الرئيس بوش ارتكب العديد من الأخطاء في حق وطنه وحق ابرياء في العالم، وثبت انه كما قال: اعتمد على معلومات خاطئة، وصرح الرئيس المنتخب الجديد اوباما خلال مقابلة تلفزيونية مع شبكة (ايه بي سي) الأمريكية نشرت تفاصيلها صحيفة الشرق الأوسط في عددها بتاريخ 2009/1/11بأنه لم يستبعد ملاحقة مسؤولين في إدارة الرئيس بوش اذا ما كانوا ارتكبوا تجاوزات في الحرب على الإرهاب مشدداً انه: "لا أحد فوق القانون" وقال: "لا زلنا بصدد تقييم الطريقة التي سنعالج بموجبها كل ما يتعلق بالاستجوابات والاعتقالات وغير ذلك" وشدد الرئيس المنتخب: "ذلك لا يعني انه اذا كان هناك شخص انتهك القانون بوضوح سيكون فوق القانون".
لقد شعرنا جميعا بأبعاد الظلم والقسوة التي مارسها بوش ضد الإنسان في مناطق كثيرة من العالم، ومهما حاولت ادارة بوش تبرير ما يجري فقد صدرت الادانة لها من مؤسسات امريكية ودولية وفي مقدمة هذه الادانات اهانة الجنود الامريكيين للناس واقتحام بيوتهم والتنكيل بهم وإرهاب الأطفال والتصرف بحماقة وتوتر وحقد أدى بهم الى سرقة الأموال والآثار والمقتنيات الثمينة، وجاءت اعترافات وزارة الدفاع الأمريكية بأن الجيش الامريكي تلقى بلاغات عن 88حالة اعتداء جنسي وشمل ذلك الاغتصاب واللواط، وتشكل الاعتداءات على النساء 10% من اعتداءات 100ألف جندي.
ومن ينظر بعمق في تصرفات الرئيس بوش يلاحظ انها قد تمت بطريقة مرتجلة وساهمت في انتشار الإرهاب ولم تحاربه، وزاد الفقر والمرض وانتشار الأوبئة بسبب هذه السياسة الخاطئة، فقد كان من الممكن الاستفادة من حادثة 11سبتمبر لتكريس ثقل امريكا وكسب مزيد من التأييد لها من الأمم والشعوب كدولة ترفض الإرهاب بدلا من دولة تمارس الإرهاب. ان العقل يقول ان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد سقط هو وإدارته في امتحان الشرف ولم يستحقوا هذا الشرف.
ولا شك ان دخول افغانستان كان ورطة كبيرة لأمريكا، ففي هذه الحرب جنى على افغانستان وسبب لها الكثير من البلايا والرزايا والقتل والتدمير تحت شعار حماية افغانستان، وشعر الناس جميعا بالظلم ورفضوا هذا التدخل، وبهذه الكيفية المدمرة، ولكنه رفع صوت الاعلام موهما الناس بأنه يحارب الإرهاب، وتحت هذا الستار جنى على بلد آمن مطمئن، وفعل اسوأ مما فعله الروس يوم كانوا يحتلون افغانستان، وكانت امريكا تحاول اخراجهم ليحل السلام وتحمي شعب افغانستان، فإذا بها تدخلهم في كارثة لا مبرر لها، وخسائر ودمار شامل تحت شعار مكافحة جماعات الشر.
ومن حق كل منصف ان يسأل عن ابعاد هذا الدمار في مناطق العالم التي سببتها قرارات الرئيس بوش وبصورة خاصة: من المسؤول الأول عن كل هذا الدمار في افغانستان تحت شعار غير دقيق ومعلومات ليست صحيحة؟ ومن المسؤول عن كل جرائم الحرب التي ارتكبت وترتكب داخل افغانستان وضد شعب افغانستان التي مزقتهم وضيعتهم واهدرت كرامتهم وافسدت حياتهم؟ .
ولا شك ان الاجابة ستكون ان سبب كل ذلك هو السياسات الخرقاء والتعجل والتهور الذي قام به بوش معتمدا على معلومات خاطئة اعترف بها اخيرا. ولم يتعلم بوش من هذا الدرس، ولم يعرف ماذا تعني عظمة امريكا، وان عظمتها تكمن في أنها دولة تحترم الحق والعدالة، وأنها لا تقبل الاعتداء على حقوق الإنسان، وأنها وضعت تمثال الحرية كرمز لاحترامها لحرية الإنسان، وكأنه لم يقرأ القانون الأمريكي الذي يحرم كل هذه الجرائم.
ثم شاهد الناس في انحاء العالم ما فعله الجنود الأمريكيون من تعذيب صارخ ظالم للعراقيين داخل السجون، وكيف خلعوا عنهم ملابسهم وجعلوهم في أوضاع شاذة واغتصبوا البعض منهم ومارسوا تصرفات غير أخلاقية ولا إنسانية، ومن هنا وجب أن يقدم هذا الرئيس للمحاكمة ليلقى العقوبة التي يستحقها، وتستمع المحاكم الأمريكية والدولية الى مرافعات الملايين من الناس الذين جنى عليهم ودمر بلادهم وزعزع امنهم تحت شعارات مضللة ومعلومات كاذبة .
وعلى المحكمة التي سيحاكم امامها الرئيس بوش ان تستمع الى شهادات المئات من الأمريكيين الذين شعروا بهذا الظلم واعلنوا عدم موافقتهم على استمرار هذا الفساد واشفقوا على قتل المزيد من أولادهم وضياع الملايين من أموال بلادهم على أهداف وهمية أثرت عليهم اقتصاديا وشوهت سمعة أمريكا، بسبب الأحكام المتسرعة والقرارات الفردية للاستخدام المفرط وغير المسؤول للقوة العسكرية والعقاب الجماعي لشعوب العالم عامة بما فيها الشعب الأمريكي.
وفي مقدمة هذه الإساءات الى سمعة امريكا ان الناس اخذوا يتساءلون في أنحاء العالم أين الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي كانت تتغنى بها أمريكا؟ وكيف حولها بوش الى هذا النوع من الظلم حتى اصبحت اجهزة المخابرات تمارس اسوأ الممارسات اللا إنسانية ضد هؤلاء الناس، فأصبحت امريكا موضع انتقاد، وحتى لاحظ العقلاء صداما بين بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين في امريكا، واتهامات متبادلة بين الاستخبارات وقوات الاحتياط والعسكريين في امريكا، وكان أشد المواقف هو ما ذكره الجنود الذين مارسوا عمليات التعذيب والاغتصاب خلال التحقيق معهم.
ولا شك ان الذين قيموا أفعال الرئيس بوش وما نتج عنها من كوارث أحسوا بأن هذا الرجل ورط امريكا واساء الى امريكا، فهو لم يفعل في العراق غير الدمار، ولم يخطط لذلك لا قبل الحرب ولا بعد الحرب، فكانت النتيجة الفاشلة والفضيحة الواضحة، حتى ضج من ذلك الساسة في امريكا، وفي البنتاجون الذي رفض تحركات وخطط السياسة الخارجية الامريكية، أوضح لهم انهم على جهل بما يجري داخل العراق حتى أصبح الجميع في داخل العراق وخارجه يتمنون خروج امريكا والخلاص منها بسبب الفساد الذي احدثه بوش.
وثبت ان الحرب تحت ذريعة التخلص من أسلحة الدمار الشامل هو كذب صريح اعتمد على معلومات خاطئة ومضللة، ويأتي السؤال: ماذا تقول أمريكا لأهالي الضحايا الذين زرعوا احذية ابنائهم في حديقة البيت الأبيض تعبيراً عن ألمهم وعدم قناعتهم بهذه السياسة الظالمة؟؟ وكيف تجيب أمريكا مساجين أبو غريب وجوانتانامو؟؟.
وجاءت الدراسات التي توضح أن الجيش الأمريكي أثار القلق والخوف بين أهل العراق، وعلى هذا فهو غير قادر على بناء العراق وأن كل من في العراق أصبح يكره أمريكا ويتمنى رحيلها، وكم نصحه رجال امثال "وولفيتز" بأن امريكا ستدفع ثمناً غالياً عند دخولها العراق، حتى قال "جون مورتر" لقد وقعت ضحية تضليل من جانب كبار مسؤولي الإدارة، مع انه كان من اكبر المؤيدين للحرب وشعر الجميع بعدم الوضوح في قرارات الرئيس بوش".
وسبق الى ذلك الجنرال كولن باول عندما اعترف بأنه تم تضليل بلاده عمداً حول اسلحة الدمار الشامل، وهذا اعتراف بعدم وجود اي مبرر للحرب على العراق، كما صرح بذلك ممثلو الدول في مجلس الأمن بل وفي خارجه.
ان من ينظر بعمق يجد ان الرئيس بوش قد اساء لأمريكا وظلمها قبل ان يظلم الآخرين وشوه صورتها ايضاً من خلال ما جرى ويجري في سجن جوانتانامو الذي يعتبر وبشهادة عسكريين امريكيين "وصمة عار في جبين امريكا" فقد صرح الكولونيل السابق "داريل فانديفيلد" لهيئة الاذاعة البريطانية في اول مقابلة يجريها بعد استقالته من وظيفته كمدع عسكري عام: ان طريقة معاملة المعتقلين في جوانتامانو مريعة وخاطئة وغير اخلاقية واضاف "لقد اقتنعت انه من المستحيل ضمان حصولهم على محاكمة عادلة" واكد فانديفيلد "انه يعتبر الوقت الذي قضاه في ذلك العمل: "اسوأ فترة في حياته".
ومن جانب آخر قالت مجموعة القادة العسكريين المتقاعدين الذين يزمعون طرح قضيتهم على فريق نقل السلطة الى الرئيس المنتخب "ان اوباما يجب ان يتخذ اجراء منذ اللحظة التي يتم تنصيبه فيها رئيساً لكي يستعيد صورة الولاياتالمتحدة التي شوهتها مزاعم عن تعذيب اشخاص يشتبه في ضلوعهم في أعمال إرهابية".
وقال الاميرال المتقاعد "لي جن" المفتش العام السابق بالبحرية "نحتاج إلى تحسين الصورة التي شوهت.. هذا التشويه الذي لحق بنا وبسمعتنا في الخارج".
وقد زاد الطين بلة نشر الصور التي اوضحت انتهاكات "ابو غريب" وثبت ان رامسفيلد كان على علم بالانتهاكات في جوانتانامو وكذلك في افغانستان والعراق حتى الكلاب وجهت عن قصد لتنهش اجسام اولئك الابرياء بموافقته التي حملها مجلس الشيوخ مسؤوليتها،، وحتى المرشح الذي خسر "جون ماكين" انتقد هذه السياسة وقال: "انها انتهاكات ما كنا نتمنى ممارستها فهي تخالف معاهدة جنيف بكل قوانينها" وتقرير مجلس الشيوخ مليء بكل هذه البيانات التي حاولوا اخفاءها ولكنها ظهرت للناس، وحتى قال ريكاردو سانشيز القائد العسكري للقوات الامريكية انه لم يكن على علم بكل هذه الفضائح المرتكبة في سجن ابو غريب على ايدي الجنود المرتزقة.
ونأتي الى السؤال الهام وهو هل يفلت هذا الظالم من محاكمة عادلة بعد ان جنى على بلاده وعلى العالم وحتى اصبح ما يزيد على 40مليون شخص داخل امريكا يعيشون تحت خط الفقر بما فيهم الاطفال.
انها كلمة حق نقولها بكل صراحة انه لا بد ان نؤيد رأي اوباما في تقديم الرئيس بوش الى المحاكمة.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل. جريدة الرياض -20/1/2009