استقالة مشرف باكستان الى اين؟ رياض حمودة ياسين استقال مشرف القائد السابق للجيش وحليف الولاياتالمتحدة الوثيق بعد ضغوطات من الحكومة الائتلافية بقيادة حزب الشعب الباكستاني الذي كانت تتزعمه رئيسة الوزراء السابقة التي اغتيلت بناظير بوتو،فالحكومة لطالما هددت مشرف بأنها ستقوم باستجوابه ومساءلته،فقد أعد الائتلاف الحاكم الاتهامات التي ستوجه له والتي تركز على انتهاكه الدستور وإساءة التصرف، فهو بذلك ابتداء نجّى نفسه منها فتنحى عن السلطة. بمعنى أنه على يقين بأنه لن يستطيع الرد حتى دستوريا على الانتهاكات الدستورية وسياسة القبضة الحديدية التي حكم بها باكستان،فالرجل كان قبل أن يتولى زمام الحكم للبلاد قائدا للجيش وليس زعيما سياسيا لأحد الأحزاب الكبرى المهمة في باكستان،لذا لانستغرب أن يقبض بيد من حديد على زمام الأمور وسط اتهامات بأنه كان ينفذ سياسة الغرب بحذافيرها. فالرجل الذي استخدم القبضة الحديدية في كبح جماح المتشددين،الذين توجه لهم الاتهامات باستمرار بتنفيذ هجمات قاتلة في مواضع حساسة داخل البلاد، بات اليوم خارج لعبة الحكم، وربما يمكن قراءة ذلك بصورة أولية على انه انتصار للقوى المتشددة وضربة لسياسة الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة التي حاولت من خلال مشرف أن تحجم القوى الدينية المتشددة في باكستان وتأثيراتها على المحيط الإقليمي لمنطقة آسيا الوسطى التي يغلب عليها النزوع نحو تمثل المرجعية الدينية ليس فقط كإطار اعتقاد أساسي بل كبديل أيديولوجي لنظم سياسية قائمة. كما يضاف إلى ذلك مسألة أخرى أن اهتمام الغرب بباكستان ليس فقط من منطلق موقعها الجغرافي الذي يربط جنوبي آسيا بوسطها،بل أيضا إمكانية بروزها كقوة اقتصادية لا يستهان بها،فهي ستكون لها أهمية في الإقليم الوسط آسيوي على الصعيدين اللوجستي والاستراتيجي والاقتصادي. والتساؤل المطروح لماذا استقال مشرف رغم انه تم في الآونة الأخيرة التأكيد على أنه لن يستقيل بل سيواجه المعارضة التي يقف على رأسها الائتلاف الحكومي وهو في موقع المسؤولية،الأمر الذي يؤكد أنه أدرك عدم قدرته على مواجهة خصومه السياسيين دستوريا. كما يؤشر على تراجع دعم الجيش للرئيس مشرف مما يضعف موقفه أكثر ويفقده ربما أقوى ورقة سياسية كان يعتز بها ،ورغم ذلك لا يمكن القول أنه بعد استقالة مشرف بان الجيش بات خارج اللعبة. Aوالسيناريو الذي ينتظر باكستان مختلف هذه المرة عن السابق فالبلاد التي تقاسم خلالها السياسيون المدنيون والجيش الحكم بالتناوب على مدى أكثر من ستين عاما،. أي طيلة ستة عقود أضرت بالدولة الباكستانية،فهذه التجاذبات والصراعات الداخلية خسرت خلالها باكستان بنغلاديش،في حين وبقيت كشمير قيد السيطرة الهندية. الآن يبدو أن الصولة بعد استقالة مشرف تتجه نحو الصراع على السلطة ،وربما ستبقى العلاقة بين الساسة والجيشAمن معوقات التقدم السياسي وحل العديد من المشكلات التي تعصف بالبلاد التي تقع ضمن محيط إقليمي يرقد على صفيح ساخن من المشكلات والتحديات والتهديدات،والأخطر من ذلك أن باكستان نفسها لايمكن التكهن باستقرار في داخلها،فالقوى المتشددة تقف على مرمى الفراغ السياسي الذي قد ينشأ عن غياب رأس المؤسسة الحاكمة ربما لتصفية بعض الحسابات مع هذه السلطة التي كانت تأتمر بأمر مشرف في التعامل معها بقبضة حازمة كانت تنظر لها هذه القوى على أنها لاتخدم المصلحة العليا للبلاد بل تخدم السياسة الدولية. الآن تعود باكستان من جديد إلى لعبة التجاذبات بين الساسة والجيش،وربما هناك عنصر ثالث قد يكون في الساحة أعني القوى المتشددة التي لعبت سياسة مشرف دورا عكسيا في كبحها،وأقصد هنا أن تحجيمها واقصاءها قد يجعل لها قامة طولى بين القوى التي تريد أن تكون فاعلة ومؤثرة في المشهد بالبلاد. تقف باكستان الآن على عتبة إعادة الحياة السياسية إلى البلاد بعد القبضة العسكرية،فهل ستنجح المحاولة الحكومية الحالية ممثلة بالأحزاب السياسية في استرداد السلطة من قبضة الجيش بعد أن تم استبعاد الجنرال برويز مشرف فهل ستشهد المرحلة القادمة مضاعفة قوة ونفوذ المؤسسات السياسية التي يجب أن تقود البلاد وتعيد الحكم على أساس دستوري،فالجيش حسب الساسة ليس مؤهلا أن يكون في سدة الحكم ،بل مهمته الأساسية يفترض ان تنحصر مهمته في تأمين حدود البلاد من أي عدوان خارجي والمحافظة على هيبة الدولة وسيادتها الخارجية. أم هل ستغرق البلاد التي تعاني من فقر ومشاكل اجتماعية عقيمة من فوضى قد تخلفها حرب أهلية طاحنة بين الأطراف التي تطمح في الوصول إلى سدة الحكم،والتساؤل يبقى مطروحا هل ستتمكن البلاد من تجاوز الازمة التي قد تنشأ نتيجة غياب الرئيس والاجواء الملبدة بغيوم الفتنة المليئة بمطر أسود ثقيل على بلد يراهن عليه الغرب ليكبح جماح طول قامة بعض القوى المتشددة خاصة الاسلامية منها. عن صحيفة الرأي الاردنية 20/8/2008