«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاحتلال البريطاني لسوريا
نشر في محيط يوم 24 - 03 - 2008


الاحتلال البريطاني لسوريا

*علاء السيد
ان المعلومات المتوفرة لدينا عن أحداث دخول الجيوش البريطانية للأراضي السورية من الجنوب ، و وصولها حتى حلب شمالا ،و بقائها جاثمة على الأراضي السورية فترة تزيد عن العام ، تكاد تكون معدومة .
عند انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 ، انسحبت القوات التركية و حلفاءها الألمان من سوريا ، و قد كان تعدادهم قد وصل إلى عشرة آلاف جندي ألماني ، و خمسة عشر ألف جندي تركي ، و حوالي اثنا عشر ألف جندي عربي موالين للعثمانيين ، و قد أقام الجنود الألمان بحلب ما سمي وقتها قشلة الألمان في منطقة مساكن السبيل الحالية ، و هو موقع عسكري تحول إلى ثكنة طارق بن زياد حاليا ، و يجري العمل على تحويله إلى فندق و منتجع في المستقبل القريب .
عندما انسحب الأتراك من دمشق ، سارع الأمير سعيد الجزائري حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، إلى إعلان قيام حكومة عربية بدمشق على كامل أراضي سوريا الطبيعية برئاسته و تحت راية الشريف حسين، ، و كان مقيما في دمشق و يتبع له حوالي الخمسة عشر ألف رجلا من المغاربة و الجزائريين .
وطلب الجزائري من رئيس بلدية بيروت عمر الداعوق رفع العلم العربي فقام برفعه ، كما طلب من بطريرك الموارنة تشكيل حكومة في جبل لبنان مركزها بعبدا و رفع العلم العربي عليها ، فتلكأ بانتظار الدعم الفرنسي الموعود.
كان العلم العربي يحمل ألوانا أربعة ، الأخضر رمزا للفاطميين ، و الأبيض رمزا للامويين ، و الأسود للعباسيين ، و أما الأحمر فهو شعار أسرة الحسين الهاشمية .
و في شتاء عام 1918 ، دخلت من الجنوب قوات الثورة العربية التي تحمل راية الشريف حسين و بقيادة الشريف ناصر شقيق الشريف حسين و عم الأمير فيصل ، و المؤلفة من رجال عدة عشائر عربية أهمها عشيرة الرولا من فخذ عنزة ، بزعامة الأمير منير الشعلان ، وعشيرة الجبور بزعامة الأمير طراد الملحم و المتواجدة حتى الآن في حمص ، و عشيرة عنزة في وادي سرحان في العقبة بزعامة الشيخ عودة بن حرب و غيرها من قوات عشائرية ، و بقيادة غير مباشرة من الضابط البريطاني لورنس ، الشهير بلورنس العرب .
ثم دخل الجنرال البريطاني اللنبي سوريا ، قادما من القدس ، بعدما صرح فيها تصريحه الشهير ( الآن انتهت الحروب الصليبية ) ، و التقى الجيشان في دمشق .
لم يطل عمر حكومة الأمير سعيد الجزائري إلا يوما واحدا فقط، فقد قام لورنس بخلعه ، و تعيين الدمشقي شكري باشا الأيوبي ، و هو من سلالة صلاح الدين ، حاكما عسكريا ، و كان في السبعين من عمره في ذلك الوقت .
دخل الأمير فيصل دمشق و كان شابا في الثالثة و الثلاثين من عمره ، على جواد ابيض يحيط به ألف و خمسمائة فارس ، و استقبلته الجماهير بحماس منقطع النظير .
أفهم الجنرال اللنبي الأمير فيصل بأنه هو القائد العام ، و فيصل هو مجرد قائد في القوات المتحالفة ، و افهمه ان سلطته تنحصر فقط على المناطق الداخلية ، و لا علاقة له بالساحل و ببيروت و جبل لبنان و فلسطين ، و رضخ فيصل أمام الأمر الواقع ، كان قرار اللنبي هو النافذ .
وقد عرف عن فيصل تردده و ضعف إرادته و سرعة تغيير رأيه ، و عدم قبوله الرأي و المشورة ، و تساهله و تسامحه الشديد ، و نبله مع أعدائه ،كان مسرفا مبذرا في إنفاق المال ، محبا لمظاهر التفخيم ، لقد كانت شخصيته أثرة تسحر من حوله ، و لم يعرف عنه انه غضب أبدا ، يأكل قليلا و يدخن كثيرا .
انسحبت القوات التركية شمالا ، و اجتمع القواد الأتراك في فندق بارون بحلب كمقر لقيادة الجيش ، و قام الأتراك بتوزيع كميات من الأموال الذهبية ، مرسلة إليهم من الحكومة التركية بغية دفعها للعشائر العربية قصد كسب ولائها ، وزعوها على جنودهم بدلا من رجال العشائر ، و تنتشر قصة شعبية بين أهالي منطقة كفر حمرة قرب حلب ، ان الجيش التركي دفن هذه الأموال الذهبية في تلك المنطقة ، للعودة إليها لاحقا ، و يأمل الكثير من أهالي المنطقة حتى الآن بالعثور عليها .
و استمرت القوات البريطانية في التقدم شمالا ، حتى التقت بآخر القوات التركية الخارجة من سوريا بقيادة القائد التركي مصطفى كمال الذي لقب لاحقا بأتاتورك ، و قامت معركة عنيفة ، بينها و بين الجيش البريطاني قرب حلب في منطقة سميت فيما بعد قبر الإنكليزي ، و ضمت القوات البريطانية المقاتلة جنودا إنكليز و هنود و استراليون .

و قبر الإنكليز هو في الحقيقة نصب تذكاري لجنود اللواء الهندي الخيال الخامس عشر ، الذين توفوا في تلك المعركة في نهاية عام 1918 ، مع قائدهم الجنرال هولدين ، و ذلك النصب معروف باسم قبر الإنكليزي رغم عدم وجود قبر فيه ، و تلك المعركة كانت آخر معارك الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط .
و قد دفن قتلى الجيش البريطاني في مدفن خاص ، يقع حاليا أمام معمل العوارض الإسمنتية بداية حي الشيخ مقصود ، و كان من بين القتلى جنود هنود مسلمين ، دفنوا إلى جانب الجنود الإنكليز و الاستراليين ، مع وضع إشارة الهلال على قبورهم لتمييزها .
و تقوم الجالية البريطانية سنويا حتى هذا التاريخ، و بحضور السفير البريطاني ، في الساعة الحادية عشرة في يوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر ، و هو تاريخ إعلان نهاية الحرب العالمية الأولى بزيارة هذه القبور و وضع الزهور عليها.
عندما دخل الشريف مطر قائد القوات العربية حلب ، عين كامل باشا القدسي واليا عليها ، و هو من أشراف حلب ، و من ذات العائلة التي أنجبت الدكتور ناظم القدسي الذي تسلم لاحقا رئاسة الجمهورية السورية ، أما الجنرال اللنبي ، فقد عين الضابط العراقي الموالي للبريطانيين جعفر العسكري حاكما عسكريا فعليا بدلا من كامل باشا القدسي .
أما في منطقة الاسكندرونة فقد قام إبراهيم هنانو ، و كان أمين سر ولاية حلب بتشكيل حكومة و جيش صغير تحت علم الشريف حسين في بلدته كفر تخاريم و تقع على الحدود التركية الحالية ، و دخلت قواته إنطاكية و رفعت عليها العلم العربي .

و حمى هنانو ، الذي كان متزوجا من سيدة تركية ، الجنود الأتراك المنسحبين ، و منع تمزيق العلم التركي ، و قال : ( ان هذا العلم أظل العرب و المسلمين ستة قرون و يجب ان يبقى محترما ، و الشعب التركي أخ للشعب العربي و ان تفرقا ) ، و قد قدر له الأتراك موقفه هذا لاحقا و دعموا ثورته ضد الفرنسيين .
وفي حماه تشكلت لجنة من الوجهاء وانتخبوا بدر الدين الكيلاني رئيسا لحكومة محلية ريثما يدخل الجيش العربي حماة ، و طلب الكيلاني من سامي الحراكي تشكيل حكومة عربية في معرة النعمان التي كانت تابعة إلى حماة ، و في حمص تشكلت حكومة محلية برئاسة عمر الاتاسي ، و كان من أعضائها رجل الدين المسيحي الوطني : الخوري عيسى اسعد .
و كانت القوات الفرنسية قد بدأت بالوفود إلى سواحل سوريا و استلام المواقع من الجنود الإنكليز ، و تمركزت قيادتها في جزيرة أرواد ، و استقرت في ميناء اسكندرونة شمالا، و احتلت بيروت جنوبا ، و لم تدخل العمق السوري .

أما الجنرال اللنبي فقد أمر بإنزال العلم العربي المرفوع في بيروت و كافة المدن الساحلية بعدما احتلتها القوات الفرنسية، فاحتج فيصل على هذه الإهانة و هدد بالاستقالة ، فنصح مستشارو اللنبي بمهادنة فيصل ، خوفا من إثارة المتاعب مع الأهالي ، فأبلغ اللنبي فيصلا ان هذه الإجراءات مؤقتة و سينظر بالأمر لاحقا ، و انطلت الخدعة على فيصل .
و طلب اللنبي من فيصل إصدار الأوامر لهنانو كي تسلم الحكومة العربية في إنطاكية المدينة للفرنسيين ، فامتثل هنانو لأوامر فيصل بعدا اقنعه ان الوجود الفرنسي مؤقت .
و شكل فيصل أول حكومة عربية صورية لم تكتب لها الحياة الفعلية ، و رئسها الضابط السابق في الجيش العثماني ، الدمشقي علي رضا الركابي ، و ضمت ثلاثة وزراء من جبل لبنان ، و وزير من بيروت ، و وزير من دمشق ، و ساطع الحصري من حلب ، و وزير الدفاع من العراق ، محاولا الإيحاء ان هذه الحكومة تمثل سوريا الكبرى و ليست حكومة على الأجزاء الداخلية من سوريا .
و كان تعداد جيش فيصل يبلغ حوالي الثمانية آلاف و خمسمائة رجل ،و عندما حاول وزير الدفاع تسليحهم رفض البريطانيون إمدادهم بالسلاح .
و جال فيصل على المدن السورية و في زيارته لحلب شتاء عام 1918 خطب فقال : ( ان لحكومات فرنسا و بريطانيا اليد البيضاء في مساعدتنا ، و لا ينسى العرب فضل معاونتهم ) .
ثم توجه من حلب إلى طرابلس حيث قوبل بحماس منقطع النظير ، أكد خلاله أهالي طرابلس أنهم جزء من سوريا ، و عندما
وصل إلى بيروت ، لم يكن لجميع الأهالي ذات الحماس ، فقد كان بعضهم مواليا لفرنسا بشكل كامل .
و دعي فيصل نهاية عام 1918 إلى أوروبا للمشاركة في مؤتمر الصلح الذي انعقد بعد الحرب العالمية ، فغادر بيروت باتجاه مرسيليا في فرنسا ، و التقى فيها مع لورنس قادما من انكلترا ، و كان لورنس مرتديا الزي العربي ، فرفض الفرنسيون استقبال لورنس رسميا ما لم يرتدي الزي العسكري البريطاني بصفته ضابطا بريطانيا لا عربيا ، فما كان من لورنس إلا ان غادر فرنسا الى انكلترا ، بعدما رد الوسام الذي قلده إياه الفرنسيون سابقا أثناء الحرب ، و تابع فيصل زيارته لفرنسا من دونه ، حيث قلده الجنرال الفرنسي غورو وساما رفيعا في ستراسبورغ على الحدود الالمانية .
و كان لهذه الحركة من لورنس بعدما رفض خلع الرداء العربي ، التأثير الكبير على الأمير فيصل ، و يبدو ان لورنس كان يعرف كيف يؤثر على فيصل .
شعر فيصل بالشك تجاه نوايا الفرنسيين خلال زيارته لباريس ، و عندما وصل إلى لندن كان لورنس في استقباله ، و أقام له البريطانيين استقبالا فخما حضره الملك شخصيا ، و بعد شهرين من الإقامة الفخمة في لندن ، بدأ فيصل يرتدي اللباس الأوربي و يتجول في شوارع لندن .
و قد أكد له البريطانيون على حسن نواياهم تجاه سوريا ، بينما كانوا من وراء ظهره يقتسمون ما تبقى من سوريا ،و يقومون بتعديل اتفاقية سايكس بيكو مع الفرنسيين ، و التي ابرمت قبل سنوات في غفلة عن الشريف حسين ، فطلبوا الحصول على الموصل الغني بالنفط ، لقاء ان يتنازلوا للفرنسيين عن كيليكيا ، و قبل الفرنسيون بذلك .
و قد نظم لورنس لقاءً بين فيصل و زعماء الحركة الصهيونية بزعامة وايزمن ، الذين أكدوا له ان هجرة اليهود لفلسطين هي هجرة عادية طالبين المساواة مع السكان و المساهمة في الاعمار ، و أنهم لا ينوون أبدا إقامة دولة يهودية فيها ، و صدق فيصل ذلك .
و عندما انعقد مؤتمر الصلح في باريس ، رفض الفرنسيون اعتبار فيصل ممثلا عن سوريا ، و اكتفوا باعتباره ممثلا عن الحجاز ، و كان الحل ان يكون هناك ممثلين اثنين ، واحدا عن الحجاز و الآخر عن سوريا ، و شارك في المؤتمر سبعا و عشرين دولة أهمها بريطانيا و فرنسا و الولايات المتحدة .
و طرح فيصل خلال المؤتمر طروحات جديدة ، هي إقامة ثلاث حكومات عربية : الأولى في الحجاز و الثانية في سوريا و الثالثة في العراق ، و طرح نفسه قائدا لثورة سورّية مستقلة عن ثورة الحجاز ، و استثنى فلسطين من سوريا ، و قال انه لا مانع ان تكون تحت وصاية دولة كبرى ، و اقترح الأمريكيون نظام الانتداب على الدول، و تقرر هذا النظام ، كما اقترحوا إرسال لجنة لاستفتاء الشعب حول رغباتهم السياسية ، و أي دولة يرغب السوريون بأن تكون منتدبة عليهم .
و وافق الفرنسيون و البريطانيون مكرهين ، على إرسال لجنة أمريكية لمعرفة رغبات الشعب السياسية ، و كان أعضاءها من الأمريكيين فقط ، و عندما شعر البريطانيون بخطر اللجنة الأمريكية ، سارع لورنس بإقناع فيصل بتجاهل عمل اللجنة و الاتفاق مع فرنسا مباشرة .
أجزل الفرنسيون الوعود لفيصل ، و طلبوا منه قبول سحب الجنود البريطانيين ، و إحلال جنود فرنسيين بدلا عنهم و رفع العلم الفرنسي ، مقابل إعلان استقلال سوريا ، و قبول فرنسا به ، و طبعا كان هذا العرض مكشوفا ، فكيف يعلن عن استقلال دولة سورية ، جنودها فرنسيون و علمها فرنسي ، و حاول فيصل المماطلة حتى ظهور نتائج اللجنة الأمريكية .
بعد خمسة أشهر من الإقامة في أوربا ، عاد فيصل إلى بيروت ، و استقبلته الجماهير استقبالا شعبيا حافلا ، و أطلقت له القوات البريطانية المدافع ترحيبا به .
و فيصل أمام الجماهير العربية غير فيصل أمام دهاة الساسة الإنكليز و الفرنسيين ، فقد صرح تصاريح نارية أمام الجماهير مثل ( ان كل من يطلب معونة إنكلترا او فرنسا او أمريكا فليس منا ، و لا بد من الاستقلال المطلق ) ، و قال ان مؤتمر الصلح اقر الاستقلال و لكنه لم يأت على ذكر ما يخص الانتداب إلا لاحقا و أمام الخاصة من رجاله ، و قال كلمته المشهورة ( الاستقلال يؤخذ و لا يعطى ) .
و عندما وصل لدمشق ربيع عام 1919 ، استقبلته الجماهير استقبالا منقطع النظير ، و أعد له الدمشقيون عربة تجرها ثمانية خيول سروجها من الذهب و الفضة و زينت جوانبها بالمجوهرات التي تبرعت بها السيدات الدمشقيات ، و قدم الدمشقيون خمس و عشرون ألف سجادة لفرش الطريق ، و عرقلت الورود الملقاة عليه مسير الموكب من كثرتها .

أطلق فيصل للمرة الأولى اصطلاح ( الأمة السورية ) المستقلة عن الحجاز ، و تعالت الهتافات بالموافقة ، و بايعته وفود بيروت و صيدا و فلسطين و دمشق و حمص و حماه و حلب و طرابلس و وفود العشائر ..و غيرها من وفود ، و لم يذكر للوفود الفلسطينية أن فلسطين استثنيت من الدولة السورية .
و بدأت الصراعات الخفية بين الرجال القادمين مع فيصل من هاشميي الحجاز و رجال العشائر و ضباط الجيش العربي و أغلبهم من العراقيين الموالين لإنكلترا ، و بين الرجال السوريين الذين كانوا يعملون سابقا تحت ظل الحكم التركي ، و التف السوريون حول الضابط الدمشقي الشاب يوسف العظمة البالغ الخامسة و الثلاثين من عمره فقط ، و الذي كان ضابطا في الجيش العثماني و درس أركان حرب في ألمانيا ، و حارب سابقا في أرجاء الإمبراطورية العثمانية ، و كان متزوجا من سيدة تركية ، و له منها ابنة واحدة اسمها ليلى .
قرر فيصل في بداية صيف عام 1919 ، الدعوة لانتخاب مجلس نيابي، أسوة بما شاهده في أوربا ، و اسماه المؤتمر السوري ، و كان اغلب أعضاؤه من نواب البلاد السابقين إلى مجلس المبعوثان العثماني ، و بلغ عددهم خمسة و ثمانون عضوا ، من دمشق و شرق الأردن و إنطاكية و بيروت و طرابلس و جبل لبنان و فلسطين و حلب و حماه و حمص و دير الزور و جبل الدروز ، لقد كان حقا المجلس الوحيد في التاريخ الذي مثل أعضاءه مواطني سورية الطبيعية بالكامل و لم يتكرر بعدها.
ومن أعضاء المؤتمر السوري الذين كان لهم دور كبير لاحق في التاريخ السوري : تاج الدين الحسيني و فوزي العظم والد خالد العظم ممثلين عن دمشق، إبراهيم هنانو ممثلا عن قضاء حارم ، و سعد الله الجابري و رضا الرفاعي و مرعي باشا الملاح و الدكتور عبد الرحمن كيالي ممثلين عن حلب ، حكمت الحراكي ممثلا عن المعرة، عبدالقادر الكيلاني ممثلا عن حماة، أمين الحسيني ممثلا عن القدس.
و انتخب الزعيم الحمصي هاشم الاتاسي رئيسا للمؤتمر ، ومرعي باشا الملاح ويوسف الحكيم نائبي رئيس .
كانت مهمة المؤتمر وضع قانون أساسي للبلاد و سمي لاحقا ( الدستور ) ، و كانت غاية فيصل من المؤتمر أن يبين بوضوح للجنة الأمريكية القادمة ، إجماع مواطني سوريا الطبيعية على قبول حكمه ، و إنهاء فكرة الوحدة مع الحجاز ، و إظهار رفض الشعب للانتداب الفرنسي .
و قرر المؤتمر المطالبة بوحدة سورية و استقلالها ، و قبول انتداب أمريكا او بريطانيا ، و رفض الانتداب الفرنسي ، و لكن على ان يكون مفهوم الانتداب هو المساعدة الفنية فقط .
و أعلن بطريرك الموارنة حويك في جبل لبنان عدم رغبته بالانضمام للدولة السورية و قبوله الانتداب الفرنسي ، و اعتبار العيد الوطني الفرنسي عيدا وطنيا في جبل لبنان ، و بدء يطالب بتوسيع أراضيه لتشمل البقاع و طرابلس و بيروت و غيرها من أراض كانت سورية حتى ذلك التاريخ ، و صرح من باريس : أن لبنان يفضل الموت جوعا في ظل صخوره على ان يكون تابعا لدمشق .
قام الفرنسيون بمحاولة إثارة النعرات الطائفية لكي يثيروا حفيظة المسيحيين في باقي أجزاء سوريا ، ليرفضوا امام اللجنة الأمريكية الحكم العربي و يقبلوا بالانتداب الفرنسي ،و ذلك بالترويج ان جيش الحجاز هو جيش ديني ، ، و كان موقف مطران السريان أفرام برصوم في دمشق حازما واضحا ، مخالفا لموقف بطريرك الموارنة في جبل لبنان ، حين أعلن : ( لا تمنعني مسيحيتي من اعتناق مذهب الوحدة العربية الذي يجمع البلاد في الإخاء و المساواة ) ، كما قام بطريرك الارثوذكس بإقامة الصلاة للدعاء للحسين و جيشه و الحكام العرب .
و عندما فشل الفرنسيون طائفيا تحركوا باتجاه العشائر ، و وقعوا مع الأمير مجحم بن مهيد أحد شيوخ عنزة ، و هي عشيرة بدوية تقطن البادية السورية ، اتفاقية تعهد فيها الأمير بقبول الانتداب الفرنسي لقاء مزايا خاصة ( أموال ذهبية و وعد بتقليده ارفع وسام فرنسي و عرضه كبديل عن فيصل في سوريا ) ، و قد قامت الحكومة العربية باعتقاله لهذا السبب ثم أطلقت سراحه تحت الضغوط .
تأخرت اللجنة الأمريكية بالوصول ، بسبب العرقلة البريطانية الفرنسية ، و هدد فيصل بإعلان الاستقلال ، فكان رد الجنرال البريطاني اللنبي قاسيا ، و هدده بقيام مواجهة بين القوات الفرنسية و البريطانية معا مع القوات العربية الفيصلية لسحقها ، و صرح علانية ان بريطانيا لا ترغب بالانتداب على سوريا ، و لكنه عاد و تبسط معه و أكد له ان اللجنة قادمة .
و وصلت اللجنة ، و التقت أعضاء المؤتمر السوري و زارت مختلف المدن السورية و استغرق منها الأمر طوال الصيف ، و تقدم الأهالي بعريضة موقعة من ثلاثمائة ألف مواطن تؤيد المطالب الوطنية لرجال المؤتمر ، و لكن سرعان ما تبين للجميع أنها لجنة صورية و قراراتها غير ملزمة لأحد ، و طوي تقريرها في الأدراج .
في نهاية صيف عام 1919، قام فيصل في محاولة ضعيفة لبسط سلطته ، بتشكيل حكومة إدارية مدنية تحت رئاسته ، اسماها مجلس المديرين بدلا من اسم مجلس الوزراء ، و رغب فيصل ان تكون هذه الحكومة بديلة عن الحاكم العسكري الذي كان تحت سلطة الجنرال اللنبي ، طوال هذا الوقت.
رفض اللنبي هذه الحكومة ، و تراجع فيصل ليعلن انه مجرد مجلس استشاري ، و اعلم البريطانيون فيصل صراحة أنهم سيعملون على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، و ان اللنبي هو المسئول الوحيد و الأعلى، و انه لا قيمة لمجلس المديرين و عندما رفض فيصل ما صرح به البريطانيون ، أعلموه ان أي مقاومة منه ستقمع بالقوة .
سافر الجنرال اللنبي إلى إنكلترا ،خريف عام 1919 ، و نصح باستقدام فيصل إلى أوربا للاتفاق معه نهائيا، و تبلغ فيصل ضرورة قدومه بسرعة و قبل السادس عشر من أيلول ، لحضور جلسات الاتفاق بين البريطانيين و الفرنسيين حول سوريا ، و فعلا سافر فيصل مرة أخرى إلى مرسيليا بالبحر على متن سفينة حربية بريطانية ، و لكن السفينة أخذت تتباطأ ، و رست في مالطا بحجة الإصلاح ، و أقام حاكم مالطا برنامجا حافلا لفيصل قصد تأخيره ، و عندما وصل أخيرا إلى مرسيليا أدرك ان الأمر قد انتهى ، و كان الاتفاق قد تم توقيعه ، و عندما وصل إلى لندن لم يجد أمامه إلا الاستقبالات الفخمة المليئة بالبذخ و الترف و الحفلات المقامة على شرفه .
أفهم الإنكليز فيصل ان علاقته من الآن باتت مع الفرنسيين ، و أنهم سيتوقفون عن دفع نفقات الحكومة العربية البالغة مائة و خمسون ألف جنيه ذهبي شهريا ، و ان قواتهم ستنسحب في نهاية عام 1919 باتجاه العراق و الأردن و فلسطين ، من دمشق و حمص و حماه و حلب ، و ستدخل القوات الفرنسية بدلا عنها .

صدرت الصحف الفرنسية لتقول : يجب ان تنتهي مهزلة فيصل ، فمن هو فيصل بالنسبة للفرنسيين او السوريين ، هو رجل من قش ، صنعته بريطانيا ، فإذا أرادت ان تعطيه مملكة فلتنصبه ملكا في بغداد .
و عندما وصلت الأخبار إلى السوريين زاد الهياج العام ، و تنادى الناس إلى حمل السلاح ، و نادى آخرون بالاتصال بالقائد التركي مصطفى كمال الذي استطاع صد الحلفاء عن وطنه تركيا لطلب المعونة .
نشبت الثورات الوطنية المدعومة سراً من فيصل ، كثورة الشيخ صالح العلي في الساحل ضد القوات الفرنسية ، و قامت ثورة صبحي بركات في إنطاكية ، الذي استطاع الفرنسيون فيما بعد استمالته إليهم بعدما و عدوه بالمناصب و سلموه لاحقا رئاسة اتحاد الدول السورية ، و قامت ثورة إبراهيم هنانو في جبل الزاوية و التي مدها الأتراك بالرجال و العتاد ، و تعاونت مع ثورة صالح العلي ،كما ثار الدنادشة في منطقة تلكلخ ، و ثار غيرهم من الثوار الكثير .
و حاول قائد الجيش ياسين الهاشمي و هو ضابط عثماني سابق من بغداد ، تسليح رجاله ، و أعلنت الحكومة التجنيد الإجباري، و بلغ تعداد الجيش العربي حوالي خمسة عشر ألف جندياً ، و لكن تسليحهم كان رديئا ، و كانوا أشبه بجنود درك و ليسوا بجنود جيش .
قام الإنكليز ردا على إعلان التجنيد العام ، بالقبض على ياسين الهاشمي قائد الجيش العربي ، فرفعت اللافتات في الشوارع تقول لفيصل : ( أين قائد جيشك يا أمير ) ، و لم يستطع فيصل فعل شيء، فعمت الإضرابات و قامت المظاهرات .
و تحرك الأمير رمضان شلاش و هو شيخ عشيرة البوسرايا في منطقة دير الزور ، و كان ضابطا في الجيش العثماني ، فقبض على الحامية الانكليزية ، و أعلن الثورة ، فما كان من فيصل إلا ان تدخل و طلب من شلاش إطلاق الجنود الإنكليز ، و موافاته في دمشق .
انسحبت القوات البريطانية من الداخل السوري في الشهر الحادي عشر من عام 1919 ، بعد تواجد دام حوالي العام كان للإنكليز خلاله اليد الطولى في حكم البلاد بشكل مباشر ، و تعيين الحكام العسكريين و فرض إرادتهم ، و كانت سلطة الملك فيصل صورية لا قيمة لها .
بعدما خدع البريطانيون فيصل ، و من قبله والده الشريف حسين ، المرة بعد المرة ، فكانوا ينظمون له الاستقبالات الفخمة و ينفقون عليه الأموال الطائلة ، و يقسمون سورية من وراء ظهره .
و يبدو ان الامير فيصل الذي نصب ملكا لفترة قصيرة بعدها على سوريا ، كان يسعى منذ البداية إلى كرسي الملك ، متجاهلا المصالح الوطنية ، فقد غادر سوريا فورا ، صيف عام 1920 و بعد عشرين شهرا من دخولها مع قواته ، و ذلك عندما دخلها المحتلون الفرنسيون ، لينصبه الإنكليز لاحقا ملكا على العراق.
و ما أشبه اليوم بالأمس ، فما زال بعض زعماء لبنان بعد مرور حوالي المائة عام ، يتقلبون في ردهات قصور فرنسا و إنكلترا و الولايات المتحدة ، يتفقون مع سياسيوها بغير ما يصرحون به لمواطنيهم ، و ما زال بعض زعماء العراق و فلسطين و غيرهم ، يسيرون على ذات الركب ، اعتقادا منهم ان أصحاب هذه القصور هم من سيعطونهم الاستقلال ، و ينصبونهم على كراسي الحكم في بلادهم ، و النتائج معروفة ، ومن يقرأ التاريخ يعتبر .
** علاء السيد محامي سوري

المراجع :

- تاريخ سورية 1918-1920: الدكتور علي سلطان مدرس التاريخ الحديث في جامعة بروفانس بفرنسا ،طبعة عام 1987.
-تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي : أدهم آل جندي ، طبعة عام 1960
- مقررات حكومة سوريا : يوسف صادر ،طبعة عام 1933
- كفاح الشعب العربي السوري : إحسان الهندي طبعة عام 1962
- المذكرات : محمد كرد علي .
- أعمدة الحكمة السبعة : ت . أ. لورنس .
- شعاع قبل الفجر مذكرات احمد السياف : تحقيق جمال باروت .
- حلب في مائة عام : فؤاد عنتابي و نجوى عثمان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.