د.رفيق حبيب تمر العلاقة بين المسلمين والمسيحيين بفترات توتر، حدث هذا عبر التاريخ، ولكن ظل التعايش هو السمة السائدة عبر التاريخ، هكذا تروي لنا كتب التاريخ.
وتتعدد أسباب ذلك التوتر، وهي في غالبها نتاج أزمة اجتماعية أو سياسية، ولكن أحيانا كان التوتر يحدث نتيجة لتدخل طرف أجنبي، يحاول استمالة المسيحيين له. فكان التدخل الغربي سببا في بعض لحظات التوتر بين المسلمين والمسيحيين.
وفي المرحلة الراهنة، يحدث توتر بين المسلمين والمسيحيين، بسبب أزمات اجتماعية وسياسية متلاحقة، أثرت على المجتمع، وهددت هويته ومستقبله. وفي غمار تلك اللحظة المتوترة، نجد تدخلا غربيا في العلاقة بين الطرفين، ينتج بسبب موجة التدخل الغربي في شئون الدول العربية والإسلامية، والتي بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، وبسبب دخول مصر وغيرها من الدول في تحالف مع الغرب، وينتج أيضا من استدعاء فريق من الأقباط للغرب، حتى يتدخل لصالحهم.
والناظر إلى طبيعة المجتمعات العربية والإسلامية، يعرف مدى حساسيتها للتدخل الغربي، والتي نتجت من تاريخ الاستعمار الغربي في المنطقة العربية والإسلامية، وجعلت الغرب عدوا للمنطقة في العديد من مراحل تاريخها. وتدخل الغرب في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، يعمق المشكلة بينهما، هذا ما نتعلمه من التاريخ. فالعلاقة بين المسلم والمسيحي هي علاقة أخوة الوطن والحضارة، وأي تدخل من طرف أجنبي لصالح طرف ضد آخر، يفسد علاقة الأخوة.
ولأن الغرب له موقف عدائي تجاه المنطقة، يتمثل في تورطه في الاحتلال العسكري لعدد من البلدان، وتورطه المستمر في تأييد العدو الإسرائيلي، لذا يعد وقوفه مع فريق ضد آخر، سببا في وضع هذا الفريق في موقف المتحالف مع العدو ضد إخوانه.
ومن يريد هدم بنية المجتمع المصري، عليه أن يلجأ للتدخل الغربي. فكل تدخل غربي يعمق الجرح بين المسلمين والمسيحيين، ويجعل المشكلة تتحول من أزمة اجتماعية في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، أو أزمة هوية بينهم، إلى أزمة وطنية، تنقض أسس العيش المشترك في المجتمع. والغرب لديه مصالح في المنطقة، وهو لن يتدخل لصالح أي فريق في المجتمع المصري، إلا إذا حقق له ذلك مصالحه في المنطقة.
فهو لا يتدخل من أجل مبدأ عام، ولكن يتدخل من أجل المصالح، مما يؤدي إلى استخدام الأقباط كممر لتحقيق مصالح الغرب في المنطقة. والدول الغربية لن تقف مع مصالح الأقباط إذا أدى ذلك إلى تعطيل مصالحها، فهي تعتبر الأقباط ورقة تستخدم فقط إذا حققت للغرب مصالحه في المنطقة، وتترك إذا كانت تعرقل مصالح الغرب في المنطقة.
ومعنى ذلك، أن الغرب سوف يتدخل أحيانا لصالح الأقباط، مما يؤثر سلبا على علاقتهم بالمسلمين، وأيضا علاقتهم بالدولة، ثم في مرحلة تالية سوف يهمل الغرب مصالح الأقباط، بعد أن تسبب في تعميق التوتر بينهم وبين المسلمين.
كما أن العلاقة بين مكونات الجماعة المصرية، هي شأن اجتماعي وثقافي وحضاري في الأساس، وهي علاقة تقوم على التراضي والأخوة والتعاهد، ولا يمكن لطرف أجنبي أن يصلح هذه العلاقة إذا مرت بأي أزمة، فهي علاقة داخل البيت الواحد والوطن الواحد، وحلها في يد أبناء المجتمع المصري فقط. لذا فكل تدخل من الغرب، لن يؤدي إلى حل التوترات الدينية التي تحدث، لأنه لا يملك لها حلا. وإذا نظر للأمر على أساس أن الغرب قادر على الضغط على الحكومة المصرية -وهذا صحيح- بما يحقق مصالح الأقباط، فمعنى هذا أن الأقباط يتنازلون عن مبدأ الاستقلال من أجل مصالحهم.
وإذا سمحت فئة باستحلال استقلال الدولة الغائب من أجل مصالحها، أصبحت خارج إطار الجماعة الوطنية الباحثة عن استقلال الدولة واستقلال القرار السياسي. ويصبح من يطلب التدخل الغربي، كمن يسمح ويوافق على الهيمنة الخارجية ويعززها ويعتمد عليها.
وإذا كانت النخبة الحاكمة قد فرطت في استقلال الوطن والدولة، فإنها نخبة حاكمة، سوف ترحل في نهاية الأمر. ولكن أي فئة في المجتمع تتورط في التضحية باستقلال الوطن والدولة من أجل مصالحها، فهي تضحي بصورتها لدى بقية المجتمع، وتضع نفسها في خانة من فرط في استقلال بلده.
وطلب التدخل الغربي، ليس فقط ضد أسس الجماعة المصرية، وضد هويتها ومبادئها ومواقفها التاريخية، ولكنه يعني أيضا نهاية علاقة أخوة الوطن. فمن يحصل على ما يراه حقا له من خلال استدعاء قوة خارجية معادية، ينهي أي احتمال لعودة علاقة أخوة الوطن لما كانت عليه.
فلا يمكن حدوث المصالحة الوطنية الداخلية، مع احتماء طرف بالخارج. لذا يظل موقف فريق من الأقباط، والمطالب بالتدخل الخارجي من أجل تحقيق مصالح للأقباط، سببا من الأسباب التي تحول المشكلة من أزمة مجتمعية إلى أزمة وطنية.
لكل هذا، يعد طلب التدخل الخارجي من قبل فريق من الأقباط، خروجا على أسس التعايش المشترك، وخروجا على قواعد الأخوة والتعاهد، وخروجا أيضا على مبادئ الانتماء الحضاري.
وهذا الخروج كاف لإدخال المجتمع المصري في مراحل أشد خطورة، لأنه يفتح الباب أمام الغضب الشعبي، ويزيد احتمالات انفجار العنف الديني. ولا يمكن أن نخرج من حالة الاحتقان الديني، إلا بعد وقف التدخلات الخارجية في العلاقة بين أخوة الوطن الواحد.