لأول مرة منذ حرب أكتوبر يحتفل المصريون احتفالاً شعبياً بالنصر يجمع بين الشعب والجيش فى وئام أعاد لنا روح أكتوبر ومبدأ أن الكل فى واحد ناتج عن إحساس شعب مصر بأنه حقق نصرين نصر على العدو الصهيوني ونصر على الدكتاتور فكانت فرحتنا فرحتين . ومن هنا نتساءل من المستفيد من إفساد هذه الفرحة؟ بالطبع العدو الصهيوني ورجال الدكتاتور أما بخصوص العدو الصهيوني فقد اعترف بنفسه بدوره فى زعزعة استقرار مصر بإشعال الفتنة الطائفية لتحقيق المخطط الصهيوني بتقسيم مصر لثلاث دويلات دولة إسلامية فى الشمال ومسيحية فى الوسط ودولة النوبة فى الجنوب وجاء اعترافه على لسان عاموس يادلين رئيس المخابرات العسكرية بإسرائيل أثناء إلقائه خطاب إنهاء خدمته وتسليمه لخليفته أفيف كوخافي فى رئاسة المخابرات الحربية حيث اعترف بمخطط إسرائيل فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي في مصر وأن مصر هى الملعب الأكبر لنشاطاتهم منذ عام 1979 واعترف باختراقات أمنية فى أكثر من موقع بمصر والنجاح فى تصعيد الاحتقان الطائفي أما بخصوص أعوان الدكتاتور فقد بدأ نشاطهم التخريبي منذ التنحى بما يملكوا من ثروات نهبوها من أموال الشعب فى ظل المناخ الفاسد فسخروها لإشاعة الفوضى والرعب وعدم الأمان حتى يقول البسطاء من شعب مصر الطيب أن عهد الدكتاتور كان أفضل ولا يعلموا أنه لو استمرت الأوضاع الفاسدة فى مصر فى العهد السابق دون قيام الثورة لكانت مصر مقبلة على مجاعة أو كارثة من انقلاب من أقرب المقربين للدكتاتور أو كارثة لا يعلم مداها إلا الله لو وافته المنية فجأة ولا يوجد نائب لرئيس الجمهورية مع رفض كل شعب مصر للتوريث مهما خططوا له وصفق له المنتفعون فكانت الثورة قدر مصر لتخرج من كبوتها وستخرج بإذن الله تعالى رغم أنف المفسدين وبخصوص الأحداث الأخيرة إذا أردنا تلافيها فنحن فى حاجة لحلول عملية واقعية لأن المسكنات لا تشفى المرض . ومن هذا المنطلق أطالب الأزهر والكنيسة بإصدار وثيقة مشتركة للمواطنة ملزمة للحكومة والمواطنين تتضمن بنود محددة تشمل إلزام رجال الدين من الطرفين بنشر تعاليم الدين الصحيحة التى تؤكد مبدأ التعايش السلمى ورفض خطابات التحريض والعداء والإثارة بالمساجد والكنائس والإعلام والمواقع الالكترونية وتحديد عقاب لمن يخالف ذلك وإلزام وزارة التعليم بتغيير المناهج الدراسية لنشر روح المحبة والإخاء وتشكيل لجنة عاجلة لذلك وإلزام الحكومة بعمل خريطة مساحية بعدد كنائس مصر والمساحات التى تشغلها والتوثيق المعماري لها وتحديد سبل حمايتها والتوصية بالتعجيل بمحاكمة المقتحمين للكنائس ومثيرى الشغب والبحث عن المحرك والممول لهم داخلياً وخارجياً وإعلان ذلك مع تغليظ العقوبة وتطبيق القانون والتعهد بأن لا تتم أى أعمال تظاهر لأسباب دينية إلا بتصريح من سلطة الأزهر أو الكنيسة ورفض التدخل الأجنبي لأى دولة أو منظمة تحت أى مسمى وتخصيص مجموعة من رجال الدين المعتدلين للتواجد المكثف بالإعلام وتخصيص مساحات خاصة بكل الصحف لهم لتصحيح المفاهيم . وأطالب رجال الدين الإسلامي بنشر القيم النورانية والحضارية التى تؤكد أن كل الحضارات والديانات لم تجد الأمان والازدهار إلا فى كنف الإسلام وعانت عصور الاضمحلال والاضطهاد فى كنف الوثنية والمماثلين لهم فى الدين فالمقدسات المسيحية فى مصر حميت طوال العصور الإسلامية بوثيقة من رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) كعهد أمان للنصارى يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وكنائسهم يعرف بالعهدة النبوية محفوظ بمكتبة دير سانت كاترين أقرها كل الخلفاء المسلمين بعد ذلك وأعطوا عهوداً مماثلة وبهذه العهدة تحريم التعدى على المقدسات المسيحية وإعانة المسيحيين فى ترميم كنائسهم واعتبار أن من يخالف هذا العهد ناكثاً لعهد الله ومخالفاً لسنة نبيه وبعد فتح مصر أعطى عمرو بن العاص رضى الله عنه المسيحيين أماناً جاء فيه (هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليه شئ ولا ينتقص) وكان دائما يوصى فى خطبه المسلمين بمراعاة الأقباط والمحافظة على حسن جوارهم قائلاً لهم (استوصوا بمن جاورتموه من القبط خيراً ) . كما أعاد عمرو بن العاص البطريرك بنيامين إلى أهله والذى كان هارباً بالصحراء من الحاكم البيزنطى وأكرمه وأمر له أن يتسلم الكنائس وأملاكها كما ساعد عمرو بن العاص المصريين فى بناء الكنائس وترميمها التى تهدمت إبان حكم البيزنطيين عمق العلاقات بين خيوط نسيج شعب مصر منذ دخول الإسلام تؤكدها الحقائق الأثرية التى تتكشف يوماً بعد يوم وأن المقدسات المسيحية كانت آمنة فى مصر حتى الأيقونات وهى صور دينية مسيحية لها دلالات معينة قد حميت من أن تمس بسوء فى فترة تحطيم الأيقونات التى انتشرت فى العالم المسيحي وأوربا فى الفترة من 726 إلى 843م وحميت أيقونات مصر لوجودها داخل العالم الإسلامي بعيدة عن سيطرة أوربا وزيادة على ذلك لم يمنع المسلمون جلب هذه الأيقونات المسيحية من خارج مصر إلى دير سانت كاترين حيث أن عدداً كبيراً من الأيقونات التى تعود للقرن السابع والثامن الميلادي جلبت من مناطق كانت تخضع للعالم الإسلامي فى ذلك الوقت كما حرص المسلمون على إنعاش وحماية طريق الحج المسيحي بسيناء ببناء حصون بها حاميات من الجنود لتأمين هذا الطريق وهناك كنيسة مكتشفة داخل قلعة حربية إسلامية وهى قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا ويعود تاريح الكنيسة إلى القرن السادس الميلادي حين استغل البيزنطيون جزيرة فرعون وبنوا بها فنار لإرشاد السفن بخليج العقبة لخدمة تجارتهم عن طريق أيلة قبل مجئ صلاح الدين وبناء قلعته الشهيرة بها . وفى منطقة حمام فرعون التى تبعد 110كم عن السويس تم كشف كهف مسيحى به رسوم لآباء الكنيسة المصرية ولقد هرب المسيحيون لهذه الكهوف بسيناء هرباً من الاضطهاد الروماني وما زال هذا الكهف للآن برسومه الجميلة وكتاباته اليونانية لم يمس بسوء رغم وقوعه على طريق حربى شهير لصلاح الدين بسيناء هو طريق صدر- أيلة الذى اتخذه لمحاربة الصليبيين وانتصر فى حطين عابراً لهذا الطريق وتحوى مكتبة دير سانت كاترين 200 وثيقة أصدرها الخلفاء المسلمون كعهود أمان لحماية الدير والمسيحيين أثمرت فى حماية الدير وكنوزه وكل الآثار المسيحية بمصر ولقد بنيت الكنائس والأديرة فى العهد الإسلامي وكان أولها كنيسة الفسطاط التي بنيت فى عهد مسلمة بن مخلد 47-68 ه وتزايد عدد الكنائس فى مصر ففى نهاية القرن الثانى عشر الميلادي وصل إلى 2084كنيسة ، 834 دير وأن التسامح الديني الذى قام فى العصر الإسلامي لم تكن تعرفه أوربا فى العصور الوسطى بل أنها لم تعرفه إلاّ بعد الثورة الفرنسية ** مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بوجه بحري وسيناء