علاقات روسيا والناتو في طريق مسدود د. جانا بوريسوفنا تطورات الأزمة الجورجية مع اوسيتيا الجنوبية كشفت عن هشاشة العلاقات بين روسيا الناتو، وقادتها إلى نهايتها المحتومة، والتي تم إخراجها بشكل دبلوماسي تقليدي، عندما سحبت موسكو ممثلها الدائم لدى قيادة حلف شمال الأطلسي ديميتري راجوزين، بعد أن قررت إيقاف كافة الأنشطة المشتركة مع الحلف، وتجميد مجلس روسيا الناتو. ولن نأخذ الأمور بفزع أو قلق..
أو برؤية تراجيدية، لأنها النهاية الطبيعية بين روسيا وبين الحلف الذي تأسس في منتصف القرن الماضي ضد روسيا، وبعد أن ابتلع كل حلفاء روسيا، كان لابد أن يترهل ويتضخم لدرجة فقدان السيطرة.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حرصت القيادة الروسية على اختلاف ألوانها وتوجهاتها السياسية على إقامة علاقات طبيعية مع الغرب ومؤسساته، وخاصة مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وأصبحت هذه العلاقات تعبر عن حاجة ملحة مع تنامي مخاطر الإرهاب وتحديات العصر، خاصة أن موسكو كانت تنطلق في حرصها على تطوير صلاتها من أن أسباب العداء لروسيا قد زالت وانتهت بانحياز الاتحاد السوفييتي، وتبني روسيا طريق التطور الرأسمالي وعلاقات الاقتصاد الحر، ما يعني أن أسباب العداء الأوروبي لروسيا والتي كانت تتمثل في اختلاف النظامين قد انتهت.
ولكن تطور الأحداث والمواقف كشف عن أن العداء لم يكن عقائديا، أو بسبب اختلاف وتعارض النظامين الاقتصاديين، وإنما أسس الغرب حلف الناتو ضد الشرق بصرف النظر عن نوعية أنظمة الحكم في بلاد الشرق، بل وبصرف النظر عن ما إذا كانت تشكل خطورة على الدول الغربية، لأن الهدف الحقيقي كان فرض الهيمنة الغربية على ثروات بلدان وسط آسيا والقوقاز لحساب الاحتكارات الغربية، ما يفسر استمرار عداء الناتو لروسيا.
بالرغم من تسليم القيادة الروسية والتزامها بمبادئ الاقتصاد الحر والديمقراطية الغربية، ويعني ذلك أن الشعارات البراقة التي يروج لها القادة الغربيون عن حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست أكثر من عبارات رنانة فارغة تستخدم لحساب الشركات الاحتكارية ولزيادة أرباحها.
وما كشف عن الخديعة ليس فقط موقف الغرب من الملف الجورجي، ودعمه لحكومة ساكاشفيلى المتهمة من جانب مجلس أوروبا بانتهاك حقوق الإنسان والديمقراطية، وإنما أيضا حملات الغزو الدموية التي قامت بها القوات الأميركية في العراق، والحرب التي شنتها إسرائيل ضد لبنان تحت غطاء أميركي أوروبي.
لم تحصل روسيا من الناتو سوى على الضربات الموجعة، ولم يتعلم الناتو احترام مصالح وحقوق الآخرين بالرغم من الردود الروسية القاسية، ففي عام 1999 قطعت موسكو علاقاتها مع الحلف وطردت ممثليه من روسيا بعد أن قامت طائرات شمال الأطلسي بقصف العاصمة الصربية بلجراد.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، رأت روسيا أن الأولوية لمواجهة مخاطر الإرهاب وصيانة الأمن الدولي، وأعادت العلاقات، وواصلت التعاون، ليواصل الناتو سياساته المعادية لروسيا، بالتوسع شرقا وضم بعض دول أوروبا الشرقية في عام 2002.
بالرغم من اعتراض موسكو على هذا التوجه، بل وتتجاهل أوروبا وأعضاء حلف شمال الأطلسي معاهدة تقليص الأسلحة التقليدية ولا تصادق عليها، وتمعن في الإخلال بالتوازن الإستراتيجي بينها وبين روسيا، وتطالب موسكو بالالتزام بالمعاهدة وعدم نشر قواتها في إقليم كالنينينجراد.
في نفس الوقت تبدي تجاوبا مع المشروع الأميركي بنشر الدرع الصاروخية التي تهدد أمن روسيا القومي بشكل مباشر، بعد كل هذه الخطوات كان لابد لموسكو أن تفكر بشكل جاد..ما هي الفوائد التي تجنيها من التعاون الوهمي مع حلف شمال الأطلسي؟ هل حلف الناتو من الأصدقاء أم من الأعداء؟
ويبدو واضحا أن هذا الحلف الذي توسع والتهم دول أوروبا الشرقية ويسعى لضم دول الفراغ السوفييتي، أصبح لديه أزمة قيادة، ولم يعد قادرا على اتخاذ قرار موحد، بل انه لم يعد بإمكانه حتى حماية مصالح أوروبا. عن صحيفة البيان الاماراتية 27/8/2008