تحت هذا العنوان الدقيق نشر الكاتب الأميركي "بيل فان أوكن" في 2 سبتمبر علي موقع إنفورميش كليرنج هاوس تقييمه لخطاب الرئيس الأمريكي أوباما في أول سبتمبر الذي حشده أوباما بالأكاذيب عن حرب العراق وتراجع فيه عما خدع به الشعب الأمريكي من شعارات خلال حملته الانتخابية.
ولما أصبح رئيسا كشف عن وجهه الحقيقي الثائر وعن أنه مجرد ألعوبة في يد مجرمي الحرب وتجار الموت.
يقول أوكن إن خطاب أوباما كان ممارسة في الجبن والخداع.. خدع به الأمريكيين والعالم في تشخيصه للحرب الإجرامية ضد العراق. وكان جبانا في تملقه للعسكريين الأمريكيين. ولا يثير الحديث سوي مشاعر التقزز والاحتقار فيمن شاهدوه..
فأوباما الذي يدين برئاسته لمشاعر الأغلبية المعادية للحرب بين الأمريكيين استخدم حديثه لتمجيد الحرب التي زعم أنه يعارضها.
وكانت أقبح فقرة في حديثه عندما أعلن: " إن جنودنا هم العامود الصلب في سفينة دولتنا. ومع أننا نسبح في مياه مضطربة فإن جنودنا يعطوننا الثقة بأننا علي الطريق الصحيح". هذه الفقرة هي التي ستذكرنا دائما بالحديث. وليس الكلام الملتوي عن الانسحاب من العراق.
فهي فقرة جديرة بأحاديث طغاة جمهوريات الموز والدول الفاشية. فالفقرة تقول دون حياء إن الجنود هم العامود الصلب في سفينة دولتنا وليس الدستور أو إرادة الشعب ومؤسساته الديمقراطية.
وكانت مناسبة حديث أوباما هي التاريخ المصطنع الذي زعمت إدارته أنها تنهي عنده مهمتها القتالية في العراق. وهذه إحدي الأكاذيب العديدة الواردة في الحديث.
فأمريكا تحتفظ بخمسين ألف جندي قتالي منتشرين في العراق. ويوضع هذا العدد الضخم من الجنود تحت مسمي "قوات مؤقتة لتمرين القوات الأمنية العراقية". والحقيقة الصارخة ان مهمتهم القتالية لم تتغير.
فبعد أقل من أسبوع من الانسحاب المزعوم من العراق تم إرسال لواء مدرع من خمسة آلاف مقاتل من قاعدة فورت هود بتكساس إلي العراق.
فواشنطن لا تنوي إنهاء وجودها العسكري بالعراق. بل تستمر في بناء قواعد عسكرية دائمة به وتصر علي الاستمرار في تنفيذ أجندتها الأصلية للحرب التي وضعتها إدارة بوش في مارس 2003 وهي فرصة الهيمنة الأمريكية علي الخليج الفارسي.
كان حديث أوباما ملتويا وكاذبا. فقد حاول الادعاء كذبا أنه ينفذ وعده الانتخابي بإنهاء حرب العراق خلال 6 أشهر من وصوله للرئاسة.
ولكنه في النهاية تبني خطة إدارة بوش بالانسحاب الجزئي من العراق مع ترك خمسين ألف مقاتل أمريكي به. لقد شعر الرئيس الديمقراطي بأنه مضطر للإشادة "بجنودنا" إلي درجة تزييف حقيقة الحرب التي خاضوها. فوصف احدي أسود فقرات تاريخنا العسكري بأنها مشروع للبطولة والفخر.
فقال: "إن الكثير قد تغير منذ بدء حرب العراق. فحرب بدأت لنزع سلاح دولة تحولت إلي حرب ضد التمرد. حارب جنودنا فيها من مبني إلي مبني لمساعدة العراق في فرض مستقبل أفضل".
كان أوباما يتحدث كما لو كان يخاطب شعبا فقد الذاكرة. ألم يفكر فعلا في أنها حرب بنيت علي أكاذيب وأن الناس تذكر ذلك؟
لقد قيل للأمريكيين إن حرب العراق كانت ضرورية لان حكومة صدام حسين طورت أسلحة دمار شامل وكانت علي وشك تسليمها لتنظيم القاعدة لتدمير المدن الأمريكية.
لم تكن هناك أسلحة دمار شامل أو أي علاقة بين صدام وتنظيم القاعدة.
كانت هذه الأكاذيب من اختراع حكومة مصممة علي شن حرب لتحقيق أطماع استعمارية أمريكية. وقد تكشفت كل هذه الأكاذيب وسبب كشفها عداء شديدا من الرأي العام الأمريكي للحرب.
وكأن أوباما يريد من مستمعيه نسيان كل هذه الحقائق كما لو كانت تفاصيل تافهة. لقد صور أوباما شعب العراق كشعب محظوظ استفاد من تضحيات أمريكا وبطولة جنودها التي أتاحت له فرصة النهوض لمصير جديد.
والواقع أنه يصعب تصور أن مقتل أكثر من مليون عراقي وتشريد أكثر من أربعة ملايين بسبب هذه الحرب العدوانية الأمريكية التي دمرت الدولة العراقية وكل مؤسساتها يمكن وصفها بالحظ السعيد لشعب العراق.
الوصف الدقيق أنها كانت حرب إبادة جماعية أبادت مجتمعا كاملا. فالدمار الذي سببه العدوان الأمريكي ترك وراءه أمة من الأرامل وعديمي المأوي والجرحي والعاطلين.
ورغم تمكن القوات الأمريكية من تحقيق خفض مؤقت لمستوي عنف المقاومة للاحتلال الأمريكي عن طريق نزيف الدماء العراقية الهائل الذي سببته، فإن ما تركه الاحتلال الأمريكي هو مجتمع مدمر سياسيا واجتماعيا يسيطر عليه التفكك الطائفي في ظل وجود عسكري أمريكي مستمر.
وكانت من أكثر فقرات خطاب أوباما إثارة للتقزز الفقرة الخاصة بإشادته بسلفه بوش. فقد قال: " رغم اختلافنا بشأن حرب العراق فإنه لا أحد يشك في دعم الرئيس بوش لجنودنا أو حبه لوطننا والتزامه بأمنه. وهذا يثبت أن هناك وطنيين أيدوا هذه الحرب ووطنيين عارضوها. وكلنا متحدون في الإعجاب بجنودنا رجالا ونساء".
لقد أشعل بوش حربا غير قانونية طبقا للقانون الدولي. وكان هو وأقطاب إدارته ديك تشيني ورامسفيلد وكندوليزا رايس هم من جرجروا الشعب الأمريكي في جريمة حرب مثل جرائم النازي التي حوكم مرتكبوها في نورمبرج لتخطيطهم وشنهم حربا عدوانية.
وقال أوباما لمستمعيه إنه اتصل ببوش ذلك اليوم للإعراب عن تضامنه معه. تضامنه مع مجرم حرب يستحق المحاكمة أمام محكمة جرائم الحرب في لاهاي.
كان طبيعيا أن تقود هذه الجريمة الي عدة جرائم أخري. فجنود أمريكا الذين نتشدق بشرفهم لتبرير القتل الجماعي أصبحوا شركاء في جرائم بشعة. فقد تقزز العالم والشعب الأمريكي من الصور التي خرجت من سجن أبوغريب.
ولكن أوباما تدخل في القضاء لمنع نشر أدلة جرائم أخري أكثر بشاعة. لقد كان جنودنا أنفسهم ضحايا لهذه الحرب. مات منهم قرابة 4500 شخص وجرح 35000 وعاني مئات الألوف من اضطرابات نفسية نتيجة هذه الحرب الاستعمارية القذرة.
ومع ذلك يقول أوباما دون حياء: "إن عظمة ديمقراطيتنا تكمن في قدرتنا علي تجاوز خلافاتنا والتعلم من تجاربنا عندما نواجه التحديات المستقبلة".
لقد بنيت سمعة الديمقراطية الأمريكية علي مبادئ الدستور التي مزقها بوش باسم حربه العالمية ضد الإرهاب.
وقد احتضنت إدارة أوباما هذه الطعنات للحقوق الديمقراطية ودافعت عن التجسس علي المواطنين والحبس دون اتهام أو محاكم بل والسماح للسلطات باعتبار بعض المواطنين الأمريكيين موضع شبهة بأنهم إرهابيون وإعدامهم دون محاكمة.
وقد قاد حديث أوباما الملتوي صاحبه من العراق إلي أفغانستان، حيث زعم أنها حرب يدعمها الأمريكيون لأنها حرب ضد تنظيم القاعدة الذي يهددنا. وأعلن أن الانسحاب من العراق سمح بتوجيه موارد أكثر لحرب أفغانستان كانت نتيجتها قتل أو أسر حوالي دستة من قادة تنظيم القاعدة حول العالم.
ولم يشرح لنا أوباما العلاقة بين ذلك وبين زيادة عدد جنودنا في أفغانستان إلي ثلاثة أمثال منذ تولي الرئاسة. فحسب تقدير مخابراتنا فإن عدد أفراد القاعدة في أفغانستان كلها يقل عن مائة شخص.
فكيف نحشد لهم مائة ألف جندي أمريكي وأربعين ألف من حلف الناتو؟
وواصل أوباما حديثه قائلاً إننا نحارب لكسر شوكة حركة طالبان دون ان يكترث بإيضاح العلاقة بينها وبين مطاردة القاعدة حول العالم.
والحقيقة كما نعلم أن أمريكا تحارب في أفغانستان وطنيين يقاومون الغزو الأجنبي. وهدفها ليس هزيمة الإرهاب بل السيطرة علي وسط آسيا ومواردها الهائلة.
وأخيرا فبعد أن أقر أوباما بأن حرب العراق ساهمت في إفلاس أمريكا عاد يقول إن سحب القوات من العراق مرتبط بإصرار إدارته علي تحويل الاهتمام بالأزمة التي يواجهها ستة وعشرون مليون أمريكي عاطلون عن العمل. وأن إنقاذ الاقتصاد هو هدف إدارته العاجل.
والحقيقة ان قرارات أوباما بشأن العراق وأفغانستان أملتها المؤسسة العسكرية ونقذها أوباما خاضعا. فحكومته ليست لها سياسة مستقلة وليست لديها قناعات سياسية.
فهي تنفذ سياسات وضعتها جهات أخري في البنتاجون وحي المال في وول ستريت وهدفها الواضح هو الدفاع عن مصالح الأرستقراطية المالية ضد مصالح الشعب الأمريكي.
وإلي هنا ينتهي تحليل أوكن الدقيق لما يفعله الرئيس ذو الوجه الأسود دفاعا عن مصالح سادته ذوي الوجوه البيضاء.
وهو نفس الرئيس الذي أسلمنا له قيادنا ولهثنا وراء ندائه لنا بالتوجه لواشنطن للاشتراك فيما يسمي مفاوضات السلام. وهي العملية العبثية التي تهدف أولا وأخيراً إلي تحسين فرص الرئيس ذي الوجه الأسود في انتخابات الكونجرس الأمريكي بعد شهرين وهي الانتخابات التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
*كاتب من مصر عضو الهيئة العليا لحزب الوفد 17/9/2010