عبد الرحيم ريحان فى السفر سبع فوائد وفى العلاقات الثقافية بين الشعوب عدة فوائد فعن طريق التعرف على ثقافات هذه الشعوب وعاداتها وتقاليدها يمكننا دراسة سر تقدم شعب عن آخر وننقل عنها أفضل ما فيها مما يتوافق مع قيمنا وأخلاقنا الشرقية
والبعثة اليابانية الأثرية التى تعمل بمدينة طور سيناء منذ عام 1984 هى نموذجً متكامل للحياة اليابانية فى العمل وأسلوب التعامل مع المجتمع والبيئة ونوعية الطعام الذي يفضلونه وتفاصيل حياتهم المعيشية والذى عن طريقها نعلم سر نجاحهم وسبب تقدمهم فى فترة وجيزة
يخلد أفراد البعثة للنوم يومياً فى العاشرة مساءاً عدا يوم الخميس حيث العطلة الإسبوعية الجمعة ويستيقظوا فى الخامسة صباحاً ثم يتناولوا إفطاراً خفيفاً فى الخامسة والنصف يستغرق 15 دقيقة فقط يكون الجميع جاهزاً للتوجه للعمل الأثرى منهم من هو فى موقع الحفر وآخرون فى صالة الدراسة .
ويبدأ العمل في السادسة صباحاً وفى العاشرة صباحاً يتناول الجميع الإفطار الثانى وتكون الوجبة الرئيسية فيه ملوخية والتي يعشقها د. كاواتوكو رئيس البعثة وبالتالى يجب أن يأكل منها الجميع ويكون إلى جانب الملوخية أحياناً كوسة أو عدس أو خضار آخر ولكن الملوخية هى الطبق الرئيس مع قطعة لحم بلدى صغيرة 50 جرام و خبز بلدى من مخابز الطور مع تناول عصير فاكهة.
ثم يبدأ العمل فى العاشرة والنصف حتى الثانية عشر ظهراً وميعاد الغذاء فى الواحدة بعد الظهر حيث يتناولوا الأطعمة اليابانية بعدها يحتسوا كوباً من الشاى الأخضر ثم ينام الجميع ليستيقظوا فى الثالثة عصراً للعمل فى صالات الدراسة كل فى تخصصه وميعاد العشاء فى الثامنة مساءاً.
ويعمل مع اليابانيون مجموعة من العمال المدربين على أعمال الحفر بشكل جيد يطلق عليهم عمال فنيون يقومون بأعمال الحفر يعاونهم مجموعة من العمال لنقل الرديم المستخرج من الحفر للموقع الخاص به وأغلب هؤلاء العمال من قرية قوص بقنا لخبرتهم الطويلة فى العمل الأثرى
وتتكون البعثة من أفراد متخصصين فى العمل الأثرى منهم الآثاريون والمهندسون وعلماء تاريخ الفن وأخصائيو ترميم لكل أنواع المنقولات الأثرية التى تستخرج من الحفائر منها الوثائق والخزف بأنواعه والعملات والزجاج وغيرها ويقوم اليابانيون بتقسيم موقع الحفر إلى مربعات ويتم العمل بنظام رفع طبقات من الرديم طبقة وراء أخرى وفى نهاية كل يوم يتم رفع الموقع المحفور هندسياً وتحديد الطبقة التى تم رفعها وقياس ارتفاع الموقع المحفور عن سطح البحر يومياً .
وتتحدد على هذه المخططات الهندسية اليومية المواقع التى تم استخراج منقولات منها ويحرص اليابانيون على تسجيل كل المنقولات يومياً ولا يتركوا أى شئ يعثر عليه مهما قلت قيمته المادية من كسر فخار عادى أو حبة فول أو قمح مثلاً أو خرزة صغيرة لا تتعدى 1م أو جزء من قماش بالى أو حصير وغيرها لأن كل هذا يحفظ فى مخازن البعثة بالطور ويخضع للدراسة .
لأن المنقولات الأثرية لا تقيم بقيمتها المادية ولكن بقيمتها الأثرية ودلالاتها التاريخية فى الكشف عن المعالم الحضارية للمواقع الأثرية المكتشفة كما أن المبانى المكتشفة تخضع لأعمال الترميم والتدعيم الفورى حتى لا تتأثر بفعل عوامل التعرية بعد كشفها وكذلك القطع الأثرية المكتشفة أما العملات فيتم وضعها فى محاليل معينة لمدة أيام لإزالة طبقة الصدأ من عليها .
هناك صفة حميدة فى كل اليابانيين وهى احترام النظام واحترام القيادة ولا يتم أى عمل إلا باجتماع أعضاء البعثة يومياً لمناقشة ما تم كشفه ووضع خطة اليوم التالى وبعد المشورة لا يتم عمل إلا ما يوافق عليه رئيس البعثة نفسه د. كاواتوكوا الذى يحترمه الجميع ويطيع أوامره .
كما أن احترام العامل يعد جزءاً أساسياً من الطبيعة اليابانية فمن الممكن أن يتوقف العمل بالكامل لو مرض أحد العمال الذى يقوم بتسوية الرديم المستخرج بشكل مصطبة يومياً فلكل عامل احترامه ومكانته لدرجة أن رئيس البعثة أرسل رئيس العمال إلى اليابان ليلقى محاضرة عن أعمال الحفر ولا يظلم عامل أبداً فى أجره .
كما أن الالتزام بدقة المواعيد هو العامل الرئيس فى العمل والالتزام بأى كلمة يقطعها الإنسان على نفسه مهما كلفته وكل عامل له مهمة محددة وموقع معين يومياً يجب أن ينجزه وفقاً للخطة الموضوعة من السادسة حتى الثانية عشر ظهراً .
وتقوم بعثة الآثار اليابانية بطور سيناء بالعمل موسمين كل عام موسم حفائر أثرية ويكون من شهر يوليو إلى سبتمبر وموسم دراسة علمية ويكون فى شهر يناير ويعيشون فى استراحة يسقفها مجموعة من القباب مما يجعلها مبى متميز يقع بحى الكيلانى ويعرفه كل أهالى الطور.
وقبل الدخول للاستراحة يفرض على الجميع سواء يابانيون أو مصريون أو ضيوف بخلع الحذاء ووضعه فى مكان معين واستبداله بحذاء خفيف يتجول به داخل الاستراحة كنوع من احترام المكان والمحافظة على نظافته وعند خروجه يحدث العكس .
ولا يستعمل اليابانيون المبيدات الحشرية نهائياً بل يقومون باصطياد الذباب الذى يزعجهم فى الاستراحة عن طريق مضارب بلاستيك خفيفة لا تخلو أيدى أحدهم منها طوال الوقت وأفراد البعثة متعاونون ويحرصون على تعلم اللغة العربية وعلى رأسهم د. كاواتوكوا رئيس البعثة والذى يجيدها بطلاقة .
وهم متواضعون ويدركون تماماً أنهم يعملون فى آثار مصرية والمصرى هو الأكثر علماً بها لذلك يرجعون إليه فى أى معلومات من وقت لآخر ولكن لا يمكن التحدث مع أى شخص أثناء العمل وفى الضرورة يتم مخاطبة رئيس البعثة بالمطلوب فورياً ويتم تنفيذه .
ويرافق البعثة فى كل موسم أثرى يختلف من موسم لآخر يشرف على كل أعمال البعثة من الألف إلى الياء ولا يتم أى شئ دون موافقته بالتنسيق مع قياداته بالمنطقه وبالمجلس الأعلى للآثار وكل الجهات المختصة بطور سيناء .
ولا يحق لهم بالطبع كأي بعثة أجنبية تعمل فى مصر فى أى شئ من الآثار المكتشفة وكذلك لا يحق لهم تحليل أى عينات من التربة خارج المجلس الأعلى للآثار أو أى دراسات خاصة بأعمال دراسة الرفات المكتشفة إلا تحت إشراف طبيب مصرى متخصص ولا تتم أى أعمال ترميم إلا تحت إشراف الإدارة المختصة بالمجلس الأعلى للآثار.
ويشرف على كل هذا الأثري المرافق للبعثة والذى يحصل على حقوقه المادية من المجلس الأعلى للآثار وعلاقته بالبعثة هى علاقة علمية رقابية على كل الأعمال أما الذى يحق للبعثة فهو النشر العلمى فقط لناتج أعمال الحفر والمكتشفات والدراسات الخاصة بهم مع تسليم المجلس الأعلى للآثار تقارير سنوية عن ما تم من أعمال وخططهم للأعمال المستقبلية .
يشرف على إعداد الأطباق اليابانية الشيف محمد رمضان محمود الذى يعمل معهم منذ 18 عاما وتعلم منهم حتى أتقن مهنته ويشرف على إعداد الطعام لكبار الشخصيات بالسفارة اليابانية بالقاهرة والأطعمة اليابانية عموماً تخفض الكولسترول فى الدم وتحمى من أمراض ضغط الدم والسكر ولا تؤدى إلى التخمة مهما تناولت منها .
وأفضل الأطباق اليابانية طبق يعشقه اليابانيون يطلق عليه (سكياكى) مكوناته من لحم + أرز + بصل + جزر+ توفو+ هرسمى + بصل أخضر ويتم بتشويح اللحم ثم طهيه ويضاف إليه شويو + ساكى + ملين + أونداشى وهى بهارات يضاف إليها المكونات السابقة .
كما يحرص اليابانيون على تناول الكارى يوم الجمعة ويكون هناك احتفال كبيروسرور بهذه الوجبة المكونة من اللحم + البطاطس مع الكارى وهذه الوجبة يحرص اليابانيون على عملها بأنفسهم للاحتفاظ بسر المهنة وهذا الكارى يحرص اليابانيون على تناول عدة أطباق منه يتسابقون للحصول عليها .
*كاتب من مصر أمين لجنة الإعلام باتحاد الآثاريين العرب