اسامة الهتيمي بالطبع كانت تصيبني حالة من هيستريا الضحك كلما قرأت أو سمعت أحدا يتحدث عن التحالف بين الإخوان المسلمين في مصر والدكتور محمد البرادعي وأن الجماعة أصبحت الداعم الرئيس والفعلي لحركة التغيير التي يريدها المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية.
مستندين في ذلك إلى أن الجماعة هي من تحملت على عاتقها وعبر عناصرها تنظيم عدة مؤتمرات داخل المحافظات المصرية للدكتور البرادعي والتي تمكن من خلالها من زيارة بعض الفاعلين والنشطاء السياسيين في بيوتهم ومكاتبهم والالتقاء بعشرات ألآلاف من الجماهير المصرية.
وكان هؤلاء يرون أنه لم يكن من العبث أن تجازف الجماعة بتقديم هذا الدعم الذي تعلم يقينا أن له تداعيات إلا إذا كانت تراهن بالفعل على الرجل الذي ربما يكون وجها مقبولا بل ومدعوما من قبل قوى الغرب التي لها دور كبير جدا في تحديد التوجهات والسياسات داخل البلاد.
والحقيقة أن القائلين بذلك لا يعدون عن كونهم أحد نوعين:
إما أنهم لا يدركون جيدا منهج وسياسات جماعة الإخوان المسلمين من خلال استقرائهم للكثير من المواقف والاحداث المشابهة.
أو أنهم أرادوا الإساءة للإخوان المسلمين بتصويرهم داعمين لرجل أمريكا – في إشارة هنا إلى الدكتور البرادعي- حيث يعده الكثيرون الشخصية المرشحة من قبل أمريكا لخلافة الرئيس مبارك الذي تزايدت حدة المعارضة له في السنوات الأخيرة.
لكن ما هي حقيقة موقف الإخوان المسلمين من البرادعي ؟
وهل يراهن الإخوان فعلا على شخصية بمواصفات هذا الرجل؟
في البداية أجدني مدفوعا إلى التأكيد على أن البرادعي تعرض لخدعة كبرى من هؤلاء الذين التفوا حوله وصورو له أنه الفارس الذي سينقذ المصريين من نظام سياسي ترهل وشاخ إلى درجة باتت فيها الأوضاع في مصر على شفا جرف هار من النار.
وقد ساعد هؤلاء على النجاح في حبك دورهم أن المصريين بالفعل يعيشون مرحلة من أسوأ مراحلهم التاريخية فالإضرابات والاعتصامات والتظاهرات والاحتجاجات أصبحت ظاهرة يومية جسدت حالة الانفجار الشعبي الذي تجاوز حدود التابوهات الأمنية التي كانت سائدة لفترة طويلة .
وإن كان النظام قد حاول أن يصورها على أنها أكبر دليل على الديمقراطية إذ سعى وبكل أسف إلى أن يفرغ مثل هذه الفاعليات من مضمونها وأهدافها بعد أن فشل في وقفها.
لكن وبعيدا عما أراد النظام فإن هذه الفاعليات عكست بالفعل إلى أي مدى وصلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ما أن انتهى البرادعي من مهمته الوظيفية كمدير عام لوكالة الطاقة الذرية حتى تلقفه بعض النشطاء السياسيين وقيادات بعض الأحزاب الذين وجد هؤلاء ضالتهم في الرجل .
فسارعوا إليه وقالوا له إن مصر والمصريين في انتظارك يتشوقون للحظة عودتك حتى تكون قائدا لهم فالثورة الشعبية لا ينقصها إلا القائد الذي لن يكون إلا أنت بما لك من خبرة سياسية وعلاقات دولية وسمعة مرضية.
ولم يكن غريبا أن يقبل الرجل بالقيادة فما أجملها خاصة وقد انتهت وظائفه الرسمية فقبل بكل ترحيب.
وهنا يجب أن نشير إلى نقطة هامة لا يمكن أن نغفلها إذ كانت في اعتقادي عاملا رئيسا في قبول الرجل بقيادة المصريين لتحقيق حلم التغيير إذ من المؤكد أنه كان متابعا جيدا لتفاعلات الحراك السياسي في مصر خاصة في فترة ازدهاره التي بدأت مع نهاية عام 2004م .
والتي شملت كما اشرنا آنفا اعتصامات وإضرابا وتظاهرات وانتخابات برلمانية نجح فيها 88 إخوانيا وأخرى رئاسية شهدت مشاركات متعددة لأول مرة في التاريخ المصري .
وكان كل ذلك كفيل بأن يترك في ذهن الرجل انطباعا أن ثمة تحولات سياسية جرئية تشهدها مصر بما يقترب بأوضاعها من المفهوم الأصلي للديمقراطية وهو ما سيسهل المهمة كما ظن البرادعي.
وفات البرادعي أن موقف النظام المصري من الديمقراطية وشعاراتها ومظاهرها لا يزيد عن أداة تجميلية وديكورية يواصل بها خداعه للداخل والخارج والداخل فيمتص بها غضب الشعب المصري واحتقانه المتزايد ويوهم الخارجين بأن كل شئ تمام.