اجتماع سرت وحل مشكلة دارفور يوسف الشريف بات الآن ثمة إجماع بين المراقبين والمهتمين بشئون السودان, علي أن الاجتماع المزمع عقده في سرت يوم27 اكتوبر الحالي, يمثل آخر فرصة سياسية متاحة لحل مشكل اقليم دافور, خاصة, ويشارك في اعماله الحكومة السودانية ومعظم فصائل المتمردين, وعدد من الدول العربية والأفريقية وأمريكا والاتحاد الأوروبي, فيما لم يتأكد بعد حضور عبدالواحد محمد نور زعيم الجناح المنشق عن حركة تحرير السودان, ورغم الوفود والشخصيات السودانية التي قامت بزيارته بمقر اقامته في باريس لاقناعه بحضور الاجتماع, وكذا الضغوط التي مارستها دول عربية وأفريقية وحتي فرنسا, إلا انه يصر علي فرض أجندته السياسية, وبينها المطالبة بدفع تعويضات عالية ضخمة, وضرورة نشر قوات دولية تتكفل بحماية أتباعه, إضافة الي منح دارفور حكما ذاتيا, بما يعني التطلع ضمنيا الي فصل دارفور عن الوطن الأم أو وضع الإقليم في اطار نظام فيدرالي. الأخضر الابراهيمي الدبلوماسي الجزائري المرموق, كان قد وصل الي السودان منذ أيام ضمن وفد مجموعة الحكماء الدوليين التي أسسها الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا للمساهمة في حل النزاعات الدولية, وضم الوفد كذلك الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والقس الحاصل علي جائزة نوبل ديزموند توتو وزوجة مانديلا, حيث توجهوا في زيارة تفقدية للأوضاع في دارفور وفي جوبا عاصمة جنوب السودان للتحقق من تنفيذ اتفاقية نيفاشا للسلام, واستطاعوا إقناع الرئيس عمر البشير بتخصيص مائة مليون دولار لتعويض المتضررين واللاجئين في دارفور, فيما تبرعت الصين بمائتي مليون دولار لهذا الغرض! أبرز ماصدر من تصريحات عن وفد الحكماء الدوليين ماأكده الابراهيمي من ان التدخل الدولي في مشكلة دارفور يتجسد في تدليل الدول الكبري للمتمردين. ونحسب أنه اصاب كبد الحقيقة وذلك ان حركات التمرد كانت عام2004 لاتتجاوز ثلاث فصائل, واذا بالتدليل الدبلوماسي والدعم السياسي والمالي والعسكري الذي انهال علي دارفور من الخارج. يلعب دوره في زيادة فصائل المتمردين الآن الي13 فصيلا, الأمر الذي صعب من توحيد مطالبها, وهكذا كان الفشل حليف مؤتمر أبوجا. الشاهد ان محاولة لملمة فصائل المتمردين وتوحيد مطالبهم لم تقتصر علي مؤتمر أبوجا وحده,. فقد سبقه ولحقه العديد من الاجتماعات التي شهدتها طرابلس والقاهرة والفاشر, وراكم من هذه الصعوبات, وقد أوشك اجتماع سرت علي الانعقاد, هالة من الريب والشكوك حول قدرات قوات الاتحاد الأفريقي علي حفظ السلام في دارفور, بعدما تعرضت لسلسلة من الهجمات المسلحة المجهولة الهوية كان آخرها حادثة حسكنيته التي راح ضحيتها13 قتيلا و50 من المفقودين واصابة غيرهم, وهو ماحدا بحكوماتها الي التهديد بسحب قواتها من دارفور, أو الي زعزعة الثقة في امكانات القوات الأفريقية علي القيام بمهامها, وإفساح المجال بالتالي أمام استدعاء القوات الدولية في حدود26 الف جندي مجهزة بالطائرات الهليكوبتر ووسائل الاتصالات الحديثة وقوة النيران, واستبعاد فكرة القوات الهجين الخليط بين القوات الأفريقية والدولية التي يفترض وصولها في شهر يناير المقبل. واذا كانت شبهات ارتكاب حادث حسكنيته قد لحقت بعصابات تحترف جرائم الخطف والنهب المسلح, خاصة وكان الهدف من ورائه الاستيلا علي أسلحة وسيارات من القوات الأفريقية, إلا أن التحقيقات الأولية كشفت عن مسئولية قوات متمردة منشقة عن حركة العدل والمساواة التي يتزعمها الدكتور خليل ابراهيم, لعلها تستطيع ان تعلن عن نفسها وتحجز لها مقعدا في اجتماع السلام الوشيك في سرت اشكالية جانبية تلقي بظلالها علي هذاالاجتماع, وتكمن في مطالبة المحكمة الجنائية الدولية للحكومة السودانية بضرورة تسليم اثنين من المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية في دارفور احدهما أحمد هارون الوزير السابق الذي جري تعيينه أخيرا مسئولا عن لجنة الدفاع عن حقوق الانسان, وكوتشيب وهو أحد زعماء ميليشيا الجنجويد, إذ المعروف أن نحو200 ألف لاقوا حتفهم في دارفور بينما نحو مليونين باتوا من المشردين والنازحين, وبينما تتهم الولاياتالمتحدة هذه الأحداث بالابادة الجماعية والتطهير العرقي, الا أن الرئيس جيمي كارتر بعد جولته الميدانية في دارفور أكد بطلان هذا الاتهام. وإذا كانت جميع الحلول السابقة لمشكلة دارفور قد أخفقت تباعا, فلأنها انتهجت أسلوب التجزئة, ولاشك إذن أن اجتماع سرت مؤهل بحكم تمثيله للفرقاء السودانيين, وكذاالحضور الاقليمي والدولي, في البحث الجاد عن حلول شاملة لمختلف عناصر المشكلة, وكذا تدارك غياب آليات التنفيذ التي شابت ماصدر عن المؤتمرات والاجتماعات السابقة من قرارات حول نفس المشكلة.. الفرصة جاءت للجماهيرية الليبية علي طبق من ذهب وقد سبق نجاحها في رأب الصدع في العلاقات بين السودان وكل من تشاد وافريقيا الوسطي, وعليها أن تستثمر استضافة اجتماع السلام في سرت, بالعمل علي توفير جميع أسباب نجاحه, بداية من وضع جدول اعماله وصياغة قراراته, واستخدام نفوذها في ممارسة الضغوط علي الفرقاء السودانيين لقبول الحل الذي يرضي الجميع, خاصة أن طرابلس وسيط مقبول لدي حكومة الخرطوم والمتمردين, الأمر الذي يتطلب ان تكون محايدة, ولديها.. الرؤية والارادة المطلوبة لإدارة الحوار والوصول إلي النتائج الحاسمة عبر التراضي والوفاق, وعندئذ من المتعين حضور كوندوليزارايس للمشاركة في الجلسة النهائية لاجتماع سرت, وتحقيق لحمة العلاقات الدبلوماسية بالتالي بين ليبيا والولاياتالمتحدة, وعلينا إذن أن ننتظر يوم27 اكتوبر, وبعدها لكل حادث حديث. عن صحيفة الاهرام المصرية 15/10/2007