يعيش الفلسطينيون المكلومون، الذين يتجرعون ليل نهار من كأس الحقد الصهيوني الفاشي مرارة القصف و القتل و الاغتيال و التجريف و الحصار و التخريب الهائل مما تنوء منه الجبال، حياةً لا يُحسَدُونَ عليها. حياتهم مرارة .. حديثهم معاناة .. صمتهم ألم. إذا اتجهوا شرقاً وجدوا عروش فاخرة و كروش باهرة و رؤوس فارغة و شعارات رنانة و ديمقراطية على المقاس و حكامٌ لا يحسنون إلا دور الدُّمَى!!! و إذا اتجهوا غرباً وجدوا أممٌ طامعة و جيوش هادرة و وحوش كاسرة و ديمقراطية كاذبة و أيدي تحرك دماها بالريموت كونترول فهي لها سمعٌ و طاعة.
يُنَفِّذُ اليهود فيهم مذبحة تلو المذبحة تلو المذبحة و لا أحد ينظر إليهم بعين العطف. يموت مرضاهم من وضاعة العلاج و شح الدواء و لا أحد يحرك ساكناً. يموتون جوعاً و يعانون قهراً و لا أحد تتحرك فيه، لا أقول، نخوة المعتصم، بل نخوة أبي جهل. يقتلهم الاحتلال فلا يجدون أحجاراً يبنون بها قبورهم .. يجرحهم الاحتلال فلا يجدون مشفىً يعالجون فيه جراحهم. و إذا وجدوا ذلك في العريش، فإن غرف العمليات مغلفة أمامهم و لا يؤخذ إلى مشافي خارجها إلا من يثبت أنه نظيف أمنياً خوفاً على الأمن القومي. يحرق الاحتلال أثاثهم و ملابسهم، فلا يجدون غيرها ليستروا بها عوراتهم.
ماذا يفعلون إذاً؟؟؟! سؤالٌ إجابته صعبة و خصوصاً في ظل هذا الواقع المرير.
نظروا في الأفق،، فإذا بالقادة العرب يجتمعون، ففرحوا و قالوا لعل هذا الاجتماع يخرق العادة و يلد شيئاً يفك الحصار و يوقف الدمار و يمسح العار .. فرحوا و قالوا لعل دماء الأطفال الرضع الذين لم تبلغ أعمارهم الشهور أو الأسابيع أو لعلي أقول الأيام، لأن أحدهم لم يبلغ إلا يومين فقط، تحرك في العرب النخوة و تلهب المشاعر فيصدر ن اجتماعاتهم ما يزيل الحصار الجائر و يشفي الجرح الغائر.
و لكن على ما يبدوا أن المشاعر فعلاً كانت ملتهبة بشكلٍ مفرط فاحترقت و لم يبقى منها شئ على قيد الحياة بسبب تكرار المشاهد الدامية نفسها منذ ما قبل عام 1948م و حتى اليوم الذي!!!
و فعلاً في هذه المرة حصل شئ غريب لم يكن في الحسبان .. شئٌ لم يخطر على بال قريب أو بعيد حسب التوقعات و الوقائع الموجودة على أرض الواقع.
اجتمع وزراء الخارجية العرب في دمشق بين راغبٍ في الاجتماع و بين مرغمٍ فيه، إلا أنهم اجتمعوا في النهاية و اتخذوا القرار الصعب و هو التلويح بسحب المبادرة العربية التي تمخض عنها اجتماع القمة في بيروت في العام 2002م و الذي لم تعني شيئاً أبداً لا للعالم أو الشرق الأوسط أو للإسرائيليين أو أيضاً الفلسطينيين.
المبادرة التي رد عليها شارون في اليوم التالي مباشرة واصفاً إياها بالخط العريض: "لا تساوي الحبر الذي كتبت به،" و قام مباشرة في اليوم التالي لصدورها بعملية السور الواقي في الضفة الغربية و التي راح ضحيتها ما يقارب من ألف شهيد فلسطيني.
و لم يُعَبِّرها الكيان الصهيوني أبداً فيما بعد و اعتبرها و كأنها شيئاً لم يكن، فلذلك و حتى لو سحبها العرب لا أن يلوحوا بسحبها، فإن ذلك لا و لن يعني شيئاً للكيان الإسرائيلي المحتل. و أيضاً لم و لن يعني شيئاً عندما من يتزعمون الخط التفاوضي ممن يدعون أنهم ساسة الشعب الفلسطيني حيث أنهم مشوا على درب بوش و خطته، خارطة الطريق.
و فعلاً كما يقال، تمخض الجبل فولد فأراً و يا ليته فأرٌ حي، بل إنه فأرٌ ميتٌ و منتن.
و من الفكاهات المضحكات المبكيات التي حدث في هذا الاجتماع ما حصل من السيد أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى عندما سأله أحد الصحفيين قائلاً: "ما فائدة التلويح بسحب المبادرة التي لم يُعر لها أحدٌ اهتمام؟" فيقول السيد الأمين العام هاهاهاهاها و يتوجه للصحفيين قائلاً: "السؤال اللي بعده."
و مما يثلج أيضاً الصدور أيضاً بمناسبة محرقة غزة أن منظمة المؤتمر الإسلامي قد أصدرت أيضاً بياناً مهماً في هذا الأمر مفاده مطالبة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بإصدار بيان شجبٍ و استنكار و دعوة لوقف العنف الإسرائيلي ضد المدنيين و الذي بدورها لم يُعِر الاحتلال الصهيوني الفاشي له اهتماماً لأن مندوبه في الأممالمتحدة رفض ذلك.
هذا كل ما استطاع العرب و المسلمون فعله لنصرة أطفال فلسطين و نساؤها و شيوخها و مرضاها و محاصريها الذين يموتون جوعاً و يموتون من عدم وجود الدواء و العلاج و الأجهزة الطبية اللازمة لإنقاذ حياتهم!!!
و بعد هذا العناء المُجْهِد و العمل المُضْنِي، تستمر معاناة أهل فلسطين و يستمر حصار غزة و تستمر المجازر و تبدأ مصر فعلياً بمشروع بناء جدار إسمنتي مسلح لتحمي حدودها من الاعتداءات الاستعمارية الأجنبية، طبعاً (الاعتداءات) الفلسطينية التي ينفذها أهل غزة من أجل الحصول على لقمة عيشهم و سد رمقهم.
و لذلك و بعد هذا كله لم يجد الفلسطينيون الأحرار إلا الاعتماد على النفس لتسوية المعادلة بشكلٍ مناسب لما يحدث على أرض الواقع لأنهم أدركوا الحقيقة التي مفادها، ما حك جلدك غير ظفك. فتحركوا و زمجروا في وجه المختل و كَثَّفُوا من عمليات المقاومة ضد الكيان الغاصب، ففجروا الجيبات العسكرية و أطلقوا الصواريخ و قتلوا المستوطنين لأنهم علموا أن القوة لا ينفع معها إلا القوة.
نعم .. سَلِمَتْ هذه الأيادي المجاهدة و المُقاومة و الطاهرة .. سَلِمَتْ هذه الأيادي الضاغطة على الزناد و التي لم تُلقِ البندقية و لم و لن تيأس بإذن الله تعالى رغم ما يحدث من استخفافٍ بها و ملاحقةٍ لها و مساومةٍ عليها. ** فلسطين