افغانستان في قائمة المصير الغامض فايز سارة في آخر الالتفاتات الدولية للوضع في افغانستان، أعلن رئيس وفد اللجنة الدولية للصليب الأحمر ريتو ستوكر، أن النزاع في أفغانستان يتوسع ليشمل أكثر من نصف أفغانستان حيث أصبحت مناطق بكاملها عمليا خارج نطاق المساعدات الإنسانية، وأن مناطق جديدة ستصبح خارج قدرة ممثلي المنظمات الإنسانية على زيارتها وتقديم المساعدة لسكانها. ويعكس هذا التصريح حيزاً من الواقع المتردي للحياة في افغانستان بعد ست سنوات على الحرب هناك والتي بدأتها الولاياتالمتحدة في العام 2001 لاطاحة نظام طالبان، وتخليص الافغان منه ومن المآسي التي خلفها هناك في المجالات السياسية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية. وبخلاف ما كانت الولاياتالمتحدة قد أعلنته من رغبة في بناء افغانستان جديدة، وكررت دول تحالف "ايساف" رغبتها في تحقيقه، فقد تدهورت الاوضاع في افغانستان في المستويات كافة، وبدل ان تتجه افغانستان نحو مستقبل محدد ولو متواضع، أخذت تمضي باتجاه المجهول، حيث لايستطيع احد، ان يتنبأ بالمستقبل الذي تتجه اليه افغانستان في ظل الواقع السياسي/الامني، والاقتصادي/الاجتماعي القائم، وما يمضي اليه من ترديات متزايدة. لقد تزايد ضعف حكومة قرضاي وسلطته من الناحية السياسية، لصالح زيادة نفوذ معارضيه ولا سيما حركة طالبان، التي استعادت كثير من نفوذها الذي خسرته بعد اطاحة نظامها على يد القوات الاميركية، وترافق هذا التحول السياسي مع زيادة الحضور العسكري للحركة ولاسيما بعد هجوم الربيع المتواصل منذ عدة اشهر مستهدفاً مناطق رئيسية تتواجد فيها قوات الحكومة الافغانية وقوات ايساف الدولية، مما وسع حجم الخسائر التي شهدتها افغانستان بين مختلف الاطراف مقارنة بما حملته السنوات الماضية من خسائر بشرية، وحسب الاحصائيات، فإن حجم الخسائر في صفوف المدنيين بلغ نحو خمسة آلاف شخص قتلوا في أعمال العنف التي شهدتها افغانستان منذ بداية العام الحالي، وكان الابرز في أعمال العنف زيادة العمليات الانتحارية، وهذا ما اثبتته دراسة نشرتها بعثة الاممالمتحدة لمساعدة افغانستان بالقول، إن العمليات الانتحارية في أفغانستان سجلت زيادة ملحوظة مقارنة بما كانت عليه إعدادها في السنوات الماضية، وقالت الدراسة: إن ذلك عكس تطوراً في استراتيجية طالبان في حربها ضد قوات الحكومة وقوات ايساف، وأشارت الى ان القائمين بهذه العمليات من الباكستانيين والافغان ومعظمهم "من الشباب الاميين الذين غالبا ما يكونون تخرجوا من المدارس القرآنية في باكستان في الجانب الاخر من الحدود". ولم يتصاعد عدد القتلى فقط، بل عدد الذين تعتقلهم الحكومة الأفغانية، حيث ارتفع العدد الى اثني عشر الفاً مقابل خمسة آلاف قبل عامين. واضافة الى تردي الاوضاع السياسية الامنية، وتوسع أعمال العنف، فإن من تعبيرات تدهور الوضع الافغاني وسيره باتجاه المجهول، استمرار تردي الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية والمعاشية للافغان. فأفغانستان على فقرها، والحكومة نتيجة عوامل متعددة ومعقدة ولا سيما الاوضاع الامنية والسياسية عاجزة عن وضع وتنفيذ خطط للتنمية الاقتصادية، وحركة طالبان ابعد ماتكون سعياً وراء تحسين حياة الافغان حتى في مناطق تواجدها، الامر الذي يجعل الفقر والبطالة ابرز ملامح الصورة ، مما يجعل تدهور اوضاع الشباب والنساء محصلة طبيعية ومتناغمة مع التدهور في المجالات الاخرى، والتي تدفع بملايين الافغان للهجرة الى دول الجوار ولاسيما باكستان في الشرق وايران في الغرب، وقد وصل عدد المهاجرين الافغان في الآونة الاخيرة الى ثلاثة ملايين مهاجر، تعيش أغلبيتهم في ظروف شديدة القسوة. وبمواجهة الظروف الصعبة، يلجأ الافغان الى زراعة الافيون رغم عدم شرعيتها، وقد أعلن مكتب الاممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في تقريره السنوي الذي نشر في كابول، ان "انتاج الافيون بلغ مستويات قياسية" في افغانستان. اذ زاد انتاجه بمقدار الثلث في العام 2007، وهو يتركز في منطقة الجنوب غير المستقرة" حيث تتواجد طالبان ويبرز نفوذها، ويعتبر تنامي زراعة الافيون نقطة تقاطع غير معلنة في مواقف حركة طالبان وخصومها، حيث تشجع طالبان الفلاحين على زراعة الافيون بغية الحصول على مساعدات منهم لتمويل أعمالها، فيما تسكت الحكومة وقوات ايساف عن تلك الزراعة في محاولة لكسب تعاطف الفلاحين. وواقع افغانستان بما فيه من ترديات وانسداد في الافاق السياسية مرفقاً بما لحق الافغان من هجرة وفقر وتردي في اوضاعهم، يجعل افغانستان تسير نحو مصير غامض من الصعب تصور ملامحه. عن صحيفة الوطن العمانية 20/9/2007