تسعى إدارة اوباما أن تلملم فلولها الغازية لتهرب من العراق في نهاية آب/ اغسطس الجاري بأقل الخسائر (وبوجه ابيض) وانسحاب آمن وشفاف، وتشكيل حكومة محاصصة طائفية تسميها (شراكة وطنية) لتقول للعالم إنها انتصرت في الحرب، وحققت الديمقراطية لشعب العراق وخلصته من (الدكتاتورية).
هذا هو حلم اوباما وإدارته في الوقت الحاضر، إلا أن حساب الحقل ليس كحساب البيدر، فالخسائر تزداد يوميا في صفوف جيشه المهزوم والانسحاب لن يكون آمنا بفعل المقاومة العراقية التي ترجم قواعده يوميا بصواريخ الكاتيوشا وتفجر آلياته ودباباته في شوارع العراق، وتقنص جنوده من على أسطح البنايات والمنازل.
أما الانتصار في الحرب فعبر عنه احد أركان إدارته بقوله (أمريكا لم تحقق انتصارا لا الآن ولا في المستقبل في العراق) هذا اعتراف صريح بالهزيمة من داخل إدارته التي تخدع الرأي العالمي بتحقيق انتصارات وهمية في العراق وأفغانستان.
في حين واجهت ديمقراطية بوش - اوباما وضعا مزريا واحتقارا كاملا من قبل شعب العراق، الذي ضرب ديمقراطيتهم بحذاء منتظر الزيدي.
الشيء الوحيد الذي حققه بوش - اوباما، هو تدمير دولة ذات سيادة وقيادة وطنية شرعية، وشعب آمن يرفض الاحتلال ويرفض عملاءه ويحتقرهم، ونصب عليهم حكومات طائفية وعرقية عنصرية بمحاصصة مقيتة تأسست على أسس وضعها (بايدن) في مشروعه سيئ الصيت قبل الاحتلال لتقسيم العراق إلى دويلات طائفية يحكمها أمراء الحرب. يلمعها اوباما الآن بتسميتها حكومة شراكة وطنية.
هذا هو مأزق اوباما الآن في العراق، جعله يستنجد بالمرجع السيستاني لتشكيل الحكومة، وكأنه كمن (يستجير بالرمضاء) بعد أن فشلت كل الزيارات المكوكية والمهاتفات اليومية التي يقوم بها (بايدن ومساعد وزيرة الخارجية ومايك مولن رئيس أركان الجيوش الأمريكية ووفد البيت الأبيض ووفد الكونغرس) .
كل هذه الوفود فشلت في إقناع الموالين لإيران في تشكيل حكومة بسبب قوة النفوذ الإيراني وسطوته على الأحزاب الطائفية المتنفذة في السلطة، بالرغم من أن إدارة اوباما غيرت سفيرها في بغداد ،وغيرت قائد جيوشها دفعة واحدة لفشلهم في تسوية الأوضاع التي تزداد سوءا من الناحية السياسية والأمنية والخدمية .
يقابله حراك سياسي بل صراع سياسي بين الكتل للوصول إلى سدة السلطة والظفر برئاسة الوزراء والوزارات السيادية والمناصب الأخرى على حساب دماء العراقيين ومأساتهم ومحنتهم التي أوجدها الاحتلال وحكوماته العميلة وطوال سنوات الاحتلال.
إن صراع هذه الأحزاب وكتلها قد خلق انعدام الثقة المطلقة من قبل الشعب بهذه الأحزاب، وفقدت مصداقيتها وأظهرت نواياها الحقيقية في الاستئثار بالسلطة، وتحقيق اكبر قدر من المنافع الشخصية والفئوية والحزبية والطائفية.
وقبله فقدان الثقة فيما بينهم، وانعدامها الكامل بين الأحزاب، والكتل الفائزة بالانتخابات جعل من مسألة تشكيل الحكومة أمرا مستحيلا في المدى المنظور، رغم تدخلات إدارة الاحتلال والدول الإقليمية المجاورة للعراق، فتمسك الكتل السياسية بسقوف طلباتهم وشروطها التعجيزية فيما بينها، قد أطلق رصاصة الرحمة على نتائج الانتخابات وعلى العملية السياسية برمتها.
وهذا هو ما زاد الورطة التي تعيشها إدارة اوباما تعقيدا فأخذت ترسل الوفود وتستجدي المراجع كي تنقذها من ورطتها أمام العالم خاصة وقد أعلنت بشكل رسمي انسحابها في نهاية آب/اغسطس المنصرم.
وفي وقت تتصاعد فيه اللهجة الحادة تجاه إيران بسبب برنامجها النووي، ورفضها قرارات الأممالمتحدة ومجلس الامن والعقوبات الدولية، والتي تهدد دول الغرب وأمريكا بالحرب الوشيكة بعد ظهور تصريحات وإشارات مؤكدة بأن (الضربة) قد أزفت .
وتصريح مايكل مولن الأخير بقوله (إن الخطة اكتملت لضرب إيران) هو مؤشر إضافي على انتهاء الاستعدادات الغربيةوالأمريكية معا لضرب إيران وإعلان الحرب على مفاعلاتها النووية.
لذلك أسرع اوباما وإدارته بفبركة عملية الانسحاب العسكري من العراق بعد تشكيل حكومة شراكة وطنية ،تضمن بها مصالحها وتواجدها المستقبلي، وعزز كلامنا هذا تصريح مستشار الرئيس الإيراني (اسفنديار) عندما قال (إن أمريكا لاتستطيع إقرار الامن في العراق وأفغانستان قبل حل قضية المفاعلات النووية الإيرانية) .
إذا هو هروب وانسحاب معا من ورطة اوباما التي وضعه فيها المجرم بوش سلفه في العراق وأفغانستان ويريد التخلص منها حتى لو استنجد بالمرجع السيستاني..
ولكن هيهات له هذا الهروب دون أن يدفع ثمن الدماء العراقية التي اراقتها ادارته وادارة المجرم بوش قبله في غزو غاشم مبني على كذبة سخيفة.
*كاتب اعلامي من العراق جريدة القدس العربي 10/8/2010