متاعب أفغانستان مايكل كلينمان في الأسبوع الماضي، قتلت " طالبان " ثلاثة عمال إغائة وسائقهم في إقليم لوجار بأفغانستان، جنوبي كابول. وحقيقة أن عمال الإغاثة كانوا ثلاثة يحاولون مساعدة الأطغال الأفغان المُعاقين كانت أعمالهم من منظور " طالبان " غير ذات صلة. وفي بيان صدر بُعيد الهجوم، قالت "طالبان"، :" نحن لا نقيم مشاريعهم الإغاثية، ونحن لا نعتقد أنهم يعملون لصالح تقدم أفغانستان". وهذا لم يكن حدثا معزولا. فحول العالم، يتم استهداف عمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية كما لم يتم استهدافهم من قبل. وهذا، بدوره، يجبر وكالات الإغاثة على إعادة تقييم كيفية إيصالها للمساعدات، وفي بعض الحالات، يجبرها على التراجع والانسحاب، مع وجود عواقب مدمرة على ملايين البشر الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. وتأثير الهجوم الأخير يشعر به بالفعل في أفغانستان. وعندما كنتُ أعمل هناك في عامي 2004 و2005، كان إقليم لوجار يُعتبر آمنآ نسبيا. والآن، يصبح منطقةً لا يمكن الذهاب إليها. فقد قيدت وكالات الإغاثة تحركات العاملين فيها في المنطقة التي قُتل فيها العمال الأربعة، وبعض الوكالات تفكر في تعليق عملياتها في الإقليم بالكامل. إن توفير المساعدات في أماكن مثل أفغانستان كان دائما أمرا خطيرا، غير أن هذه المخاطرة كانت تخففها وتلطفها عادةً حقيقة أن عمال الإغاثة نادرا ما كانوا أهدافا مباشرة. لقد عمل عمال المساعدات الإنسانية عن كثب مع المجتمعات، وعززوا القبول والثقة اللازمينِ لضمان حمايتهم. وأقامت وكالات الإغاثة أمنها على فرضية أنها ما دامت محايدةً، فإن أحدا لن يراها على أنها تهديد. وفي كثير من الصراعات، لم تعد هذه الفرضية صحيحة. فمنذ شهر يناير الماضي، قُتل 23 عامل إغاثة في أفغانستان، و20 عامل إغاثة في الصومال و10 عمال إغاثة في دارفور. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، قُتل عمال إغاثة أيضا في جمهورية أفريقيا الوسطى والعراق ولبنان وجنوب السودان وسريلانكا. وإجمالا، فإن الهجمات ضد عمال الإغاثة تضاعفت تقريبا بين عام 1997 وعام 2005. وكانت الأغلبية الكبيرة من الضحايا من بين العمال الوطنيين الذين يعملون في بلدانهم. وأحد أسباب الزيادة في قتل عمال الإغاثة له صلة بطبيعة كثير من الصراعات الانقسامية منذ نهاية الحرب الباردة. وفي أماكن مثل أفغانستان، وإقليم دارفور بالسودان، والصومال، هناك مجموعة مذهلة من أمراء الحرب والجماعات المسلحة، كما أن القبول المجتمعي ليس بضمانة أمنية كبيرة إذا سيطر رجال العصابات على الطرق المحيطة. كانت هناك أيضا زيادة في الهجمات ذات الدوافع السياسية. فكثير من الجماعات المتمردة والمسلحة لم تعد ترى عمال المساعدات الإنسانية على أنهم محايدون أو مستقلون. كما انتقدت وكالات الإغاثة لوقت طويل القوات الغربية في أفغانستان والعراق على القيام بمشاريع تنموية صغيرة، و" تعتيم الفرق " بين اللاعبين العسكريين واللاعبين الإنسانيين. على أن المشكلة أعمق بكثير وأوسع انتشارا. فكثير من وكالات الإغاثة الغربية لديها أجندات، مثل دعم حقوق النساء، وضعتها مباشرةً في خلافٍ مع المسلحين الذين تحركهم دوافع دينية مثل مقاتلي " طالبان". ليس هناك إنكار أيضا لأثر العراق. فالهجمات ضد عمال المساعدات الإنسانية هناك بددت أيا ما تبقى من المحاذير ضد مثل تلك الأعمال وفعلت ذلك بطريقة أسرت اهتمام وسائل الإعلام. وفي الوقت الذي تواصل فيه وكالات المساعدات الإنسانية إعادة تقييم كيفية توفيرها المساعدة في الصراعات الخطيرة، قدم العراق إلماحة ممكنة للمستقبل. وأجبر انعدام الأمن معظم وكالات الإغاثة هناك على المغادرة. ولكن بدلا من ذلك، تحاول الآن أن توفر خدمات من خلال البرمجة عن بعد، وتضع مشروعاتٍ في حيز التنفيذ من خلال شركاء محليين. على أن هذا الاتجاه يجنح إلى كونه أقل كفاءة كما يزيد أيضا إمكانية الفساد. والمنظمات التي بقيت تبنت إجراءات احترازية: فبعضها قيدت على نحو دراماتيكي المدى الذي يمكن للعاملين فيها أن يسافروا وينتقلوا إليه، أو حتى يغادروا مجمعاتهم، مما يجعل من الصعب إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية بفعالية وكفاءة. وتشاركت وكالات أخرى مع الجيش للحماية، وهو اتجاه تم انتقاده داخل مجتمع المساعدات الإنسانية على زيادة التآكل بين وكالات الإغاثة والجيش. إن الرهانات كبيرة. وفي الكثير من الصراعات، يمكن أن تكون المساعدة الإنسانية هي الفرق بين الحياة والموت. وفي أفغانستان، على سبيل المثال، يكافح 45 % من السكان لإيجاد ما يكفي من الطعام ليأكلوه، بينما يموت واحد من بين كل 5 أطفال قبل سن الخامسة. ويواجه عمال الإغاثة، على نحو متزايد، خيارا صعبا جدا بين سلامتهم الخاصة والإحساس بالالتزام نحو أولئك الأكثر حاجةً وعوزا. نشر في صحف " لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست " ونقلته صحيفة " الوطن العمانية " 25/8/2008