المعارضة وسقفها زهير قصيباتي أكثر ما يقلق المعارضة في لبنان ان المساعي العربية والدولية لتبريد احتقان الأزمة المستعصية في البلد، وإن بدت تُوازن بين «النيات الحسنة» لفريقي الصراع، تبطل مفعول أي إجراء تصعيدي ضمن خيار ربع الساعة الأخير، في حال مضى فريق 14 آذار على مسار انتخاب رئيس بالمواصفات والنصاب الذي يلحظه الدستور لما بعد الدورة الأولى. عملياً، سقط رهان المعارضين على تمايز بين باريس وواشنطن، حين انتهت المهمة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في بيروت الى تلويح مبطن لفريق 8 آذار، إطاره غزل ب «حكمة» الرئيس نبيه بري وجوهره الفعلي تخيير المعارضة: إما التوافق مع 14 آذار على الرئاسة، وإما ترك اللعبة الدستورية تمضي الى نهايتها، ولو اقتضى ذلك القبول بانتخاب رئيس للبنان بنصاب النصف زائداً واحداً. فحوى الرسالة الفرنسية أن الفراغ ممنوع، وإذ حرص كوشنير على مخاطبة الرئيس بري بوصفه رئيساً للمجلس النيابي، لتشجيعه على معاودة فتح البرلمان، وتجاوز «خيبة أمل» لديه من رد 14 آذار على مبادرته، ففي الرسالة أكثر من مؤشر كاف لتعزيز هواجس القلق لدى اللبنانيين والسوريين، والحيرة لدى الإيراني: - حين يقول الوزير ان «بعضهم يأمل بألا يكون هناك لبنان»، إنما ينبه الى ان خيار الفوضى ليس مجرد تحذير للتهويل او استعجال الضغوط لتسريع تسوية ولو موقتة، من بوابة انتخاب رئيس يدير الأزمة، أو رئيس تشتهيه رياح 14 آذار. - حين تعرض باريس على دمشق «جزرة» انفتاح «ستدهشها» لا تلامس الهاجس الأول لسورية، أي المحكمة الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والتي يدنو ارتفاع قوسها في هولندا مطلع 2008، وتصر دمشق على انها المستهدفة ب «تسييسها». بكلمة أخرى، لا تبدو تلك الجزرة ثمناً كافياً لتسهيل انتخابات الرئاسة في لبنان، في غياب «ضمانات» لسورية التي قد تكون متوجسة على الأرجح من وعود يطلقها كوشنير لترغيبها ب «دفع الثمن أولاً»، فيما يحاول ان يُبطل أوراق الضغط التي تمتلكها عبر حلفائها اللبنانيين، ورقة ورقة. - وحين تشيد باريس بإيجابية الدور الإيراني في لبنان الى الحد الذي يتجاوز توقعات بعضهم، إنما تضاعف حيرة دمشق إزاء حقيقة الحسابات الإيرانية على الساحة اللبنانية، والمدى الذي قد تبلغه لعبة الأثمان المتبادلة. وأما ترغيب فرنسا لسورية بمقعد في اللقاء الدولي للسلام فأشبه بمن يقود ظمِئاً الى بئر قعرها بلا مياه، إلا اذا كانت كل الضجة حول ضرب اسرائيل منشآت ل «مشروع نووي» في الأراضي السورية، سيناريو لتحريك مسار المفاوضات علناً، بالتفاهم بين الدولة العبرية وواشنطن. لعل نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر سلطانوف لم يخطئ إذ لم يجد «أي مسعى حقيقي» لتسوية الأزمة اللبنانية. كلمة وحيدة تجمع كل المحاولات العربية والدولية هي «تبريد» لغة التهديدات على خط الانقسام في بلد، لم يعد احد يجهل تعقيدات تشابك الأزمات الإقليمية وارتداداتها على أرضه، وخيارات ساسته. ومرة أخرى، وفي حسابات الربح والخسارة، ما زالت المعارضة تحت سقف الضغوط. فالفراغ الرئاسي الممنوع يعني الإجماع الدولي على حوار داخلي يضمن الانتخاب، وبعد خسارة المعارضة ورقة أولوية حكومة الوحدة الوطنية، ودعوة البطريرك الماروني نصر الله صفير الى تجاوز السجال على نصاب جلسة الانتخاب، أي ضمان لفريق 8 آذار ما دامت للأكثرية كلمتها في هوية الرئيس وبرنامجه؟ وهل يمكن هذا الفريق ببساطة التشكيك في شرعيته كما فعلت المعارضة مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة؟ الجواب حسمته باريس بعد واشنطن، وهو ان من يخلف الرئيس اميل لحود سيحظى باعتراف دولي ولو انتخب بنصاب النصف زائداً واحداً... ولو ان هناك من يعتقد بحشر وزير الخارجية برنار كوشنير للمعارضة بين خيارين: إما التوافق وإما التوافق!... ما دام بديل النصف +1 يبقى الإجماع. الوجه الآخر لمعادلة «الخيارين»، «رسالة» اميركية مبطنة، فحواها ان لا شرعية دولية لأي حكومة ثانية يشكلها لحود، كإجراء مضاد ل «النصف +1». أليس ذاك ما عناه السفير جيفري فيلتمان؟... بلغة «ديبلوماسية»، ما عناه ربما ان الولاياتالمتحدة لن تتردد في حشد التأييد لقرار يصدره مجلس الأمن، لتصنيف تلك الحكومة الثانية «منبوذة» في المجتمع الدولي. والأرجح ان موقف روسيا لن يختلف عما كان عليه لدى تمرير المجلس قرار إنشاء المحكمة الخاصة بمقاضاة قتلة رفيق الحريري، والشهداء الآخرين من رجال السياسة والفكر. ان «تبريد» الأزمة بإجماع دولي يشجع اللبنانيين على الأمل بتفكيك عقدِها تدريجاً، بانتظار حلول لصراعات إقليمية، ويشجعهم على اختبار قدرة الرئيس بري على «تدوير الزوايا». ولكن، من يضمن «تبريد» رؤوس المتضررين، في ربع الساعة الأخير؟ معضلة بعضهم انه كان يراهن على حسم الخيارات الكبرى في المنطقة أولاً، ليعرف اين موطئ قدمه. عن صحيفة الحياة 17/9/2007