مما لا شك فيه أن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين هو الرجل الذي أعاد لروسيا هيبتها وقوتها في المحافل الدولية؛ بعد أن وضعها الرئيس السابق بوريس يلتسن في الوحل، واكتفى الأخير بانقلاب عسكري في أوائل التسعينيات أنهى سيطرة الشيوعيين على روسيا. ولكن فجأة انقلب الرأي العام الروسي على بوتين، وفوجئ المراقبون بما جرى حينما خرجت تظاهرات حاشدة في موسكو وسان بطرسبرج -مسقط رأس بوتين- وغيرهما من المدن الروسية، تظاهرات يقودها الليبراليون والشيوعيون بالإضافة إلى بعض الحركات الشبابية. لماذا انقلب الروس على بوتين؟ وهنا يأتي السؤال.. لماذا انقلب الروس على بوتين؟ في الواقع إن مشاعر الروس حيال بوتين اليوم ليست مشاعر شعب يريد إسقاط النظام، أو حتى خلع الرئيس بالشكل الثوري، بقدر ما هو غضب مما أسماه العشرات من الكتّاب الروس "شعور الشعب الروسي بالإهانة"؛ هذه الإهانة سببها تزوير الانتخابات بطريقة فجة، بالإضافة إلى تلاعب بوتين وجنرالات الكرملين بالدستور الروسي بشكل مهين، فالدستور الروسي يُحرّم انتخاب الرئيس لثلاثة دورات متتالية، فقام بوتين باختيار رفيق دربه ديمتري ميدفيديف لكي يتولى الرئاسة لفترة واحدة، على أن يعود بوتين للرئاسة مرة أخرى. الأمر الذي استفز الروس بشدة أن بوتين يعتزم إسناد رئاسة الوزراء إلى ميدفيديف، أي أن الرجلين تبادلا منصبيهما مرتين خلال أقل من خمس سنوات؛ لمجرد القفز على مواد الدستور الروسي فحسب! بالطبع مثل هذه التحركات السياسية تُشعر الشعب الروسي بأن قادته لا ينظرون إليه بعين الاعتبار، وأن رجالات الكرملين يتبادلون الكراسي فيما بينهم؛ لكي يستمر فريق سياسي واحد في الحكم. ولم يكن تزوير الانتخابات ولعبة الكراسي بين بوتين وساعده الأيمن هما سببا التوتر الجاري في الشارع الروسي فحسب؛ ولكن ساعد على إشعال الأمر أن هنالك مناخا سياسيا عاما على مستوى العالم يشجّع على التظاهر حينما تغضب، يمكن القول بأننا أصبحنا أمام عولمة ثورية مضادة للعولمة الأمريكية. كما أن المال الأمريكي لم يكن غائبا؛ فحركة أوبرونا Oborona التي تأسست عام 2005 من أهم الحركات الشبابية في آسيا وأوروبا الشرقية التي تتلقى أموالا وتدريبات من قِبل منظمات مرتبطة بالمجتمع المدني الأمريكي، وكما جرت العادة فإن القبضة الصربية ليست غائبة عن شعار هذه الحركة الشبابية السياسية. اكتمل المربع الدائم إذن؛ غضب شعبي، وتلاعب بالدستور وبكرامة الناس، وتزوير الانتخابات، ولمسة أمريكية من خلف الستار عبر مؤسسات على الورق غير محسوبة على الحكومة الأمريكية، هكذا بدأت عملية اصطياد القيصر الروسي. يعرف الجميع أن عدم انتخاب بوتين رئيسا للجمهورية الروسية الفيدرالية العام المقبل يعني انتهاء أسطورة بوتين؛ بل ويعني انتهاء الجمهورية الروسية الأولى بالكامل؛ خاصة لو خسر الرجل المنصب لصالح رئيس الحزب الشيوعي الروسي الذي قام بترشيح نفسه، من الصعب أن يستمر بوتين رئيسا للوزراء تحت إمرة رئيس من خارج دائرة الكرملين الحاكمة اليوم. ودائرة الكرملين الحالية هم رجالات من المؤسسة العسكرية والاستخباراتية السوفيتية، هم الباقة المتبقية من جنرالات وضباط الحقبة السوفييتية، خلعوا القناع السوفييتي وارتدوا قناع حزب روسيا الموحدة، الولاء لم يكن يوما للشيوعية أو الليبرالية؛ ولكننا أمام مجرد دولة بوليسية عسكرية تحافظ مؤسستها الأمنية على سيطرتها على الحكم، إذا ما أسقط الشعب -أو حتى التاريخ- الشيوعية، تلونت هذه المجموعة سريعا وأصبحت أكثر ليبرالية من المعارضة الروسية. ولكن الرهان على تلوّن بوتين مرة أخرى مستحيل، كما أن رجالات الكرملين لن يستطيعوا أن يتلوّنوا لصالح أي رئيس قادم من خارج مجموعتهم، وبالتالي فإن بوتين يعتبر الآن الخيار الوحيد للحفاظ على إرث واستمرارية لعقيدة سوفيتية قديمة تنص على رفعة ومجد روسيا في المحافل الدولية، وأن روسيا مهما حدث هي القطب الثاني الحقيقي في النظام الدولي. وبالرغم من أن المتظاهرين حددوا يوم السبت الموافق 24 ديسمبر الجاري من أجل عقد سلسلة تظاهرات جديدة؛ فإن الطريق لا يزال في البداية، ولن ينتهي إلا يوم الانتخابات الرئاسية منتصف 2012، حينما يعرف العالم أجمع هل قرّر الشعب الروسي إعادة انتخاب بوتين، أم تغرب شمس العسكر في بلاد القياصرة. عدم انتخاب بوتين رئيسا يعني انتهاء أسطورته اكتمل المربع الدائم إذن؛ غضب شعبي، وتلاعب بالدستور وبكرامة الناس، وتزوير الانتخابات، ولمسة أمريكية من خلف الستار عبر مؤسسات على الورق غير محسوبة على الحكومة الأمريكية، هكذا بدأت عملية اصطياد القيصر الروسي. يعرف الجميع أن عدم انتخاب بوتين رئيسا للجمهورية الروسية الفيدرالية العام المقبل يعني انتهاء أسطورة بوتين؛ بل ويعني انتهاء الجمهورية الروسية الأولى بالكامل؛ خاصة لو خسر الرجل المنصب لصالح رئيس الحزب الشيوعي الروسي الذي قام بترشيح نفسه، من الصعب أن يستمر بوتين رئيسا للوزراء تحت إمرة رئيس من خارج دائرة الكرملين الحاكمة اليوم. ودائرة الكرملين الحالية هم رجالات من المؤسسة العسكرية والاستخباراتية السوفيتية، هم الباقة المتبقية من جنرالات وضباط الحقبة السوفييتية، خلعوا القناع السوفييتي وارتدوا قناع حزب روسيا الموحدة، الولاء لم يكن يوما للشيوعية أو الليبرالية؛ ولكننا أمام مجرد دولة بوليسية عسكرية تحافظ مؤسستها الأمنية على سيطرتها على الحكم، إذا ما أسقط الشعب -أو حتى التاريخ- الشيوعية، تلونت هذه المجموعة سريعا وأصبحت أكثر ليبرالية من المعارضة الروسية. ولكن الرهان على تلوّن بوتين مرة أخرى مستحيل، كما أن رجالات الكرملين لن يستطيعوا أن يتلوّنوا لصالح أي رئيس قادم من خارج مجموعتهم، وبالتالي فإن بوتين يعتبر الآن الخيار الوحيد للحفاظ على إرث واستمرارية لعقيدة سوفيتية قديمة تنص على رفعة ومجد روسيا في المحافل الدولية، وأن روسيا مهما حدث هي القطب الثاني الحقيقي في النظام الدولي. وبالرغم من أن المتظاهرين حددوا يوم السبت الموافق 24 ديسمبر الجاري من أجل عقد سلسلة تظاهرات جديدة؛ فإن الطريق لا يزال في البداية، ولن ينتهي إلا يوم الانتخابات الرئاسية منتصف 2012، حينما يعرف العالم أجمع هل قرّر الشعب الروسي إعادة انتخاب بوتين، أم تغرب شمس العسكر في بلاد القياصرة.