يوم قال العقيد للصحافي العراقي : سوف أخرسك الى الأبد
* هيفاء زنكنة
هيفاء زنكنة أصدرت منظمة 'مراسلون بلا حدود' بيانا، يوم السادس من الشهر الحالي، لفتت فيه الأنظار إلى تعرض الصحافي شوان أحمد إلى التهديد بالموت.
وهي ذات المنظمة التي حذرت من اغتيال الصحافي سردشت عثمان الذي عثر على جثته، بعد ستة أيام من اختطافه، في أيار/مايو 2010.
تقول المنظمة أن شوان احمد، وهو صحافي وكاتب مستقل يقيم في مدينة السليمانية، تلقى تهديدا بالقتل لانه كتب مقالين نشرا في الأسبوعية المستقلة 'أوين' في يومي 8 و15 من حزيران/يونيو 2010 'عن الفساد في دار سردم للطباعة والنشر التي تأسست في عام 1998 من قبل مؤيدي الاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة جلال طالباني).
وصف أحمد في مقالتيه طريقة العمل في سردم بأنها شبكة واسعة من الفساد والمحسوبية والاختلاس. ويذكر شوان في مقالتيه شخصيات بارزة وأعضاء مهمين في الشركة من بينهم كتاب وشعراء وروائيين ومترجمين وغيرهم من المثقفين الكرد. وقد كتب شيركو بيكس، الشاعر المعروف والرئيس التنفيدي لسردم، نافيا كل ادعاءات أحمد'.
وذكر أحمد بأنه ' تلقى مكالمة هاتفية، مساء يوم 5 تموز/ يوليو، هدده فيها آري رءوف وهو عقيد في قوات الأمن الوطني الكردستاني، ونجل أحد الأشخاص الذين ذكرهم في مقالته.
حيث قال رؤوف: 'شوان، سأقتلك. سنرد بمدافعنا، وليس بالحبر. احترس، لقد تم تحذيرك. سأرميك بالرصاص ذات يوم. وسيكون في جسدك من الرصاص ما يمزقه الى قطع. لست نكرة. انا بيشمركة قديم. سوف أخرسك الى الابد'.
حينئذ اتصل أحمد برئاسة الشرطة في مدينة السليمانية طلبا للحماية. وقال أحمد لمراسلون بلا حدود. ' لقد كتبت عن الفساد في هذين المقالين استنادا الى تقريرين أصدرهما مجلس الرقابة في منطقة كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي في العراق وغيرها من الوثائق العامة حول الفساد داخل دار النشر.
الكل يعلم عن ذلك. ومن واجبي كصحافي حر ان اكتب عن مثل هذه الأمور. إذا لم نفعل ذلك، فهذا يعني أننا نوافق على النظام ونحن أنفسنا فاسدون'.
أن قائمة شهداء الصحافة في العراق طويلة. فالصحافي المستقل مستهدف مرتين. مرة لأنه مواطن في بلد بلا دولة وقانون، ومرة لأنه يمارس مهنة تضع الإصبع على مصادر الألم في بطن المجتمع.
وهذه مسألة لا تسر الكثيرين ممن يريدون بقاء المجتمع مريضا، ذليلا، خاضعا للاستغلال الاقتصادي والسياسي، بلا مساءلة.
لقد قلت ان الصحافي مستهدف لأنه مواطن في بلد بلا دولة وقانون ولم أقل في بلد محتل بلا سيادة فضلا عن انعدام الدولة والقانون، لأن الصحافيين الذين أشير إليهم هنا، بشكل خاص، هم من العراقيين الكرد.
من اقليم كردستان، الذي يتمتع بالهدوء والاستقرار مقارنة مع بقية ارجاء العراق، منذ ان منح الحماية الأمريكية - البريطانية، في بداية التسعينيات من القرن الماضي، واستمر نتيجة الترحيب بقوات الاحتلال منذ عام 2003.
وكان الكاتب الكردي د. فريدون حلمي، بعد تجربة شخصية مريرة في حكومة الإقليم في التسعينيات، وزيارة توثيقية له بعد الاحتلال، قد حذر في كتاباته وفي قرص رقمي مصور أنتجه، من ان العراق كله قد يصبح نسخة أكبر للإقليم إذا لم يأخذ العراقيون أمورهم من أيادي السياسيين الفاسدين.
فالاستقرار الذي قد يبدو صالحا، على السطح، كي يكون نموذجا لتطبيق حرية التعبير والرأي في بقية إرجاء العراق وربما، كما نسمع من ساسة الإقليم، للشرق الأوسط كله، لاعلاقة له بما يجري في الواقع، باستثناء شجاعة الصحافيين أنفسهم واستعدادهم للتضحية بحياتهم دفاعا عن حقهم في ممارسة مهنتهم بشكل مستقل.
واذا ما كان إرهاب الاحتلال وإفرازاته من ساسة وميليشيات هو عدو الصحافي الاول الظاهر للعيان خارج اقليم كردستان، فان ما يسود في الإقليم عدو من نوع آخر، تجذر ونما مع تصاعد نفود وسلطة الحزبين الحاكمين، واقتسامهما كل ماهو موجود في الإقليم.
ويجري هذا الاقتسام وفق محاصصة اقتصادية 'كمبرادورية' حسب تعبير امريكا اللاتينية، أي وكيلة للشركات الأجنبية وغير مبنية على الانتاج الصناعي والزراعي والخدمي، بل تعتمد على تصدير النفط والمواد الأولية.
وقد تسربت هذه المحاصصة الطفيلية، تدريجيا، الى بنية المجتمع لتفكك لحمته. وتشكل هذه المحاصصة التي تشمل الأرض والبشر، خطرا حقيقيا يدركه الصحافي المستقل.
خاصة، مع ازدياد تذمر الناس من الفساد والتحكم برقابهم عبر الاستغلال المادي والمطالبة بالانتماء أواثبات الولاء اما للحزب الديمقراطي (بقيادة مسعود البرزاني) أو الاتحاد الوطني ( بقيادة جلال الطالباني) اذا ما ارادوا الحصول على لقمة العيش او التعيين او الترقي الوظيفي، فضلا عن الحصول على العقود والمناصب.
وهو ما ساهم في نهوض تيار التغيير الذي خرج من الحزب الأخير، وأثبت وجوده بقوة في السليمانية كما في المحافظات القريبة.
ومثل كل النظم الاستبدادية، لا تحب إدارة إقليم كردستان النقد او إثارة الانتباه الى نقائصها او الإشارة الى الفساد، مهما كانت درجته، في ظلها. انها، مثل كل النظم الاستبدادية، لا تحب غير سماع اغاني تمجيدها.
وهي، مثل كل النظم الاستبدادية في المنطقة، في ورطة كبيرة. فمن جهة أنها تستند في وجودها على العائلة والعشيرة ووراثة المنصب على مستوى الأحزاب والحكومة، ومن جهة أخرى، انها مطالبة، بحكم تبعيتها السياسية للولايات المتحدة وإرضاء للمجتمع الدولي ان تظهر بانها ديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان.
من هنا، جاء تقبلها لبعض الانتقادات الناعمة المحدودة الانتشار، غير المضرة بمصالحها، خارج نطاق نفوذها الإعلامي الواسع.
وهي تعمل بجد لتجنيد فئات من الكتاب والمثقفين والتكنوقراط أوتحييدهم في أعمال مرتبطة بمؤسساتهم، وفي الوقت نفسه، على استخدام كل السبل الممكنة لإسكات أصوات الصحافيين النقدية المطالبة بإجراء التحقيقات جراء العلل التي تعاني منها إدارة الإقليم.
وتنتقد تقارير المنظمات الدولية المعنية بحماية الصحافيين سلطات إقليم كردستان العراق بحدة لسجلها في التعامل مع حرية الصحافة والانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون التي تتراوح ما بين التصفية الجسدية والتهديد بها مرورا بالضرب والاعتداء الجسدي والحرمان من العمل فضلا عن رفع الدعاوى القضائية.
وكان الاتحاد الدولي للصحافيين قد أصدر بيانا في الثامن عشر من شهر أيار/مايو الماضي، حذر فيه من 'تزايد موجة العنف ضد الصحافيين في العراق مرة أخرى'.
وكانت منظمة 'مراسلون بلا حدود' قد أصدرت تقريرا بتاريخ 16 شباط/فبراير الماضي، بعنوان 'استمرار استهداف الصحافيين المستقلين في كردستان العراق'، لخصت فيه بعض ملامح وضع الصحافة وبالأمثلة الموثقة (لا يتسع المجال لذكرها كلها) حول ازدياد ' الاعتداءات المرتكبة ضد الصحافيين المستقلين وصحافيي المعارضة'.
ويظهر التقرير ان أسباب الاعتداء على الصحافيين هي نتيجة ممارستهم عملهم، أو اذا كانوا يمثلون جهة سياسية مغايرة للجهة التي يكتبون عنها او يصورونها.
وتقوم السلطات برفع الدعاوى القضائية ضد الأصوات المستقلة والتي تنتهي بفوزها بحكم نفوذها وإمكانياتها مما يؤدي، بالنتيجة، اما إلى تخلي الصحافي المسكين عن مهنته او تعطيل الصحيفة لعجزها عن دفع الغرامات الفادحة المفروضة او إجبار الصحيفة على تغيير مسارها النقدي بعد بذر الرقابة الذاتية في نفوس صحافييها.
فقد قام برهم صالح ' رئيس وزراء كردستان العراق'، في فبراير/ شباط الماضي، برفع شكوى ضد الصحافي ربوار كريم والي، لكتابته مقالة في الأسبوعية المستقلة أوين (المرآة) في كانون الثاني الماضي.
وتقدّم بشكوى، أيضا، ضد شوان محمد، رئيس تحرير الأسبوعية، لنشره المقالة التي ' تندد بتمضية رئيس الوزراء الوقت في تلبية الدعوات في مطاعم فخمة في المدينة أكثر من العمل في مكتبه لحل مشاكل المواطنين'.
وقد كشفت نقابة الصحافيين في إقليم كردستان العراق، في الآونة الأخيرة، عن ارتفاع حالات الانتهاك التي تعرض لها الصحافيون في الإقليم، خلال النصف الأول من العام الحالي إلى 87 انتهاكاً مقارنة ب 50 انتهاكاً للفترة نفسها من العام الماضي.
وقد لخص الكاتب أسو جبار جوهر مأساة الصحافيين والكتاب في الإقليم حين قال لمراسلون بلا حدود :' ان السلطات الكردية تُظهر، بأعمال القمع هذه، أسوأ وجوهها. ذلك أن الديمقراطيات الفعلية لا تقمع شعبها لممارسته حق حرية التعبير'.