دروس أكتوبر مجدي الدقاق سيظل يوم العبور في السادس من أكتوبر1973, يوما للعزة والفخار الوطني لكل المصريين, ومرور34 عاما علي هذا اليوم العظيم, يجب ألا ينسينا تقديم التحية لكل شهيد مصري ضحي بنفسه من أجل استرداد الأرض واستعادة الكرامة الوطنية, ولا ينبغي معه أيضا نسيان دروس هذا اليوم العظيم ومعانيه الجليلة. لقد كانت الحرب ضرورة حتمية, لتحرير الأرض من الاحتلال, وتخليص النفوس من مرارة الهزيمة, ومدخلا لسلام مشرف أنهي حالة حرب استمرت منذ عام1948. ولاتزال ذكريات يوم العبور ونحن طلاب الجامعة في ذلك الوقت حية في عقولنا, وتملء وجداننا ونتذكرها بكل مشاعر الزهو والكبرياء, فقد قدر لنا نحن أبناء هذا الجيل أن نشهد عدوان1956 علي بورسعيد ونحن أطفال صغار, وأن نري عودة جنودنا من سيناء في يونيو67 ونحن صبية في المدارس الاعدادية, وتملكنا الفرح والاندفاع الوطني بملحمة الصمود في رأس العش وبتدمير إيلات علي سواحل بورفؤاد, علي يد قواتنا البحرية. لقد بلغ الزهو الوطني بنا قمته مع عبور جنودنا قناة السويس في أكتوبر1973, وشاركنا نحن في مجموعات طلابية بعد تدريب أولي علي حمل واستعمال السلاح الآلي والنصف آلي في التمركز علي طول ساحل مدينة رأس البر تصديا لإنزال بحري كان العدو يفكر فيه, حيث كان أبناء مدينة بورسعيد, قد تركوا مدينتهم بناء علي أوامر اخلائها عقب حرب67, وانتلقوا للعديد من المحافظات والمدن المصرية, وكان لمدينة رأس البر النصيب الأكبر في استقبال أبناء بورسعيد, التي بدت خالية من سكانها مثلها مثل مدن القناة الأخري السويس والاسماعيلية. ووسط القصف المدفعي وغارات طائرات العدو الفانتوم و الميراج وتصدي مدفعيتنا ونسور الجو المصريين وهم يقودون طائرات الميج والسوخوي, ويوجهون ضرباتهم للعدو, عدنا نحن الشباب إلي مدينتنا لنستكمل دورنا في شكل مهمات مساعدة, مثل رفع الانقاض, واغلاق مصابيح الكهرباء, وأبواب المحلات والمنازل والتأكد من عدم تسرب المياه للمباني بسبب القذف, وطلاء زجاج المدينة باللون الأزرق, والمساعدة في نقل الجرحي, ونقل المواد الغذائية, وأكياس الرمال لبناء حصون رملية علي مواقع ومبان مختارة وخصوصا في أطراف مدينة بورفؤاد. أيام لا يمكن لجيلنا أن ينساها, فهي عزيزة بمعزة الأرض والوطن برغم مشاهد الدمار والدماء وفقدان الأحباء. لقد كانت حرب أكتوبر وستظل أحد أهم صور التلاحم بين أبناء الشعب المصري, ففي لحظة تاريخية ذاب الجميع وانصهر في بوتقة الوطنية المصرية, وسادت روح الانتماء الوطني, وسبق أي انتماء آخر. لعل ذلك هو الدرس الأول والأهم لهذا اليوم العظيم في تاريخنا, فالعبور كان عبورا للوطن والشهداء كانوا جميعا أبناء هذا الوطن, فنيران ورصاصات العدو لم تفرق بين أحمد وجرجس واحتضنت رمال سيناء جسديهما الطاهر, دون أن تسأل عن طقوس دفنيهما. وعندما نتذكر تضحيات شهدائنا سنقرأ الفاتحة علي روح جرجس وسنقيم قداسا علي روح أحمد فالوطن حقق انتصاراته بهما معا. علينا وبعد مرور هذه السنوات الطويلة, أن نستعيد روح هذا اليوم بكل معانيه, فهناك أجيال أتمت اليوم34 عاما من عمرها وأجيال قادمة يجب أن تعرف حجم التضحيات والبطولات التي قدمها آباؤهم وأجدادهم, وعلينا أن يكون درسنا الأول لهم هو يوم العبور بكل ما يحمله من معاني التضحية والفداء والانتماء الوطني. لقد بات من الضروري علينا جميعا تنشيط وإيقاظ الذاكرة الوطنية وتوثيقها واستخلاص دروسها والاحتفاء بها سنويا لتظل حية في وجدان كل الأجيال. أن نشر وتوزيع يوميات الحرب وشهادات أبناء القوات المسلحة والسعي لإنتاج أعمال فنية تليق بهذا الحدث هو جزء من هذا التوثيق الذي يحفظ الذاكرة الوطنية للشعوب, ولا أتصور أنه بعد34 عاما من هذا اليوم التاريخي ألا يكون لدينا أكثر من شريط سينمائي عن حرب أكتوبر مثل كثير من دول العالم, فملايين البشر لم يعاصروا الحرب العالمية الثانية ولكنهم عن طريق الأفلام الأمريكية عرفوا أحداثها, وكثير من البشر لم يشاهدوا ملحمة ستالينجراد ولكنهم عرفوها بمشاهدة الأفلام الروسية. وينبغي التأكيد علي أن الاحتفال بإنتصارات الشعوب وبحروبها لا يعني علي الاطلاق دق طبول الحرب, بل هو تذكير بالإرادة الوطنية والتأكيد علي أن الحروب العادلة دائما هي التي تصنع السلام وتأتي بالأمن, وهي أيضا دعوة للجميع ليتذكروا أن الاحتلال والقوة الغاشمة لا تصنع سلاما أو أمنا, وأنه مهما طال زمن القوة, فإن الشعوب تصنع تاريخها في لحظات فارقة, وتستطيع النهوض لتسترد حقوقها المسلوبة. أن دروس أكتوبر كثيرة, المهم أن يستوعبها الجميع سواء في الداخل أو الخارج, فالدروس الصعبة دائما لا يستطيع أحد نسيانها, أو الهروب منها, حتي لو مر عليها مائة عام. عن صحيفة الاهرام المصرية 7/10/2007