون اللجوء للمعونات الغربية والبنوك الصهيونية .

بعد أن فشلت فى تحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينها وإيجاد عملة موحدة مع أن هذه الدول مجتمعة تملك من الثروات لو توقف ضخها واستثمارها فى الولايات المتحدة والغرب لفكروا ألف مرة قبل صيغة التهديد والتحريض لمسيحى الشرق ضد إخوانهم فى نفس الوطن.

لتتحول لحروب طائفية تقضى على الاستثمار ومحاولات التقدم فى هذه الدول وتحولها لشعوب خاضعة مستكينة مما يعطى لهم الذريعة للتدخل فى شئونها والتحكم فى اقتصادها ونهب ثرواتها لتتحول تلقائياً إليهم وتجربة العراق ليس ببعيدة علينا نتيجة التحالف الصهيوأميركى لنهب العراق .

وأذكّر الغرب بظروف الحروب الصليبية وهى مجموعة من الحملات والحروب التي قام بها أوروبيون من أواخر القرن الحادى عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر 1096 - 1291 وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الذين اشتركوا فيها وتواروا تحت رداء الدين المسيحى وشعار الصليب من أجل الدفاع عنه .

وذلك لتحقيق هدفهم الرئيسى وهو الاستيلاء على أرض المشرق فى الوقت الذى كان فيه الشرق منبع الثروات وما زال حتى الآن.

ولذلك كانوا يخيطون على ألبستهم على الصدر والكتف علامة الصليب من قماش أحمر ونتذكر جميعاً كلمة الرئيس بوش الابن بأنها حرباً صليبية والتى عبرت بصدق عن كل ما يجيش فى نفوسهم تجاه الشرق عموماً والإسلام خصوصاً

ذيول الحروب الصليبية

بدأت الدعاية ضد الإسلام مع الحروب الصليبية واستخدمت كل ألوان الكذب لإشعال شعور الشعوب المسيحية لبذل النفس والمال فى هذه الحروب واستمر تيار الدعاية يتدفق ضد المسلمين بالأكاذيب إلى جميع أنحاء أوربا التى أمدت الحروب الصليبية بالمال والعتاد قروناً طويلة .

من أجل ذلك امتلأت عقلية السواد الأعظم من أبناء أوربا بكثير من المعلومات المكذوبة عن الإسلام والمسلمين ولم تتمكن حركة تثقيف الشعوب من إزالة هذه الأفكار وما زالت حتى اليوم تتردد فى الصحف اليومية والشهرية وصحف الكنائس الأسبوعية بل وفى عظات القساوسة المسيحيون فى الدول الغربية.

هذه الأكاذيب والافتراءات ضد الإسلام والمسلمين وهذا هو ميراث الحروب الصليبية من الدعاية الزائفة وفى عصر النهضة ظهر عدد من المتعصبين ضد الإسلام منهم مارتن لوثر التى كانت كتاباته أقرب للدعاية الصليبية.

والرسوم المسيئة بكل أنواعها والتي تعتبر امتداداً لهذا الحقد التاريخى وما نشاهده الآن من التحريض الواضح والتهديد الاقتصادي والذى ربما يتحول لعسكرى لو استمروا على هذه النغمة التحريضية

الإرهاب الصليبي فى الشرق

أضرب مثلاً واحداً فقط لمن يعيشون وهم الدعاية الصليبية حتى الآن لما فعله الصليبيون بالمسلمين فحين اقتحم الصليبيون مدينة القدس فى 23شعبان 492 ه ، 15 يوليو 1099م ارتكبوا مذبحة من أبشع المذابح التى ارتكبت فى تاريخ الإنسانية لا يشبهها إلا مذبحة غزة عبّروا من خلالها عن تعطشهم للدماء .

حيث ينقل د. حاتم الطحاوى أستاذ تاريخ العصور الوسطى عن المؤرخ الصليبى وليم الصورى (أن المسلمين اجتمعوا بمسجد عمر بن الخطاب من هول الكارثة لكن الصليبيين انطلقوا وراءهم وأعملوا فيهم القتل ولم تأخذهم رحمة بأحد حتى النساء والأطفال والشيوخ حتى فاض المكان كله بدماء الضحايا ) .

كما يذكر المؤرخ الصليبى فوشيه الشارترى المعاصر لاقتحام القدس تفاصيل تلك المذبحة المروعة التى جرت فى مسجد عمر بن الخطاب حيث ذبح الصليبيون عشرة آلاف مسلم حول المسجد وبداخله فيقول:

(ولو أنك كنت موجوداً هناك لغاصت قدماك حتى العقبين فى دماء المذبوحين لم يترك منهم أحداً على قيد الحياة ولم ينج حتى النساء والأطفال.

ولقد قام الفرسان والمشاة الصليبيون بشق بطون القتلى المسلمين لكى يستخرجوا من المعدة والأمعاء العملات الذهبية التى كانوا قد ابتلعوها وهم أحياء ) .

وعن المؤرخ الصليبى ريموند الأجويلرى الذى كان شاهد عيان أيضا قوله (خاض الصليبيون فى رواق مسجد عمر بخيولهم حتى وصلت دماء المسلمين إلى ركبهم وإلى سروج خيولهم ) ثم صدرت الأوامر بعد ذلك بطرح جثث المسلمين خارج القدس.

وأمر الصليبيون بعض المسلمين الذين قيضت لهم الحياة بسحب الجثث خارج المدينة وطرحها أمام الأبواب ثم إشعال النيران بها وتراكمت جثث المسلمين حيث قال عنها وليم الصورى أن أكوام الجثث قد حاذت البيوت ارتفاعاً .

والمقابل لهذه الدموية حين نجح القائد العربى المسلم صلاح الدين فى استرداد القدس 583ه ، 1187م أرسل رجاله للمناداة فى شوارع القدس بعدم الاعتداء على الصليبيين العزل وعدم الاعتداء على منازلهم وكذلك عدم اغتصاب ممتلكاتهم وهى أصلاً ممتلكات مغتصبة .

وحض المسلمين على شراء ممتلكاتهم منهم كما أمر صلاح الدين بدفع فدية عمن لا يستطيع افتداء نفسه من الصليبيين.

وسمح لهم بحمل ثرواتهم من الذهب والفضة والأحجار الكريمة والتحف التى امتلأت بها كنائس القدس وبيوت الصليبيين وأمر بعدم مصادرتها أو التعرض لها مبدياً روحاً تسامحية أدهشت الصليبيين والمسلمين معاً

المسيحيون فى مصر قبل الإسلام

نذكّر المحرّضين بحال المسيحين فى مصر قبل إنبثاق النور الذى أضاء قلوب وعقول كل البشر حيث اعتبر الرومان أن انتشار المسيحية تهديداً لديانتها الوثنية ولمكانة أباطرتها فاضطهدوا معتنقى المسيحية لاسيما المصريين حيث كانت مصر أكبر ولاية رومانية وبمثابة مخزن القمح للإمبراطورية كلها .

وفى الفترة البيزنطية عانى المسيحيون فى مصر من الاضطهاد نتيجة اختلاف المذهب ومن أشهر مظاهر الإضطهاد الرومانى هو ما قام به الإمبراطور تراجان 98م وسبتميوس سيفروس 193م من استخدام الملاعب الرومانية (الأمفتياترو) والتى تستخدم لمباريات المصارعة لإجراء مصارعة يقدم فيها معتنقوا المسيحية للوحوش الضارية .

وذكر أبو المكارم فى كتابه "تاريخ الكنائس والأديرة" أن النصارى القبط بالإسكندرية كانوا يصلون فى البيوت خوفاً من الروم لئلا يقتلوهم ولم يكن أحد من بطاركتهم يظهرون بالإسكندرية .

واستمر الإضطهاد مع بداية النصف الثانى من القرن الثالث الميلادى تحديداً فى عهد دكيوس (249 – 251م) الذى كان أول إمبراطور رومانى يصدر مرسوماً إمبراطورياً عاماً بالاضطهاد ولقد فر من اضطهاد دكيوس القديس بولا الطيبى الأصل .

وصاحب الاضطهاد حدوث دمار كبير للمبانى والذى استمر فى عهد فاليريان الذى خلفه ومع بداية الاضطهاد فى شمال مصر فر العديد من هؤلاء نحو الجنوب واشتد الاضطهاد فى عهد دقلديانوس (284 – 305م) وصاحب هذا الاضطهاد أعمال تخريب تسببت فى اختفاء العديد من الكنائس.

وشهد المسيحيون أسوأ موجة تعذيب فى عهد دقلديانوس الذى أغلق الكنائس ودمر الأدب المسيحى وعذّب المسيحيين ويكفى أن الكنيسة بدأت تقويمها بالسنة الأولى من حكمه وأسمته تقويم الشهداء عام 284م واستهل دقلديانوس حكمه بتركيز جهده للقضاء على الدين المسيحى فى شخصية معتنقيه.

فقتل وشرد الآلاف وقام بقتل جماعة كبيرة فى الإسكندرية عام 284م وهى الحادثة التى عرفت بحادثة الشهداء واستمر خليفته مكسيمانوس 305م فى سلسلة التعذيب وذبح آلاف المسيحيين منهم عدداً كبيراً من القديسين أمثال القديسة كاترين وقتل دقلديانوس ومكسيمانوس النصارى بالإسكندرية وهدموا كنائسهم وأديرتهم ابتداءً من بطركية أنبا بطرس

الاضطهاد المسيحى للمسيحيين

اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية(323 – 337م) واعتبرها دين مسموح به وفى عهد الإمبراطور ثيودسيوس الأول (379–395م) صدر مرسوم عام 380م ينص على أن المسيحية هى الدين الرسمى الوحيد.

ولكن أصيبت مصر بخيبة أمل بالغة عندما ذهب أساقفة القسطنطينية وأباطرتها فى اتجاه عقيدى مذهبى يخالف ما ذهبت إليه كنيسة الإسكندرية فحل بالمسيحيين الاضطهاد ثانيةً.

وإن كان هذه المرة اضطهاداً مسيحياً ولكنه كان أشد وأبرز مظاهر هذا الاضطهاد المسيحى ما فعله قسطنطين مع الأسقف السكندرى أثناسيوس فى عام 335م عندما بلغته أنباء تشير إلى أن الأسقف هدد بمنع وصول شحنة القمح المصرى إلى القسطنطينية أمر بنفى أثناسيوس دون أن يسمع دفاعه.

وكان القمح المصرى هو سلة الخبز اليومى لعاصمة القسطنطينية على ضفاف البسفور كما كان من قبل بالنسبة لروما وفى عهد الإمبراطورجستنيان (527، 565م) .

عندما بلغه أن أقباط مصر ضاقوا ذرعاً بالبطاركة الملكانيين وأصبحوا يرفضون كل البطاركة الملكانيين الذى يعينهم الإمبراطور بعث بأحد قواده على رأس حامية دخلت كنيسة الإسكندرية وهددت الأقباط بقبول ما يرسمه الإمبراطور من بطاركة وحين رفضوا الإذعان قتلوهم داخل الكنيسة.

وقد أدى ذلك لحدوث حالة من التذمر الشديد فى مصر فى ذلك الوقت كما فر بطريرك الأقباط اليعاقبة بنيامين هارباً من وجه قيرس الحاكم البيزنطى والذى انتقم منه لفراره بقتل أخيه مينا بالنار.

دعوة الإسلام للسلام

جاء الإسلام بالتسامح والسلام وتحيته (السلام عليكم) لأنه النور لكل البشر وتضمنت آيات القرآن الكريم هذه الدعوة ومنها على سبيل المثال لا الحصر :

1 – الاعتراف بكل الأديان والرسالات السماوية السابقة

(والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ) سورة البقرة آية 4
(آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) سورة البقرة آية 285

2 – عدم إكراه أى شخص على ترك دينه

(ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) سورة يونس 99

3 – مجادلة أهل الكتاب بالحسنى

(أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) سورة النحل 125

(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتى هى أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ) سورة العنكبوت 46

سماحة الإسلام

طبقاً لتعاليم الإسلام السمحة أعطى رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) عهد أمان للنصارى يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وبيعهم يعرف بالعهدة النبوية محفوظة صورة منه بمكتبة دير سانت كاترين .

بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عند فتحه لمصر 1517م وحملها إلى الأستانة وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها للتركية وهذه مقتطفات من العهد :

( بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه محمد بن عبد الله إلى كافة الناس أجمعين بشيراً ونذيراً ومؤتمناً على وديعة الله فى خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً كتبه لأهل ملته ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها قريبها وبعيدها فصيحها وعجميها معروفها ومجهولها

كتاباً جعله لهم عهداً فمن نكث العهد الذى فيه وخالفه إلى غيره وتعدى ما أمره كان لعهد الله ناكثاً ولميثاقه ناقضاً وبدينه مستهزئاً وللّعنة مستوجباً سلطاناً كان أو غيره من المسلمين المؤمنين- لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته ولا سايح من سياحته ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شئ من بناء كنايسهم فى بناء مسجد ولا فى منازل المسلمين

فمن فعل شئ من ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله ولا يحمل على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبد جزيةً ولا غرامة وأنا أحفظ ذمتهم أين ما كانوا من بر أو بحر فى المشرق والمغرب والشمال والجنوب وهم فى ذمتى وميثاقى وأمانى من كل مكروه - ولا يجادلوا إلاّ بالتى هى أحسن ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم أذى المكروه حيث ما كانوا وحيث ما حلوا -

ويعاونوا على مرمّة بيعهم وصوامعهم ويكون ذلك معونة لهم على دينهم وفعالهم بالعهد - وكتب على بن ابى طالب هذا العهد بخطه فى مسجد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وشهد بهذا العهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جرت عادة النبى وخلفائه من بعده إعطاء العهود للنصارى

ومعاملتهم بروح التسامح من ذلك عهد النبى لأهل أيلة ، عهد النبى لأهل أذرح ومقنا ، عهد خالد بن الوليد لأهل القدس ، عهد أبى عبيدة لأهل بعلبك ، عهد عبد الله بن سعد لعظيم النوبة )

وقد اقر سلاطين المسلمين هذه الامتيازات المبينة فى العهدة النبوية وذكروها فى فرماناتهم ومنشوراتهم لمطارنة الدير بل ذكروا إنما أعطوهم هذه الامتيازات بناءاً على العهد الذى أخذوه عن النبى وأيده الخلفاء الراشدون.

تسامح لم تعرفه أوربا

بعد فتح مصر أعطى عمرو بن العاص رضى الله عنه المسيحيين أماناً جاء فيه (هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليه شئ ولا ينتقص ).

وكان دائما يوصى فى خطبه المسلمين بمراعاة الأقباط والمحافظة على حسن جوارهم قائلاً لهم (استوصوا بمن جاورتموه من القبط خيراً ).

ولقد ذكر المؤرخ الكنسى ساويرس بأن عمرو بن العاص رضى الله عنه أرسل لبطريرك الأقباط اليعاقبة بنيامين (609- 648م) الذى كان هارباً من الحاكم البيزنطى قيرس حيث بعث رسالة إلى سائر البلاد المصرية يقول (فليظهر البطريرك مطمئناً على نفسه وعلى طائفة القبط جميعهم التى بالديار المصرية وغيرها آمنين على أنفسهم من كل مكروه ).

وعاد البطريرك وأكرمه عمرو بن العاص وأمر له أن يتسلم الكنائس وأملاكها ولقد ساعد عمرو بن العاص المصريين فى بناء الكنائس وترميمها التى تهدمت إبان حكم البيزنطيين ولم تتدخل الحكومات الإسلامية المتتابعة فى الشعائر الدينية عند أهل الذمة .

وكان الأمراء والخلفاء يحضرون مواكبهم وأعيادهم وكان أبناء مصر من المسلمين يشتركوا مع الأقباط فى هذه الاحتفالات ولقد بنيت الكنائس والأديرة فى العهد الإسلامي وكان أولها كنيسة الفسطاط التى بنيت فى عهد مسلمة بن مخلد 47-68 ه .

وحتى نهاية القرن الثانى عشر الميلادى كان عدد كنائس مصر وأديرتها قد وصل إلى 2084كنيسة ، 834 دير وأن التسامح الدينى الذى قام فى العصر الإسلامي لم تكن تعرفه أوربا فى العصور الوسطى بل أنها لم تعرفه إلاّ بعد الثورة الفرنسية

الكنائس تحت مظلة الإسلام

تؤكد الحقائق الأثرية التى تكتشف يوماً بعد يوم أن المقدسات المسيحية كانت آمنة فى مصر ومنها الأيقونات وهى صور دينية مسيحية لها دلالات معينة وقد حميت من أن تمس بسوء فى فترة تحطيم الأيقونات التى انتشرت فى العالم المسيحى وأوربا فى الفترة من 726 إلى 843م.

وحميت أيقونات مصر لوجودها داخل العالم الإسلامى بعيدة عن سيطرة أوربا وزيادة على ذلك لم يمنع المسلمون جلب هذه الأيقونات المسيحية من خارج مصر إلى دير سانت كاترين.

حيث أن عدداً كبيراً من الأيقونات التى تعود للقرن السابع والثامن الميلادى جلبت من مناطق كانت تخضع للعالم الإسلامي فى ذلك الوقت.

كما حرص المسلمون على إنعاش وحماية طريق الحج المسيحى بسيناء ببناء حصون بها حاميات من الجنود لتأمين هذا الطريق وهناك كنيسة مكتشفة داخل قلعة حربية إسلامية وهى قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا ويعود تاريخ الكنيسة إلى القرن السادس الميلادى.

حين استغل البيزنطيون جزيرة فرعون وبنوا بها فنار لإرشاد السفن بخليج العقبة لخدمة تجارتهم عن طريق أيلة قبل مجئ صلاح الدين وبناء قلعته الشهيرة بها ولم تمس أى مبانى مسيحية بسوء.

وكشف بالكنيسة أحجار كاملة فى صلب البناء وأخرى متساقطة بفعل الزمن عليها كتابات يونانية ورموز مسيحية وصلبان وفى منطقة حمام فرعون التى تبعد عن السويس 110كم تم كشف كهف مسيحى به رسوم لآباء الكنيسة المصرية منهم البابا أثناسيوس الرسولى البطريرك رقم 20 من آباء الكنيسة المصرية الذى عاش فى القرن الرابع الميلادى.

ولقد هرب المسيحيون لهذه الكهوف بسيناء هرباً من الاضطهاد الرومانى وما زال هذا الكهف للآن برسومه الجميلة وكتاباته اليونانية ولم يمس بسوء .

وهناك الكثير من الآثار المسيحية المكتشفة بسيناء وعهود الأمان من الخلفاء المسلمون المحفوظة بمكتبة دير سانت كاترين تؤكد أن المسلمون جاءوا بحرية العقيدة والتسامح .

وتحوى مكتبة دير سانت كاترين 200 وثيقة أصدرها الخلفاء المسلمون كعهود أمان لحماية الدير والمسيحيين عموماً وكل هذا قبس فقط من فيض نور الحضارة الإسلامية وإسهاماتها فى الحفاظ على كل رموز وآثار الحضارات والديانات السابقة .



*كاتب من مصر
المدير العام بمنطقة آثار جنوب سيناء
أمين لجنة الإعلام بالاتحاد العام للآثاريين العرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.