الحياة 5/1/2009 يشعر الكثير من العقلاء في العالم بأنه آن الأوان لمحاكمة الرئيس الأميركي جورج بوش على كل ما سببه من دمار وتخريب وظلم في العالم، معتمداً على معلومات غير صحيحة، ويشهدون الله على هذا الظلم والممارسات الظالمة، وكأننا بالعالم يصرخ: اللهم أشهد اللهم أشهد، إنه ظلم عظيم. ومهما حاولت إدارة بوش التبرير، فقد صدرت الإدانة لها من مؤسسات أميركية ودولية، وفي مقدم هذه الإدانات إهانة الجنود الأميركيين للناس، واقتحام بيوتهم والتنكيل بهم وإرهاب الأطفال، والتصرف بحماقة وتوتر وحقد أدى بهم الى سرقة الأموال والآثار والمقتنيات الثمينة، وجاءت اعترافات وزارة الدفاع الأميركية بأن الجيش الأميركي تلقى بلاغات عن 88 حالة اعتداء جنسي، وشمل ذلك الاغتصاب واللواط، كما شكلت الاعتداءات على النساء 10 في المئة من اعتداءات 100 ألف جندي. من ناحية أخرى، فإن الاعتداءات شملت مجموعة من الصحافيين الذين يعملون لوكالة رويتر للأنباء، عوملوا أسوأ معاملة، إذ جردوا من ملابسهم، وهُددوا بممارسة الفاحشة معهم، وذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية، أن أقارب أحد الجنود قال: ان زملاءه الجنود طلبوا منه خلع حذاء أحد الصحافيين وحشوه في فمه، وقالت الصحيفة إذا كانت مثل هذه الأفعال تحدث لصحافيين، فكيف بعامة الناس؟ ولكن، بكل أسف لا تزال الإدارة الأميركية تكابر وتصر على موقفها وتبريرها للحرب، وهذا واضح في نبرات الرئيس الأميركي. ومن ينظر بحكمة يجد ان أميركا ضيعت فرصة كبيرة على نفسها بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، فبدلاً من ان يكون العالم الى جانبها، انقلب الى العداء لها ولسياساتها بسبب تصرفات بوش، حتى أثارت هذه التصرفات دولاً كبرى مثل الصين وروسيا واليابان بل حتى فرنسا وألمانيا. وبكل أسف، فإن تصرفات الرئيس بوش أسهمت في انتشار الإرهاب ولم تحاربه، وزاد الفقر والمرض وانتشار الأوبئة بسبب هذه السياسة الخاطئة، فقد كان من الممكن الاستفادة من 11 أيلول لتكريس ثقل أميركا وكسب مزيد من التأييد لها من الأمم والشعوب كدولة ترفض الإرهاب بدلاً من دولة تمارس الإرهاب. العقل يقول ان الرئيس الأميركي جورج بوش سقط هو وإدارته في امتحان الشرف ولم يستحقوا هذا الشرف. ولا شك في ان دخول أفغانستان كان ورطة كبيرة لأميركا، ففي هذه الحرب جنى على أفغانستان وسبب لها الكثير من البلايا والرزايا والقتل والتدمير تحت شعار حمايتها، وشعر الناس جميعاً بالظلم ورفضوا هذا التدخل، وبهذه الكيفية المدمرة، لكنه رفع صوت الإعلام موهماً الناس بأنه يحارب الإرهاب، وتحت هذا الستار جنى على بلد آمن مطمئن، وفعل أسوأ مما فعل الروس يوم كانوا يحتلون أفغانستان، وكانت أميركا تحاول اخراجهم ليحل السلام وتحمي شعب أفغانستان، فاذا بها تدخله في كارثة لا مبرر لها، وخسائر ودمار شامل تحت شعار مكافحة جماعات الشر. ولم يتعلم بوش من درس أفغانستان، ولم يعرف ماذا تعني عظمة أميركا، وأن عظمتها تكمن في انها دولة تحترم الحق والعدالة، وأنها لا تقبل الاعتداء على حقوق الإنسان، وانها وضعت تمثال الحرية كرمز لاحترامها لحرية الإنسان، وكأنه لم يقرأ القانون الأميركي الذي يحرم كل هذه الجرائم، وإذا به يندفع مرة أخرى بحرب على العراق، اعتمد فيها على معلومات بأن هناك أسلحة دمار شامل، وتحت هذا العنوان وهذه المعلومات الكاذبة أعلن حربه على العراق، فنتج المزيد من الإرهاب والتهديد، ومزق وحدة العراق، وشتت أمنه، وضيع استقراره، بل أدى الى نهب ثرواته، وكانت خسائر بشرية ومادية كبيرة للشعب العراقي. وفي الوقت نفسه، شكلت هذه الحرب كارثة على أميركا وترتبت عليها تكاليف كبيرة وقتلت الكثير من أبنائها من دون مبرر، وأخيراً يعترف بوش علناً وعلى شاشات التلفزيون انه كان يعتمد على معلومات غير دقيقة من الاستخبارات الأميركية. وتفاقم الأمر عندما نشرت وسائل الإعلام صور الجنود وهم يعذبون العراقيين في السجون، ويأخذون صوراً لهم وهم عراة وفي أوضاع شاذة، وأرسلت تقارير للإدارة عن اغتصاب عدد من المعتقلين ومعاملتهم بصورة لا إنسانية، وغير أخلاقية، فضحت سياسة بوش وأساءت الى سمعة أميركا وصدقيتها. ومن هنا وجب ان يقدم هذا الرئيس للمحاكمة ليلقى العقوبة التي يستحقها، وتستمع المحاكم الأميركية والدولية الى مرافعات الملايين من الناس الذين جنى عليهم ودمر بلادهم وزعزع أمنهم تحت شعارات مضللة ومعلومات كاذبة، وعلى المحكمة التي ستحاكم الرئيس بوش ان تستمع الى شهادات المئات من الأميركيين الذين شعروا بهذا الظلم وأعلنوا عدم موافقتهم على استمرار هذا الفساد وأشفقوا على قتل المزيد من أولادهم وضياع الملايين من أموال بلادهم على أهداف وهمية أثرت عليهم اقتصادياً وشوهت سمعة أميركا، بسبب الأحكام المتسرعة والقرارات الفردية للاستخدام المفرط وغير المسؤول للقوة العسكرية والعقاب الجماعي لشعوب العالم بما فيها الشعب الأميركي. وفي مقدم الإساءات الى سمعة أميركا ان الناس أخذوا يتساءلون في أنحاء العالم أين الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي كانت تتغنى بها أميركا؟ وكيف حولها بوش الى هذا النوع من الظلم حتى أصبحت أجهزة الاستخبارات تمارس أسوأ الممارسات اللاإنسانية ضد الناس، فأصبحت أميركا موضع انتقاد، ولاحظ العقلاء صداماً بين بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين، واتهامات متبادلة بين الاستخبارات وقوات الاحتياط والعسكريين في أميركا، وكان اشد المواقف هو ما ذكره الجنود الذين مارسوا عمليات التعذيب والاغتصاب خلال التحقيق معهم. وكان من نتيجة ذلك ان توالت ردود الأفعال السلبية ضد أميركا، وما رافقها من هزة للكيان الأميركي ظهر أثرها أخيراً ممثلاً في ذلك الانهيار الاقتصادي كنتيجة حتمية لسوء الإدارة وفسادها، والغفلة عن إدارة الشؤون الأميركية بحجة الانشغال بالتدخل في شؤون الدول الأخرى ونشر الرعب والخوف من أميركا نفسها. ولعل خير شاهد على مدى الكراهية التي جلبها جورج بوش لنفسه ولبلده وشعبه ما شاهدناه عبر الفضائيات عندما خلع الإعلامي العراقي منتظر الزيدي نعليه وقذف بهما في وجه الرئيس بوش أمام عدسات الكاميرات تعبيراً عن الاستياء والغضب تجاه المظالم التي يرتكبها جورج بوش في حق الأبرياء والشرفاء والمستضعفين من الشعوب. ومن أخطاء بوش استخدامه مقاتلين مرتزقة لا ضمير لهم ولا ثقافة إلا القتل والإرهاب والتعذيب، يُستأجرون لارتكاب جرائم لا إنسانية والاعتداء على الناس. والسؤال المهم هو لماذا أخفيت كل هذه المعلومات عن القيادة؟ وتحت أية سلطة أخفيت؟ وأي قانون؟ في وقت ثبت أن كل هذه الممارسات تمت بأمر الرئيس، وبقرار من ضباط الاستخبارات الذين تحفظوا على المعلومات السرية ووضعت في الأدراج لتستمر الانتهاكات. وبكل أسف فان من يراجع أفعال الرئيس بوش يجدها متسرعة ومتهورة لم تحقق أي هدف لأميركا، وحتى الستار الذي كان يتستر خلفه لإقناع المواطن الأميركي انما كان يهدف الى تغيير الشرق الأوسط لم يتحقق ولم يعد نافعاً، بل قلب الشرق الأوسط بكامله ضد أميركا، ودخل العراق وهو لا يعلم ماذا سيفعل في العراق، ولم يخطط ماذا سيفعل في الحرب ولا بعد الحرب، وكانت النتيجة الفاشلة والفضيحة الواضحة، وصدم بالخلاف بين البنتاغون والخارجية الذي أدى الى شل العمل في مرحلة حساسة عندما رفض البنتاغون تحركات وخطط الخارجية الأميركية، وثبت انهم على جهل بما في داخل العراق، وحتى اصبح كل مواطن عراقي، بل كل مواطن في العالم يتمنى خروج أميركا من العراق بعد كل الفساد الذي تسببت فيه. هذا الرئيس في رأيي لا بد من أن يحاكم، فقد شكلت فترة رئاسته تهديداً للعالم واستقراره وتنميته، وكان الناس يتضامنون مع أميركا، فنفروا منها، وضيع هذا الرئيس على أميركا فرصة عظيمة، لأن العالم كان يتطلع الى العدالة والحرية والأمن والاستقرار من الإدارة الأميركية، فقلب الرئيس بوش الموازين وأفسد هذه العلاقات... وعلى صعيد آخر أساء بوش لأميركا وظلمها قبل ان يظلم الآخرين، وشوه صورتها أيضاً من خلال ما جرى ويجري في سجن غوانتانامو الذي يعتبر وبشهادة عسكريين أميركيين «وصمة عار في جبين أميركا». ومن جانب آخر، قالت مجموعة القادة العسكريين المتقاعدين الذين يزمعون طرح قضيتهم على فريق نقل السلطة الى الرئيس المنتخب: «ان أوباما يجب ان يتخذ إجراء منذ اللحظة التي يتم تنصيبه فيها رئيساً لكي يستعيد صورة الولاياتالمتحدة التي شوهتها مزاعم عن تعذيب أشخاص يشتبه بضلوعهم في أعمال إرهابية». وعليك ايها الرئيس بوش أن تتذكر ان كل الرسالات السماوية الى الأرض تحرم العمل الشائن الذي قامت به هذه القوات والممارسات الظالمة التي فعلتها بأمركم أو بأمر استخباراتكم، أو بأمر وزير دفاعكم السابق «رامسفيلد»، حتى ان مجلس الشيوخ الأميركي (الكونغرس) وجه إليه علناً الاتهامات وفي مقدمها انتهاكات «أبو غريب»، وثبت ان رامسفيلد كان على علم بالانتهاكات في غوانتانامو وكذلك في أفغانستان والعراق، وحتى المرشح الذي خسر جون ماكين انتقد هذه السياسة وقال: «انها انتهاكات ما كنا نتمنى ممارستها، فهي تخالف معاهدة جنيف بكل قوانينها». جنى بوش على أميركا، حتى ان الاحصاءات الأميركية تقول ان 39 مليون شخص من سكان أميركا يعيشون تحت عتبة الفقر، منهم ملايين الأطفال، وآخرون من دون ضمان صحي، وكل ذلك بسبب الإنفاق الخاطئ على قتل الناس وتشريدهم، وكان يمكن توفير هذا المال لرعاية الأميركيين الفقراء وتوفير الضمانات الصحية لهم. من الواجب في رأيي ألا يفلت هذا الرئيس من العدالة، وأن يحاكم محاكمة عادلة ليعرف الجميع أبعاد الكوارث التي ارتكبها، وليكون عبرة لغيره من الرؤساء والزعماء الذين يسيئون استخدام القوة في العالم. وفي ختام حديثي هذا أود أن أشير الى سعادتي بردود الفعل العالمية على هذا الظلم، فلقد استفدت كثيراً من المعلومات التي نشرت والكتب التي ألقت الضوء على هذه المواضيع المهمة، وأتوجه بشكري لأخي الدكتور غازي العريضي على كتابه الذي نشره بعنوان: «إدارة الإرهاب... الآثار الكارثية المدمرة لإدارة بوش في العالم وفي الشرق الأوسط»، فقد استفدت من مقالاته التي كتبها عن هذا الموضوع وضمنها في كتابه، فجزاه الله خيراً وله مني خالص الشكر والتقدير.