علاء فاروق منذ أيام جرت الانتخابات البرلمانية في جمهورية أذربيجان وسط توقعات قبل إجرائها بتزويرها للحزب الحاكم "يني أذربيجان»، ورغم معرفة النتيجة مسبقا .
إلا أن المعارضة أقحمت نفسها في التجربة البرلمانية على أمل ان تحصل على مقعد أو اثنين من شأنه أن يعضد تواجدها في المجتمع.
لكن جاءت النتيجة الأخيرة للانتخابات البرلمانية لتعلن امتداد عصر الديكتاتورية والسيطرة المتمثل في نظام علييف الذي تولى الحكم خلفا لوالده في عام 2003.
ثم أعيد انتخابه في 2008 لولاية ثانية من خمس سنوات، وفي العام التالي تم إلغاء القانون الذي يحدد عدد الولايات الرئاسية المتتالية باثنتين فقط.
وخرجت المعارضة من اللعبة الانتخابية فارغة اليدين، ما جعلها تصف العملية الانتخابية بال"مشينة"، وأنها لم تكن انتخابات أصلا بل هي مجرد ديكور نتائجه معروفة مسبقا.
ورغم تطمينات الحكومة قبل العملية الانتخابية بضمان النزاهة والشفافية ورغم وجود المراقبين الدوليين ووسائل الإعلام المرئية والمقرؤة إلا أن كل هذا لم يمنع من إحكام السلطات قبضتها على العملية الانتخابية من أولها إلى آخرها والوقوف بجانب الحزب الحاكم وحشد مؤيديه .
حتى فاز بأكثر من 70 مقعدا من مقاعد البرلمان ال125، في حين فاز بالمقاعد المتبقية مرشحون قدموا باعتبارهم مستقلين لكنهم يدعمون رئيس الدولة، وخرجت المعارضة متمثلة في حزبي الجبهة الشعبية لأذربيجان وحزب "مساواة" من اللعبة.
منافسة غير عادلة
نددت كل من المعارضة الآذرية المشتركة في الانتخابات ومناهضي نظام علييف والمراقبون الدوليين بعمليات تزوير واسعة وصفوها ب«المشينة» وقعت خلال الاقتراع.
وقال عيسى غامبر، رئيس حزب مساواة خلال مؤتمر صحفي: «إن ما جرى مؤخرا في أذربيجان لا علاقة له بالانتخابات، مضيفا أن هذه الانتخابات بدت مشينة بأسوأ شكل ممكن.في حين انتقد مراقبون دوليون هذه الانتخابات، معتبرين أنها لا تحقق تقدما في اتجاه التطور الديمقراطي.
وقال مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا والبرلمان الأوروبي في بيان:
«إدارة هذه الانتخابات بوجه عام لم تكن كافية للدلالة على تحقيق تقدم ملموس في التطور الديمقراطي للبلاد». وأشار المراقبون إلى «منافسة غير عادلة» للمرشحين وتقييد حرية الإعلام والتجمع وحالات تصويت أكثر من مرة وتجاوزات في عمليات فرز الأصوات.
واتهمت المعارضة السلطات بأنها أعاقت تسجيل ترشيحات ممثليها، ومنعت تجمعاتها وقيدت الصحافة.
وقال علي كريملي، الذي ينتمي حزبه (الجبهة الشعبية) إلى ائتلاف المعارضة الرئيسي المشارك في الانتخابات، أن الناخبين في بعض المناطق صوتوا «عدة مرات». مطالبا هو وباقي رجال المعارضة الدول الغربية إلى عدم التغاضي عن انتهاكات الديمقراطية التي تمت في هذه العملية.
رد فعل دولي
وعلى الصعيد الدولي لاقت العملية الانتخابية ردود فعل دولية متباينة، فالولاياتالمتحدةالامريكية اعتبرت ان الانتخابات تمت بنحو سليم ولكنها لم تكن حسب المعايير الدولية للديمقراطية.
وقال المتحدث باسم الخارجية فيليب كراولي في بيان ان الانتخابات البرلمانية في اذربيجان جرت بمجرى سليم بمشاركة جميع الأحزاب المعارضة والجماعات المحلية والمراقبين بالإضافة الى متابعة المجتمع الدولي ومع ذلك فان الانتخابات الاذرية لم تكن وفق المعايير الدولية.
وبين كراولي مساندته لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس اوروبا مشيرا الى وجود بعض المخاطر التي أثرت على سير الانتخابات منها على سبيل المثال الاختراقات المستمرة على نظام الاقتراع.
ودعا الحكومة الآذرية الى الأخذ بعين الاعتبار الشكاوى الانتخابية بكل شفافية وعلى وجه السرعة وكذلك مساءلة المسؤولين الذين يشتبه في تدخلهم في سير الانتخابات وأيضا على احترام حرية التعبير.
في حين قالت المنسقة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون انها اطلعت على نتائج الانتخابات البرلمانية في اذربيجان مشيرة الى ان الانتخابات سارت بمجرى سليم وذلك بمشاركة جميع الأحزاب المعارضة.
واشارت اشتون في بيان الى ان ادارة الانتخابات بوجه عام لم تكن كافية للدلالة على تحقيق تقدم ملموس في التطور الديمقراطي للبلاد داعية السلطات الاذربيجانية الى معالجة القصور والقضايا المثيرة التي واجهت العملية الانتخابية.
واضافت انها تشجع السلطات الأذربيجانية لتعزيز جهودها الرامية الى تحقيق الديمقراطية ومراعاة حقوق الانسان خاصة فيما يتعلق بضمان وتعزيز التعددية الديمقراطية وحرية الاعلام والتجمعات.
لمحة تاريخية:
ما سبق يجعلنا نتطرق بصورة مختصرة لبعض الأحزاب الموجودة في أذربيجان وأجندة كل حزب، وقبل أن نعرض هذه الأحزاب، نذكر لمحة عن الحياة السياسية في أذربيجان، فقد تم وضع الدستور الأذربيجاني سنة 1978م.
ويقرر أن أعلى سلطة في البلاد تتركز في يد المجلس الأعلى (البرلمان) ثم يليه مجلس الوزراء الذي يتولى السلطة التنفيذية والإدارية، وينص الدستور على أن يقوم رئيس الجمهورية بتعيين الحكومة.
أما رئيس الجمهورية فيتم انتخابه بالتصويت المباشر وهو الذي يقوم بتعيين رئيس الوزراء ومجلس الوزراء ولكن لابد أن يصادق المجلس الأعلى على هذه التعيينات.
ورغم وجود رئيس للوزراء فإن رئيس الجمهورية يتولى رئاسة الحكومة، أما الحياة الحزبية فى أذربيجان فيوجد بها 10 أحزاب تتنوع أهدافها وسياساتها على النحو التالي: -
1 - حزب الاستقلال الوطني:
أسس هذا الحزب عام 1992 على يد "إعتبار محمدوف" وكان معظم قادة هذا الحزب من الأعضاء المؤسسين للجبهة الشعبية، وحزب الإستقلال هذا يعارض انضمام أذربيجان لمجموعة دول الكومنولث.
كما يعارض تغيير الخط الروسي الذي يستخدمه الشعب الآذري إلى الخط اللاتيني الذي أقره البرلمان، واعتبر هذا الحزب تغيير الهوية التركية الآذرية إلى التركية العثمانة منافيًا للمصالح الوطنية للبلاد.
2 - الحزب الإشتراكي الديمقراطي:
هذا الحزب هو الآخر منبثق عن الجبهة الشعبية، وبرنامجه كان من بقايا النظام السوفيتي، وهو يعارض التقارب مع تركيا ومع هذا فهو يؤيد العلمانية، ووافق منذ البداية على الانضمام لدول الكومنولث.
3 - حزب المساواة:
ويسمى "بني مساوات" أي المساواة الجديد، وزعيم هذا الحزب هو "عيسى قنبروف" الذي كان رئيسًا للبرلمان في فترة حكومة الجبهة الشعبية، ويعتبر محمد أمين زاده الذي أسس جمهورية أذربيجان عام 1918م هو المؤسس الفعلي لحزب المساواة في 1911م.
4 - حزب الطريق الصحيح:
أسس هذا الحزب عام 1993، وتولى رئاسته النائب الأول لرئيس البرلمان "تامر لمان قاراييف" وتمثلت أهداف هذا الحزب في إقرار العدالة الإجتماعية وتوفير الحرية والحفاظ على الوحدة العامة.
5 – حزب إتحاد العمال الطوراني المستقل:
مؤسس هذا الحزب هو "نعمت بناه أوغلو" أحد زعماء الجبهة الشعبية، وهو يعارض تغيير التاريخ والهوية الآذرية إلى التركية الأناضولية، وإنما يتمسك هذا الحزب بقوة بالقومية الآذرية.
6 - حزب تضامن الشعب الآذربيجاني:
أسس هذا الحزب "صابر رستم خانغي" رئيس لجنة الصحافة في أذربيجان، وله صحيفة ناطقة باسمه تسمى "آند" أي القسم.
7 - منظمة "بزقورد" أي الذئب الرمادي:
زعيم هذه المنظمة هو "إسكندر حميدوف" العضو البارز من مؤسس الجبهة الشعبية ووزير الداخلية في عهد الرئيس إيلتشي بيك (أبو الفضل) .
ويقال أن منظمة الذئب الرمادي منظمة دولية حيث لها فروع في أوزبكستان وتركيا، والمركز الرئيسي لهذه المنظمة في استانبول.
8 - الحزب الإسلامي:
هو التنظيم السياسي النشط على مستوى البلاد، حيث يتمتع بالشعبية في كل المدن، وتم تأسيس هذا الحزب بعد انشقاق أعضائه عن الجبهة الشعبية بسبب ميولها الاشتراكية والعلمانية المتشددة، وقد سجل الحزب في وزارة العدل كحزب مستقل عام 1992 .
وبدأ نشاطه السياسي على الفور بزعامة الحاج علي إكرام وبرنامج هذا الحزب يهدف إلى تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية والثقافة الوطنية ووحدة المسلمين والكفاح من أجل الحفاظ على استقلال ووحدة الجمهورية والتوسع في بناء المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية .
وفي الوقت الراهن يعكف الحزب على ترميم وتجديد المساجد وفتحها وإقامة المراسم والأعياد والمناسبات الإسلامية ويصدر الحزب نشرتين صحفيتين تعبران عن نهجه هما:"إسلام سي" أي صوت الإسلام، و "إسلام دنيا سي" أي دنيا الإسلام.
9 - حزب أذربيجان المستقل:
أسس هذا الحزب عام 1991 بزعامة "نظامي سليمانوف" وهو الذي عارض تغيير اسم الأمة الآذرية إلى التركية بعد ما أقر البرلمان ذلك الأمر من قبل، وله صحيفة ناطقة باسمه تسمى "آختاريش" أي الباحث.
مؤسس هذا الحزب هو الرئيس الآذربيجاني السابق "حيدر علييف" والمقر الرئيس لهذا الحزب في منطقة نخجوان ذات الحكم الذاتى، وهذا الحزب لا يعارض الميول الروسية، وفي نفس الوقت فإنه لا يؤيد التبعية المطلقة لتركيا.
وبجانب هذه الأحزاب هناك منظمات سياسية أخرى لها نشاطه السياسي والمجتمعى ومنها : منظمة القزلباشيين، والحزب الديمقراطي، وحزب حرية الشعب والجمعية الوطنية، وجمعية التوبة.
وحزب بيرليك الديمقراطي وإتحاد الشباب الشيوعي من أجل نهضة آذربيجان، وحزب جمهورية أذربيجان الإسلامية وحزب الخضر الآذربيجاني وغير ذلك من الأحزاب التي وصل عددهم في عام 1998 إلى أكثر من 25 حزبًا ومنظمة.
والناظر لما سبق سيجد هشاشة في الحالة الحزبية لهذه الجمهورية المستقلة بسبب نفوذ الحزب الحاكم وتسخير أدوات الدولة كلها لخدمته ما سبب تهميش الأحزاب الأخرى.
وهذه الأحزاب المذكورة من الممكن تقسميها إلى الآتي: أحزاب مؤيدة للسلطة تأييدا مطلقا، وأخرى تسمى ظاهريا "معارضة"، لكن أجندتها تحتوي على تأييد الحزب الحاكم.
وثالثة: إسلامية يتلخص دورها في ترميم المساجد والاحتفال بالمناسبات الدينية وهي بعيدة كل البعد عن الحياة السياسية، ورابعة تشكل المعارضة الحقيقية وهذه نصيبها من المنابر الشرعية قليل جدا ويتم التضييق عليها وعلى أنشطتها ومن ثم تهميش دورها فلا يسمع عنها أحد إلا خلال الانتخابات البرلمانية وأغلب قادة هذه الأحزاب لايستقرون في البلاد.
خلاصة القول أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أذربيجان أكدت أن هذه البلاد مازالت تحكم بقبضة حديدية قريبة جدا من القبضة السوفيتية، متمثلة في طريقة الرئيس الحالي في إدارة البلاد والتي يعتمد فيها على ضمان التأييد الغربي له.
حيث أن هذا الغرب هو الذي يسعى إليه طمعا في ثروته النفطية وهو لايبذل لهم هذه المواد الخام إلا بعد الحصول على ضمانات دولية لتأييد حكمه والثناء المتواصل عليه.
ونهاية نقول أن حكومة هذه الجمهورية عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الشكاوى الانتخابية المقدمة بكل شفافية وعلى وجه السرعة وكذلك مساءلة المسئولين الذين يشتبه في تدخلهم في سير الانتخابات واحترام حرية التعبير.
وإلا فالثورات من الممكن ان تندلع، وإذا حدث هذا فالنتائج معروفة: تدهور اقتصادي، تراجع المكانة الدولية، التدخل الخارجي والعبث بمقدرات البلاد.
*باحث في شئون آسيا الوسطي مدير تحرير موقع آسيا الوسطي للدراسات