التصريحات الإيرانية المباشرة تتطلب رداً مباشراً خلف الحبتور في حين تعتبر منطقتنا مهد الحضارات والقلب النابض لثلاثة ديانات توحيدية عظيمة، ولكن لسوء الحظ فإن النزاعات تحيط بها من كل حدب وصوب وتعتبر الإيديولوجيات المتناقضة والطموحات الإقليمية التنافسية وتحقيق المصالح الاستراتيجية والسيطرة على المصادر الغنية بعض العوامل التي تسهم في ذلك. وتعتبر الدول التي تشكل مجلس التعاون الخليجي صغيرة نسبياً إلا أنها مزدهرة والأكثر جذباً للطامعين، ولهذا السبب فإن الأمور أصبحت حاسمة ومصيرية للحفاظ على بقائنا والبحث عن تحالفات حقيقية من أجل رد أي عدوان محتمل على دولنا. ومثالياً ترغب كل دولة في العيش بسلام مع جيرانها إلا أنه يتعين على رب العائلة الرد على الجار الذي يقوم برمي القمامة على عتبة بابه أو يقوم بالأفعال المشينة على جدار بيته، وفي هذا المقام فإن الأمم من واجبها ويتعين عليها الرد على أي عدوان أو عمل عدائي تتعرض له. فكم هو جميل أن ترى العالم من حولك وردياً، وأن تعتقد ببساطة بأن كل شخص من حولك لديه نوايا طيبة إلا أنه لا يمكننا توقع مثل هذا الأمر في عالم تتناقص فيه المصادر والثروات الطبيعية. أوقفوا إرهاصات التهديد من قبل إيران، أوقفوا التلاعب بنغمات الفعل ورد الفعل الدبلوماسية، حيث توجد حقيقة حتمية لا بد من مواجهتها سواء رغبنا في ذلك أم أبينا، ألا وهي أن احتمال وقوع المنطقة في القبضة العسكرية لإيران يزداد يوماً بعد يوم، وتعتبر هذه العملية بطيئة ومخططاً لها بعناية. وقد تمكنت طهران من خلالها من إقناع قادة دول مجلس التعاون الخليجي بأنه لا توجد لديها خطط توسعية أو خفية وإنما مشاعر أخوية لجيرانها العرب إلا أنه لا يمكننا أخذ مثل هذه التأكيدات بمعناها الظاهري. بتاريخ 26 يوليو/تموز الماضي، هاجم نائب وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي شرعية دول مجلس التعاون الخليجي متنبئاً لها بالزوال حيث قال “تعتبر أزمة شرعية الحكومات والأنظمة التقليدية هي الأزمة المقبلة والتي من المتوقع أن تسيطر بصورة رئيسية على ما يسميه “الخليج الفارسي" حيث تعتبر الظروف الحالية غير قابلة للاستمرار". مما لا شك فيه بأن هذا التصريح يعتبر بمثابة إهانة، وتصريح كهذا ممكن أن يحمل جملة من التفسيرات ومن الممكن تفسيره على أنه تهديد. وفي كل الأحوال لا يعقل أن يصدر هكذا تصريح ممن يدعي أنه صديق. ولم يتوانَ الأمين العام لمجلس دول تعاون الخليج العربي عبدالرحمن بن حمد العطية بالرد بحزم على ذلك التصريح حيث جاء في رده : “تعبر دول مجلس التعاون الخليجي عن خيبة أملها وقلقها العميق بخصوص مثل هذه التصريحات غير المسؤولة، ولذا فإنها تتوقع توضيحاً فورياً من قبل نائب وزير الخارجية الإيراني بخصوص هذا التصريح، حيث إن مثل هذه التعليقات المريبة لا تساعد على بناء الثقة بين دول المنطقة، وعلى العكس من ذلك فإنه من شأنها أن تثير النزاعات وتغرق المنطقة في دوامة من الأزمات الخطيرة..... “. إننا نثمن تصريح الأمين العام، إلا أن أصوات قادتنا يجب أن تدوي ومن دون أي تأخير لتؤيد الرد الذي صرح به العطية، ففي واقع الحال مسؤول إيراني رفيع المستوى شن هجوماً غير مسبوق، ومن دون أي استفزاز على أنظمتنا السياسية وحقها في الحكم. وبصدد هذه المسألة فإن الصمت الذي يسود مراكز القوة في طهران يدفعنا للاستنتاج بأن التصريح المهين لنائب وزير الخارجية الإيراني تم تمريره والمصادقة عليه من أعلى المستويات. لقد حان الوقت لحكوماتنا لأن تتبنى موقف حازماً وواضحاً تجاه طهران، لأنهم كلما امتنعوا عن الرد على مثل هذه الإهانة، منحوا إيران الفرصة على التجرأ علينا أكثر. فمن يدري إلى أين ستمتد ذراع إيران في الوقت القادم بعد ما أضحى لها نفوذ راسخ وقوي في كل من العراق وسوريا ولبنان وغزة. لا يتعين الآن على الدول الأعضاء بمجلس دول التعاون الخليجي الاكتفاء بالتكلم بصوت واحد، وإنما يتعين عليهم السعي للحصول على توضيح من حلفائهم، وذلك من أجل الوقوف على مواقفهم تجاه نقاط الخلاف فيما بين كل من إيران والعالم العربي، بما في ذلك الاحتلال الإيراني المستمر للجزر الإماراتية. وفي السنوات الأخيرة، عملت العديد من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي عن كثب مع الولاياتالمتحدة كحليف استراتيجي من أجل العمل على مكافحة الإرهاب، حيث اعتبرت هذه الدول واشنطن حليفاً لها إلا أنه لا يتعين أن يكون مثل هذا التعاون من جانب واحد. ألم يحن الوقت لأن تعترف الولاياتالمتحدة بالخليج العربي وليس “الخليج الفارسي"؟ لنرجع قليلا إلى الوراء، ففي عام 1935 طُلب من العالم تسمية “بلاد فارس" باسمها الجديد “إيران" وتلت ذلك ثورة عام 1979 حيث أصبحت تسمى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفي مثل هذه الحالة لماذا تصر إيران على استخدام عبارة “الخليج الفارسي" بدلاً من الخليج الإيراني؟ هل من الممكن أن يكون لكلمة “بلاد فارس" أصداء الإمبراطورية؟ في الحقيقة، فإن معظم دول الخليج غير مختلفة مع الإيرانيين على تسمية الخليج وفقاً لما يرغبون فيه بنفس الطريقة المعتمدة في تسمية الممر المائي الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا والمسمى “القناة الإنجليزية" أو “المانش" وذلك بالاعتماد على ضفة القناة التي تكون موجوداً فيها في تلك اللحظة، إلا أن إيران ترى في ذلك مسألة كبيرة استدعت استنفار كل وسائل الإعلام المسموع والمرئي وحتى الإعلام الإلكتروني. يتعين على حكوماتنا أن تتخلى عن تحليها بالصبر الذي استمر بما فيه الكفاية من أجل توجيه رسالة لإيران تفيد فيها بأنه في الوقت الذي نسعى فيه لإقامة علاقة ودية ومسالمة مع جيراننا على الجانب الآخر من الخليج، فإننا لا نريد أن يتم تجاهلنا ووضعنا جانباً. بصورة فردية، من الممكن أن نكون دولا صغيرة، ولكن كجماعة سنكون أقوياء ومؤثرين، كما يجب علينا ألا نغفل أنه يوجد لدينا حلفاء أقوياء ترتبط مصالحهم مع مصالحنا. من الممكن للأصدقاء أن يذهبوا أو يأتوا، إلا أن الجيران باقون هنا. يتعين على جميع الدول المعنية أن تعي هذه الحقيقة بكل أبعادها وجوهرها، لما فيه مصلحة شعوبنا والعلاقات التاريخية التي تربطها. عن صحيفة الخليج الاماراتية 16/8/2008