مصر دولة متقدمة عام2020 د. عبد المنعم سعيد علي عكس كثيرين شعرت بسعادة بالغة عندما قرأت تصريحات الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء عن توقعه أن تصبح مصر بلدا متقدما مع حلول عام2020, فقد كانت هذه التصريحات الأولي من نوعها التي تتحدث عن المستقبل وتتجاوز ماكان تقليدا لرؤساء الوزراء في الحديث المستمر عن مشكلات الحاضر والغلاء والبطالة في مقدمتها دون نظرة تتجاوز مكان القدم إلي آفاق أزمان مقبلة,وفيما عدا الوثيقة التي صدرت في عهد الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء عن مصر عام2017, فإن رؤساء الوزارة والوزراء والساسة المصريين تجنبوا دوما الاقتراب من هذه القضية. وبشكل مابدا الحديث عن المستقبل نوعا من الخيال المستحيل, والهروب من الحاضر بكل مافيه من أوجاع ومآس, وتضليلا للجماهير بأحلام لاتساعدها علي الخروج من كوابيس الواقع. ومن ناحية أخري شعرت بخيبة أمل كبيرة في كل الذين هاجموا التصريح, وسخروا منه بكلمات خارجة أحيانا, واستشهدوا عليه بالأوضاع غير السعيدة الراهنة أحيانا أخري, ولكن كان أقسي ما في النقد هو سيادة تلك الروح اليائسة التي تري أن التخلف بات قدرا علي مصر لاتستطيع الفكاك أو الخروج منه حتي بات الأمر وكأنه حالة من الخصوصية المصرية التي تسير مجراها كالقدر المحتوم والقضاء النافذ, ومن الغريب أن كل من شاركوا في النقد, أو في الهجوم,لم يطرحوا أبدا أسبابا في الواقع المصري تمنع مثل هذا التحول في الحالة المصرية من التخلف إلي التقدم إلا الشك في كلمات الحكومة ونياتها. وفي الحقيقة أنني اعتقد أولا: ان هدف الوصول إلي التقدم ينبغي ان يكون هو الهدف المصري الأسمي الذي تلتقي عنده كل القوي السياسية والاقتصادية والفكرية في مصر, وثانيا: أن الوصول إلي هذا الهدف هو الذي سوف يحل مشكلات مصر المستعصية والمعروفة لنا جميعا مهما كانت حدتها وبشاعتها الحالية,وثالثا: أن تحقيق هذا الهدف ممكن, ليس فقط لأن هناك دولا سبقتنا علي نفس الطريق, وإنما لأن هناك في الواقع مايشير إلي إن هذا الانجاز ليس من المستحيلات. ورابعا: انما لم يتم تحقيق هذا الهدف فإن مصر سوف تكون مهددة بالرجوع إلي الخلف نتيجة وجود قوي بيننا تسعي باستخدام السلاح مرة والدين مرة أخري من أجل شدنا إلي الوراء,ولمن لايصدق فما عليه إلا أن يقرأ جيدا البرنامج الذي طرحته جماعة الاخوان المسلمين أخيرا والذي يريد صراحة تدمير الدولة المصرية المدنية المعاصرة ووضعها في زمرة دول متخلفة مثل ايران التي يحكمها ولاية فقيه واحد, مع فارق بسيط ان الحالة في مصر سوف يحكمها ولاية الفقهاء. علي أي الأحوال فإن ما جاء في البرنامج المذكور ليس هو موضوعنا, ولكن حسبنا هنا التأكيد علي أن مصر ما لم تذهب الي الأمام فسوف تعود إلي الخلف, وسبب ذلك ان المسيرة المصرية في العموم قد باتت شبيهة بعربة تتقدم ببطء علي طريق يصعد الي أعلي, وما لم يكون لديها القدرة والطاقة والقوة علي استمرار الصعود فإنها علي الأغلب سوف تبدأ في الانحدار إلي الوراء أو تنقلب رأسا علي عقب إذا ما عجز السائق عن استخدام كوابح الحركة بذكاء. وتصل العربة إلي مقصدها في التقدم عندما تصل العربة إلي حالة لاتصبح فيها حالات الصعود والهبوط هي الحاكمة في الحركة وانما ارادة القيادة وقدرتها علي التصحيح الدائم للمسار. وتلك هي الحالة تحديدا التي نسميها التقدم فالتقدم لايعني غياب المشكلات, فالدول المتقدمة لديها مشكلات للغلاء والبطالة هي الأخري, ولكن الدول المتقدمة تصبح هي الدول التي يوجد لديها القدرة علي التنمية المستمرة التي تولد نفسها بنفسها,وقد ترتفع مستويات النمو أو تنخفض ولكن المجتمع ينمو دائما ولايتراجع إلي الخلف, ومن ناحية أخري فإن التقدم له جوانب فكرية وثقافية وسياسية, حيث يسود الاعتدال بشكل عام وتعتقد قوي المجتمع في فضيلة السياسة, ويختفي من النظام السياسي كل ماله علاقة بالاجراءات الاستثنائية. والوصول لهذه الحالة ليس عملية سهلة, وفي مقال قرأته لكاتب من كوريا الجنوبية أشار فيه الي ان الكوريين حققوا من المؤشرات الصناعية والتقنية والتجارية والاقتصادية مايجعلهم من كبريات الدول الغنية, ولكن ذلك لايجعلهم دولة متقدمة لأن الآباء لايزالون يقدمون الهدايا للمدرسين من أجل الاعتناء بأولادهم علي حساب الأطفال الآخرين, ولأن الجامعات الكورية ليس لديها الاستقلال الذي تتمتع به جامعات هارفارد وأكسفورد ولأن الشركات الكورية لديها ميول حادة للاحتكار ومقاومة المنافسة. وإذا كان يمكن فهم التقدم من ذلك فهو أنه حالة تشتمل علي مراتب تتحرك فيها الدول بين واحدة وأخري, ولكن لايوجد اختلاف بين كل الباحثين علي ان التقدم الاقتصادي يشكل مفتاح التقدم في المجالات الأخري حتي ولو كانت هذه المجالات أكثر صعوبة ومقاومة للتغيير, ومن المرجح أن ذلك هو ما كان يقصده رئيس مجلس الوزراء من تصريحه أن تصل مصر إلي أول المراتب في عام.2020 ومن الجائز أن اختيار التوقيت لم يكن عفويا فإذا كان هناك من دروس مستفادة من التجربة التنموية للدول النامية الصاعدة عالميا في آسيا وأوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية فهي ان الفترة التي تحتاجها الدول لمضاعفة الدخل المحلي الإجمالي قد أصبحت أكثر قصرا خلال العقود الأخيرة, وبعد أن كان الأمر يحتاج بضعة قرون في الأزمنة البعيدة, فإن بريطانيا احتاجت قرنا كاملا لكي تحقق هذه النتيجة في القرن الثامن عشر, أما الولاياتالمتحدة فاحتاجت نصف قرن لكي تحقق هذه النتيجة في القرن التاسع عشر, وفي القرن العشرين أخذت هذه المدة في التراجع حتي باتت عقدا واحدا, ومع مطلع القرن الحادي والعشرين أصبحت خمس سنوات فترة كافية لتحقيق هذا الهدف, وبات متوقعا أنه خلال العقدين القادمين سوف تصل هذه المدة إلي ثلاث سنوات فقط. وبدون الدخول في كثير من التفاصيل فإن تجارب أسبانيا والبرتغال في أوروبا الغربية, والنمور والفهود الآسيوية, وغيرها من التجارب في أوروبا الشرقية, كلها أفضت بأن الدولة التي تحقق معدلات للنمو قدرها7% أو أكثر علي مدي خمسة عشر عاما متوالية فإن هذه الدولة تكون قد دخلت إلي المرحلة المتقدمة التي يصبح فيها النمو مستداما وفي هذه المرحلة يكون متوسط دخل الفرد مقوما بالقدرة الشرائية للدولار قد وصل إلي10 آلاف دولار في العام, وعمره المتوقع عند الميلاد يتعدي خمسة وسبعين عاما, وتختفي الأمية تماما من البلاد, ولاتصبح البلد واقعة تحت أي من الاجراءات الاستثنائية مثل قوانين الطوارئ والمحاكم الأمنية والعسكرية. الوصول إلي مثل هذه الحالة في مصر ممكن بعد أن وصل معدل النمو الي7.1% في العام الماضي, والاستثمارات المخصصة بالفعل استنادا إلي موارد متوقعة في الخطة الخمسية الراهنة حسب ماجاء في تصريحات الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية هي1295 مليار جنيه, بزيادة قدرها40% عن الخطة السابقة وفي عام2007/2006 بلغ حجم الاستثمارات162 مليار جنيه بزيادة قدرها52% عن العام السابق, وبقية المعلومات منشورة في أهرام الأربعاء الماضي وكلها تؤكد ان تحقيق الهدف الاقتصادي علي الأقل ليس بعيد المنال, بل إن هناك في الواقع الفعلي مايبشر به ويشير إليه. ولكن القضية المصرية الرئيسية تبقي هي الحفاظ علي هذه المعدلات بل وزيادتها, فنسبة7% هي الحد الأدني لتحقيق ماسبق, ولكن الثابت أن الدول الأخري كانت تتحرك في معدلات للنمو بين13,7% أحياناولايمكن تحقيق هذه النسب المرتفعة ما لم نحافظ علي معدلات مرتفعة للاستثمار المحلي والأجنبي وما لم نرفع معدلات الادخار القومية عن معدلاتها المتواضعة الحالية. ولحسن الحظ أن هناك بشائر قوية خاصة من جانب القطاع الخاص المصري الذي استثمر100 مليار جنيه أو نحو62% من إجمالي الاستثمارات في العام الماضي, أما الاستثمارات الأجنبية فقد قفزت قفزة غير مسبوقة من نحو6.1 في العام2006/2005 مليار دولار إلي11.1 في العام2007/2006 وبعد أن كانت تقل عن نصف مليار قبل سنوات قليلة. ولحسن الحظ أيضا أنه رغم عدم وجود تحسن ملموس حتي الآن في معدلات الادخار القومية فإن الإصلاح الجاري الآن في قطاعي البنوك وشركات التأمين يمكنه أن يكون أداة لرفع هذه المعدلات الادخارية إلي مستويات جديدة, وربما كان قطاع البنوك هو المستحوذ علي الانتباه الإعلامي, وبالفعل فإن خصخصة البنوك أخذت القسط الأعظم من التفاعلات السياسية, ولكن القضية الأهم تظل هي قدرة هذه البنوك علي تعبئة المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار وهو ماستكشف عنه السنوات القادمة. ولكن أهم مايجري الآن فهو عملية التحديث الشاملة لقطاع التأمين في مصر بحيث ينتقل من مستوياته المتدنية الحالية إلي مستويات مرتفعة تماثل علي الأقل مايجري في دول أخري قريبة مثل تركيا أو بعيدة مثل الصين. هذا الموضوع سوف يحتاج إلي زيارة أخري, ولكن المؤكد ان هناك مايكفي لكي تصل مصر إلي أولي عتبات التقدم كما حددناها في عام2020 وفي هذا فليتنافس المتنافسون! عن صحيفة الاهرام المصرية 24/9/2007