تقسيم العراق ومنطق المحميات جوزيف قصيفي اتخذ مجلس الشيوخ الاميركي بتاريخ 26 9 2007 قرارا غير ملزم لحكومة الرئيس جورج بوش بتقسيم العراق وفق صيغة فدرالية تقوم على أساس طائفي وعرقي الى ثلاثة اقاليم. وعلى الرغم من عدم الزامية هذا القرار ورفضه من قبل القائمة العراقية الوطنية، التيار الصدري، جبهة التوافق، حزب الفضيلة، مجلس الحوار الوطني العراقي الموحد، الجبهة التركمانية، الكتلة العربية، فان خطر تقسيم، بل تفتيت العراق، اصبح واردا على ارض الواقع ويشق طريقه الى مراكز القرار الدولي والاقليمي والعواصم المؤثرة في تحديد الملامح المستقبلية لبلاد الرافدين. ان الارض مهيأة لتسويق هذه الفكرة في ضوء المجازر التي غطت العراق من أقصاه الى أقصاه باستثناء كردستان التي تعتبر كيانا منفصلا وتتصرف على هذا الأساس، وهي لا تستحي من الاعلان جهارا ان ارتباطها بالدولة المركزية هو ارتباط شكلي، ولو ان رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ينتميان الى الاكراد، بل الى الحزبين الكبيرين اللذين يقودانهم منذ عقود طويلة من السنين. ماذا يعني تقسيم العراق الى 3 مناطق؟ ان ذلك يعني بوضوح قيام دولة سنية ذات نفوذ سعودي وشيعية ذات نفوذ ايراني، وكردية ذات نفوذ اميركي اسرائيلي. وبطبيعة الامر، فان هذه الدول لن تستطيع الائتلاف والتعايش ضمن عراق واحد موحد. وذلك بسبب الصراعات التي ستنشأ حول تقاسم الثروات وفي مقدمها النفط، ونوعية العلاقة مع دول الجوار، وتوزيع عائدات الدولة، عدا النعرات المذهبية والعرقية. وسيؤدي هذا القرار الى افراغ العراق مما تبقى من أقليات قومية وطائفية، خصوصا المسيحيين الذين يندر وجودهم هذه الايام في بلاد الرافدين، والازيديين بعدما باتوا عرضة لمجازر معيبة. والتركمان ايضا وايضا على الرغم من وجود الراعي التركي ومثوله في معادلة عراق ما بعد صدام. وما يثير الشكوك هو عمليات تفكيك الكتل البرلمانية العراقية، خصوصا تلك التي تتشبث بعروبة بلادها وتقدم الاعتبارات القومية على أي امر آخر، بدليل ما أصاب القائمة العراقية. فعلى سبيل المثال قامت النائبة المنتمية الى القائمة صفية السهيل بالانسحاب منها تحت عنوان رفض الحوار مع البعثيين، الذي كان رئيس القائمة، رئيس الوزراء الاسبق الدكتور اياد علاوي قد باشر به بتأييد من مرجعيات دولية وعربية واقليمية لأنه يشكل بداية الطريق الى مصالحة وطنية حقيقية تضع حدا لمأساة العراق. لكن السبب الحقيقي لموقف السهيل هو التأثير المباشر لزوجها الوزير السابق لحقوق الانسان بختيار امين وهو كردي، عدا عما تعرضت له ان اغراءات شتى جعلتها تتنصل من التزاماتها المعلنة والموقعة. الى ذلك، فان جهات دولية واقليمية تتربص بوحدة العراق لأنها تشكل خطرا عليها ومصدر قلق. لكن في المقابل تقف كل من تركيا وسوريا ضد مخطط تقسيم العراق القديم المتجدد. ومن هنا يمكن فهم ما تبديه انقره من مخاوف وما تطلقه من تهديدات باجتياح شمال العراق وتقويض سلطة الحكم الذاتي في كردستان نظرا لما تشكله هذه السلطة وانتشار مراكز القوى الدولية والاقليمية التي تحكم قرارها وحركتها، من اخطار حقيقية على وحدة تركيا ارضا وشعبا. اما سوريا فترفض تقسيم العراق خوفا من انتقال التجربة اليها وهي التي تؤوي على ارضها اقليات طائفية وقومية تعيش بتناغم ومن دون مشكلات كبيرة، باستثناء تمرد كردي نشب منذ عام ونيف وجرى احتواؤه في حينه. وذلك ما يفسر عودة دمشق الى الرد على هذه المحاولة بالسعي لتجميع صفوف المعارضة العراقية الرافضة للاحتلال، على الرغم من ازدياد حجم الضغوط الدولية والعربية عليها. ان القرار الذي اتخذه مجلس الشيوخ الاميركي لم يواجه برد فعل في مستواه من قبل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والأمم المتحدة التي كان الأجدى بها ان تسارع الى رفضه وشجبه. مع الاشارة الى ان الولاياتالمتحدة التي تدعو الى احترام دساتير البلدان وعدم النيل من استقلالها اقدمت من خلال خطوة مجلس الشيوخ الى ضرب الدستور العراقي وتجاوزه وهي الذي نصت مادته الاولى انه «ضامن لوحدة العراق». في أي حال، لن يمر مشروع تقسيم العراق لأنه سيفرز دويلات غير قابلة للحياة والتعاون، ولن يكون امامها سوى التحول الى محميات لدول خارجية. خصوصا ان العراق يرزح تحت وطأة منظومة من المشكلات والمصاعب وابرزها: استمرار التراجع الأمني، تقلص الخدمات العامة، الخلل في البنى التحتية، استشراء الفساد. والأخطر من هذا كله الهجرة الواسعة المتمادية. فهل ان تقسيم العراق سيعيد اليه من هاجر من ابنائه وهم بالملايين ويتوزعون في مشارق الأرض ومغاربها ولا سيما الاردن وسوريا ولندن والدول الاوروبية؟ وهنا تكمن مسؤولية العراقيين قيادات وشعبا. فإما ان يلجأوا الى المصالحة الحقيقية والوحدة وإما ان يستمروا على هذا النحو من التناحر والتخبط الذي يقود الى نجاح مخطط التقسيم. وبالتالي أين هي المرجعيات الدينية والفتاوى العاصمة عن انزلاق العراقيين بهذه السرعة الصاروخية نحو المجهول؟ انه وقت الصحوة، وأوان التبصر، فلماذا الاصرار على عدم اغتنامهما؟ اذا قيض لقرار مجلس الشيوخ الاميركي ان يمر، وقسم العراق وفق المخطط الذي بات معروفا، سيكتب التاريخ يوما ان صدام حسين الدموي والغارق في ديكتاتوريته استطاع ان يصون بلاد الرافدين من التفكك الجغرافي، والحرب الاهلية، وان يحفظ ثرواتها ويوفر الامن والخبز لشعبها. وهذا ما عجزت عنه ديموقراطية جورج بوش الابن، وفذلكاته حول حقوق الانسان والشعوب. صحيح انه كان هناك قمع شديد ومدان لمعارضي صدام وطغمته، لكن ما يحصل اليوم هو ابادة جماعية للعراق بكل مكوناته، ولا من يندد. فبئس «الفوضى الخلاقة» التي صدرتها واشنطن. ومتى كانت الفوضى «خلاقة»... ولا تحمل الموت الزؤام. صدق من قال: «رب يوم بكيت منه، فلما صرت في غيره بكيت عليه». عن صحيفة السفير اللبنانية 20/10/2007