إن ما يحدث في قطاع غزة محرقة ومذبحة حقيقية من قبل كيان صهيوني لا يفرق بين البشر والشجر والحجر، وبين الرضيع والطفل والنساء والشيوخ، والمريض والمدني والمقاوم ... فالكل مستهدف!! ومما يجعل العدو الإسرائيلي يتمادى في جرائمه.. صمت ومجاملة المجتمع الدولي، وغياب ضمير النظام العربي "الشريك بالمجزرة بصمته وذله وهوانه" الذي أصبح لا يتأثر بما يحدث من مجازر وإرهاب من قبل الدولة الصهيونية على الشعب الفلسطيني، وما يتم نشره من صور للقتلى والأشلاء والدماء وصرخات الثكلى من النساء!!
لم تستخدم إسرائيل الطائرات والدبابات والزج بأفراد جيشها، وتستخدم جميع أنواع الأسلحة المتطورة القاتلة بهمجية، وترتكب المزيد من المجازر المروعة لتضاف إلى سجلها التاريخي المليء بالجرائم الإنسانية عبر قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير المنازل والأراضي في فلسطين وبالذات في قطاع غزة (بدعم أمريكي واضح، وتأييد من قبل بعض القوى في المنطقة) لمجرد منع إطلاق عدد من الصواريخ البسيطة المتواضعة نحو مستعمراتها فقط.
بل إن إسرائيل تنظر لتلك الصواريخ مهما كانت متواضعة بأنها رسائل خطيرة تهدد استقرارها ووجودها، كما انها تزعج أمريكا والدول الداعمة للكيان الصهيوني الغاصب... فتلك الرسائل تعبير بان قلب فلسطين لازال نابضا وان إرادة المقاومة والصمود لاسترداد الأرض المحتلة لازالت قائمة رغم السنين والظروف، وهذا حتما أمر خطير بالنسبة لإسرائيل لاسيما ان جيش الكيان الصهيوني تعرض إلى هزيمة عسكرية وهزة نفسية في حرب تموز 2006م ويبحث عن حرب جديدة وانتصار جديد وحاسم لإعادة الهيبة لجيشه.
السبب الحقيقي والرئيس وراء المحرقة على قطاع غزة هو القضاء على ما تبقى للشعب الفلسطيني من خيار لإثبات حقه ومظلوميته وقضيته وحق العودة إلى أرضه، وهو خيار المقاومة الخيار الطبيعي لمن احتلت أرضه، وهجر من بلده إلى بقاع الأرض بعدما أثبت قدرته على الصمود والمواجهة والتأثير على قوات الاحتلال رغم الظروف والأزمات والضغوط من قوى المنطقة وتأتي هذه المحرقة الدموية الصهيونية "بعدما فشلت جميع أساليب الحصار والتضييق وقطع الأرزاق والتجويع، وعزل القطاع عن العالم وتحويله إلى سجن كبير بمشاركة بعض أنظمة المنطقة من القضاء على المقاومة ".
بالإضافة إلى استياء الشعب بعدم الحصول على أي فائدة من التنازلات تلو التنازلات وإبرام الاتفاقيات وحضور المؤتمرات باسم السلام (ليتمكن من إقامة دولة فلسطينية حقيقية على بعض أراضي فلسطينالمحتلة) سوى المزيد الضياع والتشتت وتمزيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، والاتفاق على القضاء على كل أشكال المقاومة الشريفة، والنيل منها وإخضاعها وإذلالها، وإخماد ما تبقى من صوت حقيقي مخلص للقضية الفلسطينية، وفرض أجندة جديدة على الشعب الفلسطيني.
المحرقة التي تنفذها القوات الصهيونية الإسرائيلية في قطاع غزة لم تكن أمرا سريا لاسيما ان نائب وزير دفاعها متان فيلنائي صرح بتنفيذ عملية المحرقة "هولوكوست" ضد الشعب الفلسطينيين في قطاع غزة .. أي ان السلطة الفلسطينية في الضفة والأنظمة العربية على علم بما سيحصل، وكذلك الدول الغربية بالخصوص أمريكا التي أيدت العملية وأشرفت على تخطيطها وجلبت بوارجها وبواخرها إلى المنطقة لمنع أي من كان التدخل وتعثير المهمة الصهيونية في غزة، ولتكون عملية وسريعة وذات نتائج مثمرة بالقضاء على حركات المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد وبقية الفصائل التي تؤمن بخيار المقاومة... ، ولكي لا يتكرر سيناريو الفشل الذريع في حرب تموز 2006م.
بل هناك شركاء لهذا المجزرة الوحشية من قبل بعض الدول والفصائل الرافضة لأسلوب المقاومة، من خلال التزامها بالصمت طوال الأيام الأولى للمحرقة الإسرائيلية وكأنها تنتظر نتائج الحاسم والقضاء على المقاومة، "الثمن الذي تسعى إليه إسرائيل وأمريكا والسلطة وبعض أنظمة المنطقة" ولكن قدرة أفراد المقاومة على الصمود، وارتفاع حصيلة الضحايا بين المدنين وبالذات بين الأطفال والنساء والشيوخ، وتسرب الأخبار المأسوية وانتشار الصورة المؤثرة؛ أحرجت تلك الأنظمة والسلطة أمام شعوبها الملتهبة المتأثرة لما يحدث لإخوانهم، والرافضة لموقف الأنظمة الذليلة والعاجزة والفاقدة للقدرة على ردع الغرور الإسرائيلي, والتي لا تخجل من ترديد اسطوانة التبجح بخيار السلام والالتزام بالاتفاقيات مع عدو لا يحترم الاتفاقيات, ولا يعترف إلا بلغة القوة والتدمير والقتل والدم.