أكذوبة تحسن الأمن..والانقلاب المرتقب في العراق د. عادل البياتي تحاول أمريكا وأعوانها أن يروّجوا لأكذوبة تحسن الوضع الأمني في العراق، وأن الحالة الأمنية عادت الي الحالة الطبيعية، متغافلين سقوط أكثر من 1700 عراقي قتيل علي يد القوات الأمريكية والعراقية وميليشيات فرق الموت والتفجيرات خلال الشهرين الماضيين، واستمرار وجود 4 ملايين عراقي هارب للخارج و(2) مليون عراقي مهجر داخل العراق، وكذلك تصاعد أعداد جنود الاحتلال الذين يسقطون صرعي علي يد المقاومة العراقية التي لم يخمد نشاطها وفق ادعاءات حكومة المنطقة الخضراء والقوات الامريكية. فما زالت هناك عمليات انتحارية، التي أدت لمقتل المئات ، والاخطر من ذلك تنفيذ نساء لهذه العمليات، وهي ظاهرة غير مسبوقة تتزايد يوما بعد يوم. وبالرغم من أن الرئيس بوش ما زال يدّعي أن العراق قد تحرر وتسوده الديمقراطية وأن كلا من الرئيس ورئيس الوزراء والبرلمان منتخبون من قبل الشعب العراقي (!!).وهو يعلم علم اليقين أن الانتخابات كانت مهزلية وشابها تزوير واضح، وأن الوضع الأمني لم يتحسن، وبرغم ذلك هو يرفض الإستجابة للطلبات العراقية بتحديد جدول زمني لانسحاب القوات الغازية. ان الكلام عن تحسن الوضع الأمني يعتبره العراقيون أتفه (نكتة)، ومن يقولها يبغي تمريرها لغايات ومآرب، فالحكومة تريد أن يصدق الناس هذه الإكذوبة، فهي حاولت إقناع العرب بها من أجل عودة فتح السفارات العربية، والحكومة الأمريكية تريد أن تثبت أنها حققت إنجازا وحررت العراق وأقامت نظاما ديمقراطيا. واقع الحال يؤكد أن أمريكا مازالت غارقة في الوحل العراقي، والمقاومة لم تنته ولم تتراجع، والعراقيون مازالوا في قمة المحنة والمأساة، وبخاصة بعد أن تحولت المدن وبخاصة بغداد إلي كانتونات مسيجة بكتل الكونكريت، لم تشفع الرسومات الملونة عليها أن تقنع الناس ببهجة هذه الكتل، وأحياء بغداد صارت مقسمة طائفيا، وجدر الكونكريت في بغداد لاتقل سوءاً عن مساوئ الجدار الصهيوني العازل، فقد أحيطت الأحياء بجدران كونكريت عالية وتم حصر الدخول والخروج من منافذ محددة، وأصبح أهالي الأحياء لايدخلون أو يخرجون من أحيائهم إلا بورقة مختومة!!. وتدهورت أحوال المواطنين المعيشية والصحية. ولعل الأسوأ هي معاناة المهجرين من دورهم من قبل المليشيات الحكومية، ولحد الآن فإن القوات الأمريكية والحكومية، تعجز عن إعادة المهجرين رغم تخصيص وزارة المهجرين، فهناك مئات الألوف من العوائل أرغمت علي مغادرة دورها دون أن يسمح لها برفع أي أثاث أو شئ من حوائجها، ومن حاول الرجوع إلي مسكنه إما وجده قاعا صفصفا أو عاودت إليه الميليشيات فهددته بالقتل فعاد أدراجه، أو منعته من العودة لداره. ولا زال المهجرون في الداخل إما يكونوا استأجروا دورا في أحياء من طائفته، أو يسكنون بالخيام في مجمعات المهجرين بأوضاع بائسة ومأساوية، ووزارة ما تسمي بالمهجرين عاجزة عن فعل شيء لأن الحكومة لاتتخذ قرارا حاسما بهذا الشأن بسبب الفساد المستشري، وعدم الامكانية في الوقوف بوجه الميليشيات. ومازال عدد كبير من المطرودين والمفصولين من الوظائف يعيشون حالة الفاقة. ومازالت الخدمات الأساسية مفقودة فلا كهرباء ولا منتجات بترولية في بلد هو من البلدان الغنية بالنفط. والحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال ورغم عشرات المليارات في خزائنه عاجزة عن تحسين أوضاع الخدمات الصحية والأمنية والخدمات الرئيسية. أما العراقيون الذين هاجروا أو هُجروا لدول الجوار فهم يعيشون حالة سيئة جدا، فمعظمهم نفدت مدخراتهم، وبرغم مطالبات الحكومة المهاجرين العودة للعراق وأنها خصصت منحة 700 دولار وتذكرة سفر لمن يعود، إلا ان الأغلبية العظمي ترفض العودة لأن مدنهم ومساكنهم لازالت بحوزة الميليشيات الطائفية، حتي أن المتحدثة باسم مفوضية الأممالمتحدة العليا لشؤون اللاجئين لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا أعلنت الأسبوع إن المفوضية التابعة للأمم المتحدة لا تشجع عودة اللاجئين العراقيين في الوقت الحالي. وأضافت أن خيار العودة يجب أن يكون طوعيا يتخذه اللاجئ بنفسه ولا يحق لأية جهة مهما كانت سواء حكومية أو من دول اللجوء الأوربية أو منظمات دولية، إجباره علي العودة إلي العراق. وأوضحت عطيفة أن المنظمة في الوقت نفسه مستعدة لمساعدة من يرغب بالعودة وعلي بدء حياة جديدة في العراق وأن أول شروط العودة هي أن تكون طوعية. وأكدت عطيفة أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تتفاوض حاليا مع الدول الاوربية لإقناعها بمنح الاقامة الشرعية المؤقتة للاجئين العراقيين لحين تمكنهم من اتخاذ قرار العودة، مشيرة إلي أن قرار إعطاء شخص صفة لاجئ من عدمه يبقي من صلاحية الدولة المضيفة. وتري أن إعادة التوطين هو في رأيها الحل الأمثل لحل مشكلة اللاجئين الذين لا يستطيعون العودة بأي شكل من الأشكال إلي العراق. وحتي اذا افترضنا ان هناك تحسنا امنيا، فان الاصلاح السياسي المفترض ان يرافقه ما زال بطيئا جدا ان لم يكن معدوما، رغم الضغوط الامريكية المتعاظمة في هذا الصدد علي السيد نوري المالكي من جهة والاحزاب المنخرطة في العملية السياسية من الجهة الاخري. كما أن ما سميت ب(المصالحة) كانت مجرد هواء، ولم يتحقق منها شيء ومازالت حالة الاحتقان الطائفي والعرقي بتصاعد وبدفع من القوي المشاركة في العملية السياسية العرجاء. المهددة بالانهيار بسبب الخلافات المتفاقمة بين الطوائف العراقية، سواء علي ارضية ازمة كركوك، والانتخابات فيها حيث تهدد الاحزاب الكردية الكبري بضمها بالقوة الي اقليم كردستان. الاتفاقية الامنية الامريكية قد لا تقر في عهد الرئيس الامريكي الحالي جورج بوش، وسترحّل بالتالي الي الرئيس الامريكي الجديد، لان اقرارها سيكون بمثابة انتحار للسيد المالكي بسبب المعارضة المتعاظمة لها ليس من قبل حلفائه في التحالف الحاكم فقط وانما من الايرانيين ايضا. العراق ما زال يعيش ظروفا صعبة، وعندما تتوقف هجرة العراقيين الي دول الجوار، ويبدأون في العودة باعداد كبيرة يمكن القول بان التحسن حقيقي، والبلد يتعافي. كما كثر الحديث عن فقدان الامريكان الثقة بالطغمة الحاكمة في العراق لفشلها في بسط الامن وتحسين الاوضاع وايقاف الفساد، ولعل سر الهجمة المفاجئة مؤخرا من المالكي ضد من اسماهم (عصابات البعث الصدامي)، وتحميلهم وزر الحالة الامنية، هو علم المالكي بالاتصالات السرية التي تجريها الولاياتالمتحدة مع عدد من كبار ضباط الجيش العراقي المتواجدين في دول جوار العراق، للتخطيط لانقلاب عسكري يطيح بالحكومة الحالية، وان الجنرال بيتراوس وعددا من كبار الجنرالات الامريكيين مكلفين بالتفاوض معهم لمعرفة مطالبهم وشروطهم عبر اجتماعات عقدت في بيروت ودمشق وعمان والامارات، بعد ان ايقن الامريكان كذلك عودة سطوة تنظيمات البعث بالعراق، وان قانون اجتثاث البعث الذي وضعه بريمر لم يؤد الي انهاء تنظيم الحزب بل زادت جماهيريته ونفوذه في مختلف مدن العراق. ان التحسن الأمني المزعوم في العراق صوري، وهو موجود في بيانات الحكومتين الامريكية والعراقية وادواتهما الاعلامية، اما علي الارض فالصورة بائسة تماما. وحتي الحديث عن هزيمة 'القاعدة' في العراق امر مبالغ فيه، فالقاعدة تتمدد وتنكمش حسب الظروف، واذا كانت قد خففت وجودها في بغداد بسبب كثافة الاجراءات الامنية وتزايد عدد الحواجز، فانتقلت الي اماكن اخري من العراق، وبعضها عاد الي افغانستان حيث المناخ القتالي للامريكان أنسب. عن صحيفة الراية القطرية 16/8/2008