مع استقالة أولمرت: أين تتجه البوصلة الإسرائيلية؟ د. أسعد عبد الرحمن قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت التخلي عن السلطة وعدم خوض الانتخابات القريبة لزعامة حزبه كاديما، فتح باب التكهنات واسعا حول مستقبل عملية السلام/ التسوية و المفاوضات المتعثرة. وفي ظل البديل المنتظر لأولمرت، سواء كان أحد وزيري كاديما تسيبي ليفني أو شاؤول موفاز (أو حتى زعيم حزب العمل باراك، أو زعيم المعارضة اليمينية نتنياهو، في حال اجراء انتخابات تشريعية مبكرة) فإن استقالة أولمرت تؤكد عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق حقيقي مع الفلسطينيين قبل انتهاء ولاية الرئيس بوش وبالتالي ترحيل هذا الملف إلى الإدارة الأميركية الجديدة. وإذ لا يبدو مضمونا استطاعة أي من ليفني أو موفاز (المرشحين لزعامة حزب كاديما ) تأليف حكومة جديدة مستقرة، فإن إسرائيل تكون قد دخلت عمليا مرحلة العد العكسي للانتخابات العامة المبكرة (أو العادية) التى من شأنها تغيير المشهد السياسي الإسرائيلي الحالي، ولا سيما أن استطلاعات الرأى ترجّح فوز تكتل ليكود اليميني المعارض برئاسة نتنياهو فى الانتخابات المبكرة، فيما تستبعد الاستطلاعات باراك (رغم تجربته الامنية الواسعة) مستذكرة أسباب فشله في كامب ديفيد (2) الفلسطيني وفي مفاوضاته مع السوريين. يرى الاسرائيليون في (ليفني) التي تعتبر الاوفر حظا للفوز برئاسة كاديما امرأة نزيهة و معتدلة رغم أنها ؟ مثل غيرها - لا تلقى اجماعا داخل حزبها، وهي أعلنت رغبتها تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم خصوصا حزب الليكود المعارض. ورغم ذلك، تثير ليفني شكوك الصقور في كاديما الذين يعتبرونها معتدلة أكثر من اللازم (!!!) في مسألة التسوية مع الفلسطينيين إذ عبرت عن ذلك مرارا خلال زيارات كونداليزا رايس الى اسرائيل، إضافة إلى تأييدها تحسين ظروف حياة الفلسطينيين في الضفة، وموافقتها على إنشاء دولة فلسطينية (طبعا دون تبيان طبيعة هذه الدولة )، داعية لمواصلة مكافحة الارهاب و عزل حماس، معترفة بان الاستيطان المدعوم غالبا من الحكومة التي تنتمي اليها، يتسبب باحباط وربما بضيق بين الفلسطينيين!!!. بالمقابل، فإن موفاز، المؤيد أيضا لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الليكود ، مستعد للذهاب الى الحرب باستمرار، ومؤيد للتشدد في السياسة مع الفلسطينيين، ويعبر دوما عن آرائه المتطرفة. فسابقا، انتقد علنا اتفاقات اوسلو واصفا اياها بانها أسوأ خطأ ارتكبته اسرائيل ، ودعا باستمرار الى التشدد مع الفلسطينيين وكأنهم يعاملون ؟إسرائيليا- بلطف وكرم!!! وفي ظل قيادته، اجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي جنين في أكبر عملية عسكرية ينفذها منذ 1967 (السور الواقي!!!)، معتبرا أن السلطة الفلسطينية يقودها ارهابيون . ومؤخرا، افتتح موفاز حملته الانتخابية لرئاسة كاديما بخطاب قبالة أسوار القدسالمحتلة، ملمحا لأحزاب اليمين وخصوصا شاس ، ملمحا رفضه أي انسحاب من القدس، متعهدا بالحفاظ على القدس موحدة كعاصمة إسرائيل الأبدية . ومن جهتها، لفتت يديعوت أحرونوت إلى أن خطاب موفاز تضمن (22) تكرارا لكلمة أمن . بالمقابل، وكي يرضي قوى أخرى، قال موفاز: بمجرد أن تكون لدي صلاحيات رئيس حكومة، سأقود المفاوضات مع الفلسطينيين بنفسي. سأضع كل ثقلي وسأعمل في هذا الاتجاه بصورة شخصية . أما نتنياهو، الصقر اليميني، الذي يحلم بانعاش حزبه الليكود والعودة الى منصب رئيس الحكومة للمرة الثانية، فإنه فور إعلان اولمرت التزامه الاستقالة، أدلى بتصريح نعى فيه الحكومة ودعا الى انتخابات مبكرة. ومنذئذ، يعمل نتنياهو بجد لجعل الاسرائيليين ينسون هزيمة حزبه خلال انتخابات 2006 التي اعتبرت أسوأ هزيمة يتلقاها اللكيود في تاريخه مستغلا اخفاقات الحرب على لبنان في العام نفسه، مدركا أن الجزء الأكبر من الإسرائيليين يرفض الآن تقديم تنازلات . ومع إبداء استعداده للاستفتاء على أي انسحاب محتمل من الضفة، نراه يرفض تقسيم القدس، كما يرفض أي تنازلات للفلسطينيين قد تعرض أمن اسرائيل للخطر. حتى تاريخه، تشير استطلاعات الرأي إلى تزاحم متقارب ولو مائل قليلا لصالح ليفني ضد موفاز. كما تشير استطلاعات أخرى إلى أن نتنياهو هو الاوفر حظا في الفوز برئاسة الحكومة اذا جرت انتخابات نيابية مبكرة، لن يكون فيها حظ لباراك ( المستقتل على الفوز برئاسة الحكومة) خاصة وأنه ربما لن يكون بوسع الزعيم المقبل لكاديما تشكيل حكومة مستقرة طالما ان الحزب منقسم بسبب الخلافات الشخصية. إذن، في ظل البديل المنتظر لأولمرت، أيا كان، سواء ليفني أو موفاز، أو نتنياهو، فإن البديل لن يكون أقل دموية عن رؤساء الحكومات السابقين، فكلهم ؟ رغم التفاوت الكمي وليس النوعي بالضرورة ؟ يقفون ضد السلام، وحتى ضد التسوية التاريخية ، ويقفون مع استمرار الاحتلال بأشكال متباينة، وأيضا هم مع تسريع الاستعمار/ الاستيطان والعمل على تهويد القدس. هنا، تبرز حاجة الفلسطينيين إلى مراجعة جادة ومسؤولة للحال الفلسطيني المنقسم والمتشرذم، مع مراجعة مسار ومآل المفاوضات التي تركت المفاوض الفلسطيني ضعيفا ووحيدا في مواجهة السياسات والألاعيب الإسرائيلية. عن صحيفة الرأي الاردنية 24/8/2008