تبدو غزة في الظروف الراهنة وكأنها قطعة من الأرض يتيمة يحيط بها الماء من كل جانب ولا تستطيع الإرتواء منه ويحفها جيران أُتخموا ثراءًا وأهلها يتضورون جوعا وتحيط بها الطاقة بشتى أنواعها ومصادرها ومع ذلك تكاد تموت بردا. انقطع عنها كل هذا وأضحت تقتات على فتات وترتوى من سراب وتتلحف السماء ومصادر دفئها لهب الشموع وليس لها من يُغيث وكأن العالم أجمع تآمر عليها وتراهن على إزالتها بحيث يجعلها إما أرض بلا شعب أو شعب بلا أرض على أقل تقدير. الشعب في غزة يعاني ويلات حصار غير مسبوق في عالم يدعي الحضارة وقرن يكني بالريادة في كل شىء. لا يوجد شعب على وجه البسيطة يعيش ظروفا كما تعيشها غزة فهي تعاني ويلات حصار وهلاك زرع وجفاف منابع وشُح موارد ولو أنها تعرضت لكارثة طبيعية لهان الأمر لكن المؤلم أنها تعيش هكذا ظروف على أيدي عدو إبادي النزعة وعالم عربي قليل النخوة. ليس المجال هنا لتناول الموقف الغربي تجاه مايحدث لقطاع غزة فقد أعتدنا هذا وأكثر فهم لهم أهدافهم وأساليبهم في القضاء على شعب ينتمي لأمة هم لما كارهون ولكن المجال هنا يتسع لعرض الموقف العربي المتخاذل دوما تجاه قضاياه بشكل عام والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص. الموقف العربي يعرفه القاصي والداني ولا يخفى على أحد أن العالم العربي المترامي الأطراف الوفير الموارد ليس له في الأمر حيلة وليس له صوت مسموع في المحافل الدولية ولم نعهد عنه تحريك ساكن، بل على العكس نجده يُسكن كل ماهو متحرك لدرجة تصل به إلى موت قضاياه فضلا عن موت شعوبه بأساليب شتى. السجل العربي في التعامل مع قضاياه الإقليمية والدولية يبقى سجلا متخلفا إلا ماندر ولا يصلح لأن يكون سجلا تبني عليه الأجيال القادمة ومن الأفضل أن يختفي هذا السجل من التاريخ العربي حتى لا تتطلع عليه الأجيال القادمة فلا ترى منه إلا كل مشين. سجل يفتقر إلى الإنجازات ولكنه ثري بالمهازل والتقصير. كيف لشعب أعزل مثل شعب غزة أن يعيش تحت هذا الحصار الغاشم وإخوانه في العالم العربي من حولهم ينعمون برغد العيش ويضاربون في أسواق المال وينفقون المليارات تلو المليارات لإنقاذ بنوك هوت في الغرب والولايات المتحدة ولا تتحرك فيهم نُخاهم لنجدة إخوانهم المحاصرون في غزة؟ الشتاء يزحف بقارس برده على غزة بأطفالها ونسائها وشيوخها والوقود ينفد ولا يكفي يوم شتاء يزداد برده قسوة، وإن توّفر فإنه في أيدي الكيان الصهيوني يمنحه ويمنعه أنى شاء. ألأدهى من ذلك والأمّر أن العالم العربي مجتمعا يستطيع أن يمارس ضغوطه على القوى العالمية مهما عظُمت لأن هذه الدول اهتزت حتى الترنح من جراء الأزمة المالية العاصفة واتجهت هذه القوى إلى رأس المال العربي بشكل لا ينم عن استحياء، والأسوأ أن العالم العربي بكرمه المعتاد سيساهم في إحياء رميم عظامهم وتجفيف دمعهم وجبر كسرهم وضخ الحياة في مصارفهم ولا عزاء لك غزة. فحالك لا يثير شفقة أحد الا القليل من هنا وهناك والأصل أن الحكومات العربية وشعوبها كان عليهم منذ اللحظات الأولي أن يسعوا لفك الحصار واستخدام ثقلهم المالي إن صح التعبير للضغط على الغرب والولايات المتحدة للضغط تباعا على إسرائيل لإثنائها عن التمادي في الحصار، ولكن العرب هم العرب والجيل الحالي هو هو لايحمل أدنى ذرة من بذور التغيير. التأثير العربي بكامل أشكاله قادر على إدارة الأمور الخاصة بقضاياه بشكل أفضل ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه واحترف التقاعس في الأمور التي تحتاج منه النفرة. فنجد محاولات خجولة من منظمات غربية أممية تبحر صوب غزة في رمزية لا تفك حصارا ولكنها تحرك مشاعر. وتتحرك منظمة عالمية تابعة للأمم المتحدة مثل الأنروا على استحياء وبلا حول ولا قوة لنجدة أهل غزة ولكنها تتوقف بسبب الغطرسة الملازمة للإحتلال الإسرائيلي الذي يحاصر حصارا موجعا رغم أنه كيان هش.
هذا مختصر الدور العربي تجاه اخوانه في غزه تماما كما كان دوره في العراق قبل الغزو وليس لبنان عنه ببعيد لولا براعة المقاومة الباسلة فيه. أما على الصعيد الداخلي في فلسطين فحدث ولاحرج عن الوضع السيء بين الأخوة الأعدء فتح وحماس. تتحمل كل من فتح وحماس مأساة الوضع الراهن في غزة، وبات من الجلي طبيعة الصراع البشع بينهما على السلطة وهذه آفة عامة يتسم أو يتصم بها العرب دون غيرهم من الأمم. ظاهرة الإتهام المتبادل بين الطرفين بالخيانة هي في حد ذاتها خيانة، كلاهما خان الأمانة وهو مؤمن أنه يُحسن صنعا. لاشك أن كلاهما منتخب شعبيا وله أنصاره ولو على الباطل ولكن الصراع إذا اشتد واحتدم يسقط الشعب في غفلة منهما عنه ناهيك عن الجدية من عدمها من أحد الأطراف أو كلاهما تجاه القضية الفلسطينية.الشعب الفلسطيني يعاني الجوع والمرض والبرد وهؤلاء ينعمون بما لذ وطاب من رغد العيش حتى البذخ عند البعض منهما إلا أن أحدهما لم يقضي ليله على ضوء شمعة ولم يطهي على الحطب ولم يقشعر بدنه من برد أو جوع، المهم طول النفس لإغتنام السلطة ولو على فناء شعب. من الواضح أن السيد محمود عباس يسعده هذا المشهد المزري لأنه من البداية راهن بل سعى في إفشال حماس كحكومة منتخبة، ومن الواضح أيضا عداؤه الصارخ لها واتهامها مؤخرا بالخيانة وهو أعلم بمن خان. مع أنه حميم الصداقة بإيهود ألمرت ويتلاقى الإثنان بشكل دائم ولم يشفع عنده ذلك لفك الحصار في غزة، وكأن الرجل يتلذذ بعذاب شعبه نكاية بحماس ولتضييق الخناق عليها حتى تسلمه غزة كما حررها هو. ومن المضحك حتى الهستيريا أن عباس في خطابه المؤخّر في ذكرى وفاة رفيق دربه كما يزعم الرئيس السابق ياسر عرفات يكيل الرجل المدح للرئيس الأمريكي المنتهي ولايته جورج دبليو بوش واصفا إياه بالصادق لموقفه المخلص تجاه القضية الفلسطينية في مؤتمر أنابوليس ومن منظور شخصي أن عباس هو الوحيد في العالم الذي يمتدح رجلا كره العالم انبعاثه فضلا عن شعبه، ثم يستطرد ببلاغةأو بمبالغة ويشّبه الديمقراطية المريكية بالديمقراطية الفلسطينية ويهنىء الشعب الأمربكي بهذا التشابه....! لا أدري عن أي ديمقراطية يتحدث الرجل ولا أدري على أي كوكب يعيش أو من أي مجرة أتى.
وهنا لا نعفي حماس من مسئولية الوضع الراهن في غزة، فالنهج الحمساوي انحرف إلى حد بعيد عن مسئوليته تجاه أهله في غزة. لقد تم تسييس حماس منذ زمن بعد أن توجت بمقاومتها الباسلة خروج المحتل الإسرائيلي من قطاع غزة بشكل ذليل. خيار المقاومة كان الأفضل دائما بالنسبة لحماس ولكن بريق السلطة أفسد عليهم هذا الخيار وارتمت في أحضان السياسة والمساومة والتراشق بالإتهامات المتبادلة مع فتح فتساوت هي وفتح في جريمة تجويع الشعب وأصبحا وجهين لعملة واحدة إن صح القول. اجتمع التجاهل الدولي وصلف الإحتلال والصراع على السلطة بين فتح وحماس أضف إلى ذلك البخل العربي المادي والمعنوي من إغلاق معابر وعدم التجرؤ على فتحها- رغم عدم وجود اتفاقية مُلزمة لمصر بعدم فتح المعابر- ناهيك عن الثراء العربي المالى الذى لم يطعم أهل غزة من جوع ولم يأمنهم من خوف. كل هذا أضاف الى المعاناة معاناة وإلى الوضع المأساة تلو الأخرى ولا يدري أحد إلى متى يستمر هذا العبث بحياة الشعوب رغم أن العرب هم أول من يأخذ بزمام المبادرة لنجدة الغرب في أزماته المالية وكوارثه الطبيعية ولكنهم ثقلى في نجدة بعضهم البعض وإن فعلوا فتراه مناً يتبعه أذى. وأتذكر هنا الحصار الذي تعرض له العراق في مطلع تسعينيات القرن المنصرم والذى استمر لأكثر من عقد من الزمن تعرض فيه الشعب العراقي لحصار جفف المنابع وأمدّ الأيادي وجوع الأطفال بل وأزهق بالكثير من الأرواح ولم يتحرك من العرب أحد وبالرغم من وفرة الموارد الطبيعية والزراعة ونظام النفط مقابل الغذاء الذي وفر للعراق الحد الأدنى من المواد الأساسية إلا أن الوضع إجمالا كان في أسوأ حالاته فما بالك عنه في غزة التي تتعرض لحصار إبادي من احتلال لايعرف الرحمة وبالرغم من ذلك فإن أبناء يعرب يهرولون نحوه في شكل معاهدات سلام استراتيجية أبدية ملزمة واتفاقات شراكة اقتصادية وزراعية وعسكرية ظنا منهم أن للثعلب دينا. ولا أتحدث هنا عن الحصار الذي تعرضت له ليبيا والسودان من قبل والبقية حتما ستأتي.
المأساة في الوضع العربي أن العالم العربي وفير الموارد الأساسية التي تمكنه من أخذ مكانة مرموقة بين الأمم ولكن من حكوماته من لاتعبأ أصلا بمعاناة شعوبها حيث وصل الأمر بهذه الشعوب إلى فقر بعد غنى وذل بعد عز وجوع بعد شبع فأنى لمثل هذه الحكومات أن تتحرك للمعاناة التى يتعرض لها أهل غزة أو غيرها. هذه الحكومات العربية المميزة تتعامل مع الإحتلال تارة على أنه صديق أو حليف سلام استراتيجي أو شريك ولا أشك لحظة في أن المرء على دين خليله. ,أختم القول بما قاله أبو مازن لأهل غزة، صبراً أهل غزة .......... فإن موعدكم الصبح.