موسكو كما واشنطن.. جدل وسجالات داخلية !! محمد خرّوب في اميركا جدل لا ينتهي، وهو غير مرشح للانتهاء، اثر تداعيات تقرير كروكر - بترايوس، الذي ما يزال يثير المزيد من الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين على نحو لم يتردد الرئيس الاميركي جورج بوش في مناشدة خصومة، بدعم خطته الرامية الى تقليص عديد القوات الاميركية في العراق بثلاثين الف جندي بحلول تموز من العام المقبل، فيما اطلق وزير الدفاع جيتس، بالون اختبار جديد يقول ان عديد القوات الاميركية سيستقر عند مائة الف جندي في نهاية العام .2009. مزاد التخفيضات مستمر، لكن السجالات مفتوحة على مصاريعها، مع قرب بدء العد العكسي لترشيحات الحزبين لانتخابات الرئاسة، التي يبدو انها ستكون مختلفة عن تلك الانتخابات التي سادت طوال نصف القرن الماضي، ما يعيد الى الاذهان حرب فيتنام، التي كانت الموضوع الاول على جدول الاعمال الاميركي، حيث العراق الآن هو قطب الرحى اذا لم تحدث انعطافة استراتيجية تعيد خلط الاوراق، أو تسهم في تحقيق انجاز اميركي ما ، يستطيع من خلاله جورج بوش ان يغطي فيه على الفشل الذريع الذي لحق بمشروع المحافظين الجدد والذي أخذ على عاتقه مهمة تنفيذه والترويج له وبالتالي ان يتحمل شخصياً مسؤولية كل ما حدث، بعد ان قفز كثيرون من سفينته الجانحة.. الانعطافة التاريخية هذه عنوانها شن حرب على ايران او توجيه ضربة جوية شديدة لمواقعها النووية ومنشآتها الاستراتيجية. ما يفرض جدول اعمال جديد اميركياً، دولياً واقليمياً قد تمنح الرئيس وادارته فرصة لالتقاط الانفاس او اعادة ترتيب الاولويات. في المقلب الاخير.. تتقدم روسيا صدارة الاحداث الدولية وتحظى باهتمام المراقبين والمتابعين لأنها على عتبة تغيير في المواقع والشخصيات. وخصوصاً تلك التي رافقت فلاديمير بوتين طوال السنوات الثماني التي انقضت على وصوله فجأة الى الموقع الاول في روسيا يلتسين المنهكة والممزقة والمفككة بل المعروضة للمزاد العلني وسطوة المافيات واحكام السيطرة الاعلامية اليهودية والاميركية على مفاصلها، على نحو بدت انها على وشك الانهيار.. يكاد لا يختلف اثنان على رئيس الوزراء الذي رشحه بوريس يلتسين لخلافته وهو القادم من جهاز المخابرات الشهير والمخيف كي جي بي ، قد نجح في استرداد مكانة روسيا وموقعها على الخريطة الدولية وانه انتهج سياسة حذرة جمعت بين الحزم داخلياً والمرونة دولياً وخصوصاً اوروبياً واميركياً، وفي الوقت ذاته الانفتاح على مناطق وساحات وبؤر توتر كان للاتحاد السوفياتي السابق دوره وحضوره فيها، وان في شكل غير تصادمي (في عهد بوتين) ما لبثت موسكو ان امتلكت المزيد من الجرأة بعد ان تراجعت الاندفاعة الاميركية، التي اخذت طابعاً عسكرياً عدوانياً بعد الحادي عشر من ايلول 2001 تحت دواعي وذرائع متهافتة (الحرب على الارهاب)، لم تنجح في إخفاء الطموح الاميركي بالابقاء على التفرد والهيمنة على القرار الدولي عبر منظار المحافظين الجدد الذين رأوا الفرصة سانحة لتكريس المشروع الامبراطوري الاميركي. انتكاسة المشروع الاميركي في العراق، شجع موسكو على الخروج من حال التبعية والضعف والتردد والارتباك بل انعدام الوزن الذي ميز وضعها في عهد يلتسين ونجاح بوتين في استئصال شأفة المافيات والفساد ووقف الاختراق الاميركي المتواصل لبناها الامنية والعسكرية والاقتصادية، منح المزيد من الثقة للفريق المحيط بالرئيس الروسي كي يمضي قدماً - ولو ببطء - في اخراج روسيا من عزلتها التي فرضتها عليها واشنطن اولاً ثم الانهيار الشامل في الخدمات والامن وغياب الدولة. ليس مهماً الاشارة الآن الى ان خطاب ميونيخ الشهير الذي القاه الرئيس الروسي في مؤتمر مدينة ميونيخ الالمانية للأمن في شباط الماضي، قد سجل نقطة تحول في علاقات روسيا باوروبا وخصوصاً الولاياتالمتحدة. ومن نافل القول الاشارة الى اللغة الغاضبة والحازمة غير العادية التي تستخدمها موسكو في نقد اصرار ادارة بوش على نشر منظومة الدرع الصاروخية في بولندا وتشيكيا واتخاذها (موسكو) خطوات عملية وفورية للرد على هذه الغطرسة الاميركية، بالانسحاب من معاهدة نشر الاسلحة التقليدية في اوروبا، واعادة طلعات الطائرات الاستراتيجية الروسية في اجواء اوروبا والمحيط الاطلسي وقريباً جداً من الشواطىء الاميركية والبريطانية وايضاً الكشف عن القنبلة الفراغية الضخمة التي تعادل قنبلة نووية في شدتها واثارتها. كل ما سبق الاشارة اليه انما يستهدف القول ان فلاديمير بوتين اقرب الى قماشة القياصرة منه الى شخص زاهد في السلطة، ورغبته في دخول التاريخ كأحد قياصرة روسيا العظماء تضعف من اية قراءة او تحليل يذهب في اتجاه القول، ان الرجل يستعد لمغادرة السلطة في 2 اذار المقبل بمجرد ان فجر مفاجأته باستقدام شخصية مغمورة (فيكتور زوبكوف) متقدم في السن نسبياً (66 عاماً) كي يصبح رئيساً للوزراء وقبل ستة اشهر على مغادرة الكرملين.. هل يغادر بوتين الكرملين حقا؟. من المبكر التكهن بذلك وربما يكون استبعاد سيرغي ايفانون احد اكثر المقربين من بوتين ومعظمهم من زملائه في المخابرات، ليؤشر الى احتمال حدوث تغيير في الدستور بمنح صلاحيات لرئيس الوزراء ويدفع بموقع الرئيس الى الخلف كمنصب شرفي كما هي حال الهند وبريطانيا (الملكية) ومعظم دول اوروبا الغربية، ما يفتح الطريق امام استمراره في الحكم (دون ان يكون رئيساً) كي ينفذ ما تبقى من مشروعه الطموح باعادة روسيا الى امجادها السوفياتية او القيصرية السابقة. اما احتمالات عودته في عام 2012 كما المح ذلك هو شخصياً فتبدو محفوفة بالمخاطر في بلد كروسيا حتى وان استطاع بوتين ان يحكم سيطرته على المشهد بوضع كل اصدقائه ورجاله في المفاصل الرئيسة وخصوصاً ان روسيا معروفة بالمفاجآت وحافلة بالالغاز وانقلابات القصر وتمرد الحاشية وبروز شخصيات مثل راسبوتين في البلاط وحتى غورباتشوف آخر ولكن ليس بهوية شيوعية هذه المرة، حتى لو واصل بوتين القول انه لا يريد شخصاً ضعيفاً لخلافته. عن صحيفة الرأي الاردنية 16/9/2007