محنة متجددة للصحافة والصحفيين في مصر طارق عبدالله المؤامرة أو المذبحة التي تتعرض لها الصحافة المصرية حاليا ليست جديدة ولا غريبة .. فالنظام الحالي - إذا ما استقرأنا التاريخ - ظل دائما يتربص بالصحافة وبحريتها مهما رفع من شعارات «مزيفة» مثل حرصه على حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير .. وهناك العديد من المؤامرات التي يحيكها النظام على حرية الصحافة والصحفيين مرة بإغلاق الصحف، ومرة أخرى بإصدار قوانين مشبوهة لتقييد حرية الصحافة والصحفيين، والقانون «93» لسنة 1995 الشهير ليس ببعيد عنا، وما يؤكد ذلك أن القانون رقم «61» لسنة 1996 والذي جاء بديلا للقانون « 93» المشبوه بعد الانتفاضة التي قام بها الصحفيون عقب إصدار هذا القانون، ظلت به مواد تنص على حبس الصحفيين في قضايا النشر، وأصر النظام على استمرار هذه المواد حتى الآن رغم الوعود التي خرج بها الرئيس مبارك بإلغاء تللك المواد التي تؤدي الى حبس الصحفيين في قضايا النشر، وهذا ما أعلن على لسان وزير الإعلام آنذاك صفوت الشريف .. إلا أن هذا الوعد ذهب في مهب الريح، مما يدل على عدم النية الخالصة. وكما ذكرت فإن تربص النظام بحرية الصحافة ليس بجديد، فمنذ بداية هذا النظام تكرر العديد من الإجراءات البوليسية الرادعة التي تحول حرية الصحافة إلى نعش، فرغم ما تردده أبواق النظام من أن الرئيس مبارك لم يقصف قلما ولم يغلق صحيفة، وظلوا يتباهون بهذا الشعار لفترة طويلة، فقد انهار بسبب الممارسات والإجراءات المناقضة له .. فمنذ البداية قام النظام بإغلاق صحيفة «صوت العرب» بسبب مساندتها لثورة مصر. ولم تمض أيام كثيرة حتى أغلق النظام صحيفة «مصر الفتاة» متخذا ذريعة الانشقاق الحزبي في إغلاقها، وهي الذريعة التي تكرر السيناريو لها في إغلاق العديد من الصحف مثل «الشعب» إضافة إلى صحيفة الدستور التي تم إغلاقها من قبل ، والتي ينوي النظام إغلاقها مرة ثانية .. ناهيك عن حبس العديد من الصحفيين بسبب قضايا النشر. وإذا ما عدنا للوراء قليلا نجد أن حرية الصحافة دائما تتعرض لمؤامرات ومحن عديدة ، ونحن نتذكر جيدا الإجراءات التي اتخذها رئيس النظام السابق أنور السادات بحبس العديد من الصحفيين وتحويلهم إلى وظائف إدارية ببعض الهيئات والوزارات، وكانت الضربة الكبرى لحرية الصحافة على يد السادات في أحداث سبتمبر 1981 .. ولا ننسى أيضا بعض الإجراءات التي حاول السادات تطبيقها لضرب الصحفيين، حين حاول أن يضم موظفي الهيئة العامة للاستعلامات وموظفي الإذاعة والتليفزيون لنقابة الصحفيين لتصبح هذه النقابة القوية «نقابة موظفين» بدلا من «نقابة صحفيين» إلا أن محاولاته تلك فشلت بفضل صمود الصحفيين أمام هذه المحاولات مثلما وقفوا وصمدوا بقوة ضد القانون «93» المشبوه .. ولذلك نحن ندعو كافة الصحفيين المصريين الى أن ينتفضوا ويصمدوا أمام المؤامرات التي تحاك ضدهم الآن. وإذا كان القضاء - الذي نحترمه ونجله كثيرا - سرعان ما استجاب لدعوى بعض أعضاء «الحزب الوطني» وأصدر حكمه بالحبس على أربعة من رؤساء تحرير الصحف الحزبية والمستقلة .. فإننا نتساءل : لماذا لم يسارع القضاء - والذي يتعرض فيه الشرفاء لمؤامرة مثيلة لمؤامرة الصحفيين - في التحقيق وإصدار أحكامه في البلاغات التي قدمت ضد رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية السابقين الذين تركوا مؤسساتهم مثقلة بالديون الباهظة .. وهم الآن يتمتعون بأموال تلك المؤسسات دون محاسبة .. إنه منطق الكيل بمكيالين. نحن من هذا المنطلق لا نشجع على التجاوزات الصارخة من بعض الكتاب والصحفيين والتي تسيء لكثير من أفراد الشعب المصري ، خاصة إذا كانت هذه التجاوزات مبنية على باطل ، وفيها اتهامات غير صحيحة لأصحابها .. ولكن في نفس الوقت فإننا نؤكد على أحقية الصحافة في أي مكان في العالم في تناول الموضوعات والقضايا التي تهم الرأي العام سواء كانت هذه القضايا تمس رؤساء أو وزراء أو شخصيات عامة ، وهؤلاء من الطبيعي معرضون للنقد إذا كانت ممارساتهم فيها تجاوزات ، خاصة إذا مست من قريب أو بعيد قضايا الناس أو كانت متعلقة بمستقبلهم ومصالحهم. والشيء بالشيء يذكر .. فإنني أعتقد أن مسألة «مرض الرئيس» التي أثارت الأزمة الأخيرة مع الصحافة والصحفيين المصريين، مسألة وقضية في غاية الأهمية ، خاصة وأن الموضوع يتعلق بمستقبل بلد كبير مثل مصر ، وليس هناك نائب ينوب عن الرئيس في حال غيابه. والدستور الذي من المفترض أن يحكم هذه المسألة ويقوم بضبطها يتم تغييره حاليا على هوى النظام وحسب مايريد، وهناك من ترزية القوانين الكثيرون الذين يقومون بتفسير الدستور وتفصيله لكي يتم توريث الحكم في مصر .. ومن هنا فإن سريان إشاعة عن مرض الرئيس يستوجب أن تناقشه الصحافة المصرية لما له من أهمية قصوى، وأعتقد أن الصحافة تستطيع من خلال مناقشتها لهذه القضية أن تتأكد من صحة الإشاعة أو من كذبها .. وهنا لا بد أن نذكر بأن المرض أو الموت ليس ببعيد عن أحد طالما أنه بشر سواء كان رئيسا أو مرؤوسا .. وأعتقد أيضا أن مصير الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عندما كان مريضا وتمت إقالته نظرا لعدم قدرته الصحية على تسيير أمور البلاد لن يتكرر في مصر، فلم الهلع ورد الفعل العنيف إزاء ما كتبته الصحافة المصرية حول مرض الرئيس .. إلا إذا كانت المسألة مبيتة للنيل من الصحافة المصرية وحريتها. عن صحيفة الوطن القطرية 9/10/2007