سمير جعجع اذ.. يعتذر!! محمد خرّوب يتغير الساسة ويبحث قادة الميليشيات وامراء الحرب عن خطاب جديد يدمل الجروح ويداوي العذابات، ويوقف نزيف الدم ويغلق دائرة العنف، بل ان معظم الذين أجّجوا الحروب الاهلية في بلادهم يهتبلون أي فرصة سانحة لابداء فعل الندم واستخلاص الدروس والعبر. وحده سمير جعجع الذي برز من بين صفوف الميليشيات المتطرفة ومارس الخطف والقتل بدم بارد، وأشرف شخصياً على اقامة الحواجز الطيارة والثابتة، وأصدر الاوامر بالقتل على الهوية الطائفية، ليس في وارد الاستفادة من سنوات الانهيار اللبناني، الذي كان احد ابرز المساهمين فيه، حيث اخذ لبنان هو وبشير الجميل ولاحقاً أمين الجميل، الى المربع الاسرائيلي حليفاً ومعاهداً (اتفاقية 17 ايار 1983)، ومشاركاً في عمليات القتل والتصفية، وخصوصاً في ارتكاب جريمة الحرب الكبرى التي يحتفل احرار العالم بذكراها السادسة والعشرين، وهي مجزرة صبرا وشاتيلا حيث كانت المشاعل الاسرائيلية وجنرالات بشير الجميل، ايلي حبيقة وسمير جعجع وغيرهم من المقاومين على رأس وحدات الذبح وبقر بطون الحوامل واغتصاب النساء والفتيات صغار السن، بعد ان كانوا تدربوا ميدانياً على عمليات الذبح والتدمير في الكرنتينا ومخيم تل الزعتر.. سمير جعجع الذي يواصل بلا كلل استعادة اجواء الحرب الاهلية والتحضير لها، حاول تضليل اللبنانيين في غمرة الحديث عن مصالحات جرت وأخرى قيد الاعداد والتحضير بين الخصوم والمتنافسين في فريقي 8 و14 اذار، فأوحى في لغة محنطة تفتقر الى الحرارة وفي مفردات يعوزها الصدق وتفوح منها رائحة الغرور والغطرسة، الى انه مستعد للنزول عن الشجرة العالية التي واصل الصعود اليها، منذ ان خرج من السجن الذي قبع فيه، بعد ان تمت ادانته بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الذي كان على رأس عمله وقتئذ رشيد كرامي، ناهيك عن جرائم كنيسة سيدة النجاة، ومجزرة تصفية طوني فرنجية (ابن رئيس الجمهورية سليمان فرنجية) وعائلته.. جعجع لم يذهب الى الموضوع مباشرة ولم يحاول تطهير نفسه وروحه من آثامها، بل لجأ كعادته الى المراوغة والالتباس وقال في معرض اعتذاره (الذي استوجب تهنئة من زعيم تيار المستقبل سعد الحريري) وهو يحاول التدثر بلبوس التواضع (.. أتقدم باسمي وباسم اجيال المقاومين جميعاً، شهداء واحياء، باعتذار عميق صادق وكامل عن كل (جرح) أو (أذية) او خسارة أو ضرر غير مبرر(...)، تسببنا به خلال ادائنا لواجباتنا الوطنية، طوال مرحلة الحرب الماضية، كما اطلب من الله عز وجل السماح وممن أسأنا اليهم السماح والتعالي والمحبة).. دعونا لا ننطلق من منطق تصفية الحسابات أو المواقف المسبقة ولنحاكم النص السابق الذي بين ايدينا، لنرى ما اذا كان جعجع يبدي فعل الندم ويذهب الى مربع الاعتذار، أم انه يستخدم لغة مخادعة، تتوسل مفردات وايحاءات، تريد القول ان لا داعي للتحقيق في أسباب اندلاع الحرب الاهلية، وبخاصة منذ بوسطة عين الرمانة وصولاً الى عمليات الابادة الجماعية وجرائم الحرب والاغتيالات والسرقة والنهب والتدريب العسكري في اسرائيل والتعاون الاستخباري والتسهيلات اللوجستية لجيش الدفاع ، خلال الاجتياح الاسرائيلي لبيروت ووجود شارون (وزير دفاع بيغن) في بيت بشير الجميل يراقب بالمنظار مجريات عمليات دك وتدمير بيروتالغربية وقصفها بالقنابل الفراغية، فيما زوجة بشير (النائبة الحالية صولانج الجميل)، تعد لشارون التبولة والبابا غنوج والكبة النية، على ما ذكر مجرم الحرب شارون في مذكراته.. سمير جعجع الذي افتعل مناسبة اطلق عليها من عندياته وصف ذكرى شهداء المقاومة ، لم يقل بالطبع مقاومة مَنْ، رغم ان الجميع يعلم أن اسرائيل لم تكن ذات يوم عدواً له، بل حليفاً وهي اليوم لاسباب خاصة به وببعض حلفائه جارة وليس عدواً. نقول: سمير جعجع، يريد طي صفحة الحرب الدموية الطويلة التي كان احد ابرز مشعلي حريقها ودمويتها، والتي وضعت لبنان على سكة التصفية والانهيار (اللهم الا اذا تم استدراك ذلك بتقسيمها الى كونفدرالية طائفية)، ويقول في النص الذي اقتبسنا اعلاه، ان كل ما ارتكبه، إن هو إلاّ مجرد جُرح او أذية او خسارة (...) لا أرواح أُزهقت ولا مهرجانات للذبح نظمت ولا عمليات تطهير طائفي ومذهبي بحق اللبنانيين وخصوصاً الفلسطينيين. لا يريد جعجع الاعتذار، بل هو في الصومعة التي ابتناها لنفسه في (معراب) ويوم اول من أمس في المهرجان التعبوي الذي نظمه في جونيه (وما ادراك ما جونيه في كتاب جعجع الدموي حيث الموانئ الخاصة والدولة الكتائبية الخاصة والخارجة على الدولة التي يتغنى بها جعجع هذه الايام، التي سيطرت على الميناء وراحت تفرض الخاوات وتستقبل الاسرائيليين على اختلاف بزاتهم ووظائفهم والمهمات التي ينفذونها على الاراضي اللبنانية ضد الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية وسوريا. لا أحد بمقدوره انكار العزلة التي بدأت تفرض نفسها على جعجع وحزبه (القوات اللبنانية) والتي أخذت تتعزز، بعد ان بدأ وليد جنبلاط عملية مراجعة شاملة لخطابه وسياساته والى حد ما تحالفاته في مسعى للنأي بنفسه (ولو بخطوات محسوبة) عن فريق 14 اذار، اضافة الى العلاقة التحالفية التي باتت تربط بين الجنرال ميشال عون وزعيم تيار المردة سليمان فرنجية. لم يكن وليد جنبلاط مخطئاً عندما سأل عن القيمة المضافة التي تؤمنها القوات اللبنانية (جعجع) او الكتائب (امين الجميّل) اضافة الى انتقاده الشديد لاداء وزراء القوات والكتائب. كذلك الحال مع الرئيس عمر كرامي المعروف بعباراته القصيرة المختزلة ولكن العميقة والمعبرة.. سمير جعجع ليس سياسياً، هو قائد ميليشيا، يمكن اختصار مقابلاته التلفزيونية في قوله بطريقة مباشرة: لبنان أنا، وأنا لبنان، وهو، في كل اطلالة يصدر لنا الأوامر، مع العلم انه لم يتنبأ بشيء وتحقق باستثناء التفجيرات الأمنية طبعا . يمكن القول بثقة أن خطاب الاعتذار في جونيه (الذي لا يمكن اعتباره اعتذاراً لافتقاره الى ابسط معايير الاعتذار وشروطه) لن يحصد النتائج التي توخى انصاره تحقيقها أو تولى حلفاؤه الترويج لها.. لان الرجل لم يغادر الموقع الذي اراده لنفسه او إنْتُدِبَ له وهو قيادة الميليشيات، والتلويح في مناسبة وغير مناسبة، بالحلول العسكرية والتحالفات الخارجية مع اسرائيل والولايات المتحدة التي تراجعت عن اعتباره ارهابياً وبدأت تستقبله كقائد وطني ينتمي الى صفوف محبي الحرية والحياة ويرفع عالياً راية ثورة الارز (!!). عن صحيفة الرأي الاردنية 23/9/2008