حتي بضع عشرات من السنين وقبل الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية كان طريق الحج المسيحي الذي يمر بسيناء احد معالم الوحدة الدينية للشعوب في مصر وما حولها. وكان بوابة لجمع مختلف فئات الأقباط والمسيحيين من أنحاء العالم. , فكان طريق مهرجان وعبادة وتقارب بين كل العناصر, فضلا عن أنه كان طريقا لحج المسلمين في بعض مراحله مما جعل هذا الطريق مجالا حيويا وسياحيا ودينيا فريدا علي مستوي العالم, واملا للشعوب المسيحية في عودته لتأصيل الديانات ولقائها دون تعصب. أكد د. عبدالرحيم ريحان مدير آثار سيناء أن طريق الحج المسيحي بسيناء ينقسم إلي جزءين طريق شرقي وهو للحجاج القادمين من القدس إلي جبل طور سيناء( منطقة سانت كاترين) ويبدأ من العقبة إلي النقب وعبر عدة أودية إلي وادي حجاج وبه تلال من حجر رملي بها نقوش يونانية وأرمينية للحجاج المسيحيين حتي سفح جبل سيناء وطول هذا الطريق200 كيلو متر وطريق غربي يبدأ من القدس عبر شمال سيناء وشرق خليج السويس إلي جبل سيناء ويبدأ من القدس, عسقلان, غزة, رفح, العريش, الفرما, الاسماعيلية, السويس, عيون موسي, وادي غرندل, وادي المغارة, وادي المكتب, وادي فيران إلي جبل سيناء وطول هذا الطريق من القدس إلي جبل سيناء573 كيلومترا ويشمل هذا الطريق طريق العائلة المقدسة الممتد من القدس عبر شمال سيناء بطول150 كيلو مترا. ويضيف ريحان أن طريق الحج المسيحي بسيناء ازدهر في العصر الإسلامي حيث استخدم ميناء الطور القديم منذ القرن الرابع عشر الميلادي طريقا للحج المسيحي, وكانت السفن الأوروبية التي تحمل الحجاج المسيحيين تبحر من موانئ إيطاليا إلي الإسكندرية ثم تتوجه بالنيل إلي القاهرة وبعد أن يحصلوا علي عهد الأمان أو الفرمان من سلطان المماليك يقيم الحجاج فترة في استراحة للحجاج بالقاهرة حيث يتم إعطاء أطعمة للحجاج الفقراء المتوجهين إلي سانت كاترين بعدها يتوجه الحجاج المسيحيون عبر خليج السويس لميناء الطور ومنه لدير سانت كاترين ومنه للقدس ومنذ عام1885حينما تحول طريق الحج الإسلامي من البر إلي البحر كان الحجاج المسلمون والمسيحيون يبحرون في نفس القارب ويتوجهون معا لزيارة الأماكن المقدسة بجبل سيناء وترك الحجاج المسلمون كتابات عديدة بمحراب الجامع الفاطمي داخل دير سانت كاترين ثم يعود الحجاج المسلمون, لاستكمال طريقهم عبر ميناء الطور إلي جدة ويستكمل الحجاج المسيحيون طريقهم للقدس بعد ذلك. وقال: من المحطات المهمة المكتشفة علي طريق الحج المسيحي دير وادي طور سيناء بقرية الوادي6 كيلومترات شمال مدينة طور مبني من الحجر الجيري المشذب تخطيطة مستطيل92 مترا طولا53 مترا عرضا وله سور دفاعي ويخترقه ثمانية أبراج مربعة ويحوي أربع كنائس ومعصرة زيتون ومنطقة خدمات وبه96 حجرة تقع خلف سور الدير علي طابقين وهذه الحجرات بعضها قلايا للرهبان( أماكن الرهبان) والأخري حجرات للحجاج الوافدين للدير للإقامة فترة بالدير وزيارة الأماكن المقدسة بالطور قبل التوجه إلي دير سانت كاترين ونظرا لوقوع دير وادي طور سيناء في موقع وسط بين دير سانت كاترين ومصر العليا وفلسطين فكان يستضيف الحجاج المسيحيين في طريقهم إلي جبل سيناء ثم إلي القدس. المسيحيون بسيناء ويشير إلي أن الحجاج المسيحيين توافدوا علي سيناء من كل بقاع العالم وهم آمنون مطمئنون في ظل التسامح الإسلامي الذي سارت عليه الحكومات الإسلامية في المنطقة وزار سيناء عدد من الحجاج لا حصر لهم وكثير منهم من شخصيات ورتب عالية ويقيم الحجاج سواء كانوا من الشرق أو من الغرب بدير سانت كاترين ولهم الحرية في قراءة القداس طبقا لطقوسهم الخاصة في كنيسة لاتينية خاصة قرب سكن الضيوف بدير سانت كاترين وشهد بهذا التسامح الإسلامي الكثير من مؤرخي الغرب المنصفين ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر مينارديس الذي ذكر أن دير سانت كاترين تمتع في القرن السابع الميلادي بحماية ومميزات خاصة حافظت علي ممتلكاته ومكتبته العظيمة وعاش مطارنة ورهبان كاترين في علاقة ود مع الحكومة المصرية وتحوي مكتبة دير سانت كاترين مائتي عهد أمان أصدرها الخلفاء المسلمون لحماية أهل الذمة ابتداء من القرن(12) حتي ال(19). وتؤكد الحقائق الأثرية التي تكتشف يوما بعد يوم أن المقدسات المسيحية كانت ومازالت آمنة في مصر فعلي أرض سيناء مع كل كشف أثري جديد يتضح تجاور وتداخل الآثار الإسلامية والمسيحية هذا ما يؤكدة لنا الباحث الأثري عبد الرحيم ريحان مدير آثار سيناء الذي يفجر مفاجأة وجود كنيسة داخل قلعة حربية إسلامية شهيرة وهي قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا ويعود تاريخ الكنيسة إلي القرن السادس الميلادي حين استغل البيزنطيون جزيرة فرعون وبنوا بها فنارا لإرشاد السفن بخليج العقبة لخدمة تجارتهم عن طريق أيلة قبل مجيء صلاح الدين وبناء قلعته الشهيرة بها ولم تمس هذه الكنيسة بسوء رغم أن صلاح الدين واجه الصليبيين بقوة وانتصر عليهم واستعاد القدس لكنه احترم المقدسات المسيحية في سيناء وفلسطين. وكشفت معالم الكنيسة داخل القلعة كاملة بأحجارها وعليها كتابات يونانية ورموز مسيحية وصلبان وقام صلاح الدين بإنشاء فرن لتصنيع الأسلحةبجوار الكنيسة ولم يأخذ شبرا واحدا من أرضها. وفي منطقة حمام فرعون والتي تبتعد عن السويس110 كيلومترات كشف عن كهف مسيحي من القرن الرابع الميلادي به رسوم لقديسين ولقد هرب المسيحيون لهذه الكهوف بسيناء هربا من الاضطهاد الروماني ومازال هذا الكهف للآن برسومه الجميلة وكتاباته اليونانية ولم يمس بسوء وعلي قمة جبل موسي2242 مترا فوق مستوي سطح البحر. بني الإمبراطور جستنيان كنيسة في القرن السادس الميلادي وفي العصر الفاطمي بني المسلمون جامعا ملتصقا بهذه الكنيسة علي قمة الجبل علاوة علي الجامع الفاطمي داخل الدير نفسه وعلي قمة جبل الطاحونة بوادي فيران الذي يرتفع688 مترا فوق مستوي سطح البحر الذي يحوي العديد من الكنائس بني الفاطميون جامعا مجاورا للكنيسة وفي أودية سيناء التي عبرها الحجاج المسيحيون والمسلمون نجد علي صخورها كتابات يونانية وذكريات للحجاج المسيحيين يجاورها كتابات عربية للحجاج المسلمون مثل الكتابات علي صخور وادي المكتب قرد وادي فيران, كما تحوي هذه الوديان قلايات مسيحية( أماكن معيشة الرهابان) التجأ إليها المسيحيون منذ القرن الرابع الميلادي هربا من الاضطهاد الروماني وظلت هذه القلايات باقية طوال العصور الإسلامية وحتي الآن رغم وقوعها في طرق حربية للجيوش الإسلامية وطرق للحجاج المسلمين عابرين سيناء للأراضي المقدسة وتحوي مكتبة دير سانت كاترين نحو200 وثيقة أصدرها الخلفاء المسلمون كعهود أمان لحماية الدير والمسيحيين عموما, نسوق منها أمثلة نرد بها علي من يجهلون التاريخ الإسلامي وقيمة الحضارة الإسلامية واسهاماتها في الحفاظ علي كل رموز وآثار الحضارات والديانات السابقة, ومن هذه الوثائق في العصر الفاطمي أعوام386 410 ه وتقابل أعوام996 1019 ميلادية وثيقة أمان من الخليفة الحاكم بأمر الله وقد تولي وزارته أربعة من المسيحيين, وكان طبيبه الخاص مسيحيا وكذلك عهد أمان من الخليفة الحافظ لدين الله بمعاملة القسيسين والرهبان معاملة طيبة وشمولهم بالرعاية, وعهد أمان للخليفة الفائز طوله488 سنتيمترا يتضمن رعاية شئون الرهبان وتأمين سلامتهم وأموالهم ومنشور الخليفة العاضد طوله10 أمتار يتضمن كل المزايا السابقة اضافة لتسهيل مطالب الرهبان وإصلاح أمورهم ويؤكد د.نادر عبدالدايم أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة عين شمس أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قد أسس مبدأ التسامح منذ دخوله مصر في عهد أمان جاء فيه:( هذا ما أعطي عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان علي أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليه شيء ولا ينتقص) وكان دائما يوصي في خطبه بمراعاة الأقباط والمحافظة علي حسن جوارهم قائلا لهم( استوصوا بمن جاور تموه من القبط خيرا).