بالأمس صدام ثم لحود والأسد واليوم البشير .. وغدا؟! أسد ماجد وكأن واشنطن ومعها الصهيونية العالمية وبقية الحلفاء والحواشي قرروا منذ زمن بعيد ومن دون أن ندري ان تكون الهجمة شاملة وفي كل الاتجاهات كي لا تبقي ولا تذر، فبعد الحرب العالمية الثانية لم نشهد سقوط عواصم دول باستثناء سايغون ابان الحرب الفيتنامية سوى عواصمنا العربية الواحدة تلو الاخرى ففي أقل من خمسين عاما سقطت اربع عواصم عربية امام رضى وقبول العالم كله. فبدأوا باسقاط القدس عام 1967 ثم بيروت عام 1982 فبغداد عام 2003 واخيرا مقديشو عاصمة الصومال عام 2007 ومن يدرى ماذا تخبئ لنا الدوائر الشيطانية من تهديد لعواصم عربية جديدة دون أن ننسى الحصارات والضغوط على العديد من الأقطار العربية بشكل لم تشهده دول أخرى رغم مواقفها المناوئة لسياسة واشنطن وتل ابيب، وبدأ الحصار الأول على مصر عبد الناصر بعد العدوان الثلاثي عليها عام 1956 عندما وقف الزعيم العربي الراحل يطالب بكرامة ووحدة وسيادة العرب على اراضيهم ونفطهم وثرواتهم وقال اخيرا «ايلي مش عاجبو يشرب من البحر الأحمر» فرد عليه آنذاك وزير الدفاع الاميركي روبرت مكنمارا قائلا «بل سنجبره على شرب مياه المجاري. فتعرضت إثر ذلك مصر لحصار اقتصادي رهيب أودى بها إلى ازمات ونكسات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وظننا وظن معنا من يؤيد قضايانا المحقة أن المسألة انتهت برحيل عبد الناصر ومجيء السادات والسير بالتسوية مع اسرائيل لكن بعض الشعوب العربية سرعان ما تعرضت لحصار جديد مثل حصار الثماني سنوات الذي تعرض له الشعب الليبي عام 1992 بحجة معاقبة النظام على ما اقترفته يداه في حادثة لوكربي عام 1989 وحادثة الطائرة الفرنسية التي تحطمت فوق النيجر ثم الانفجار الذي وقع في ملهى ليلي في برلين بألمانيا عام 1978 .. جمعت أميركا كل هذه الاحداث ووضعتها في وجه الشعب العربي الليبي المسالم ودفعته كلفة فواتير غالية الثمن دون ان يكون له رأي فيها أو حتى معرفة .. ثم جاء الحصار على السودان عام 2000 اثر تفجير السفارتين الاميركيتين في نيروبي وتنزانيا وحملت حكومة كلينتون حينها البشير والترابي مسؤولية ذلك التفجير فقصفوا الخرطوم واصابوا مصنعا للادوية واهدافا مدنية اخرى ومنذ ذلك الحين سار الغرب كله بتصفية الحساب مع ذلك البلد العربي الافريقي حتى وصلنا إلى ما لم نكن نتوقعه وهو المطالبة بالرئيس البشير شخصيا لمحاكمته في دوائرهم المشبوهة، وشهدنا في هذه المرحلة ايضاً الحصار المر الذي تعرض له العراق منذ العام 1990، والذي أودى بحياة الآلاف من الأطفال العراقيين الذين حجزت عنهم الدوائر الغربية الأدوية اللازمة لعلاجهم دون ان نسمع أصوات المؤسسات الإنسانية وجمعيات حقوق الإنسان حتى سقط العراق كله تحت الاحتلال الأميركي والغربي وبتنا نترحم على ما فعله هولاكو عندما اجتاح بغداد امام ما فعله بوش ومن معه، اما عن سوريا فقد سبق وتحدثنا في مقالة سابقة عن الحصار الاقتصادي غير المعلن عليها منذ عام 1966 ابان عهد الرئيس السوري الراحل نور الدين الاتاسي ومازال هذا الحصار قائماً حتى اليوم والحق به عام 2004 الحصار غير المعلن على لبنان بحجة التمديد للرئيس اللبناني الاسبق اميل لحود، وادخلوا لبنان كله في دوامة ازمة سياسية مازال يعاني منها حتى اليوم. هذا ودون ان نشير إلى الحصار الأكبر المفروض على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، فمع شروق شمس كل يوم هناك ألف حكاية وحكاية مع معاناة الشعب الصابر الصامد في حين لم نر أو نسمع أي بلد آخر في القارات الخمس يتعرض لما تتعرض له شعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج. واليوم، وكما يقول المثل اللبناني الشعبي «اكتمل النقل بالزعرور» فرأينا مشاهد جديدة للهجمة الأميركية الصهيونية على وجودنا ومستقبلنا وبدأوا بملاحقة العديد من الزعماء العرب خاصة الذين لم يقدموا اصول الطاعة للسيد الأميركي والصهيوني والغربي بشكل عام ولم يكتفوا بابتلاعهم بلدا عربيا عملاقا مثل العراق بل اعتقلوا رئيسه الشرعي صدام حسين وقدمو لمحاكمة صورية جاءت بمثابة مهزلة ومسرحية لم يكن هدفها سوى تقطيع الوقت والمساومة على رأس صدام حسين ومن معه بين الدول المتناحرة على الأرض العراقية المحتلة ثم قدموه إلى حبل المشنقة في محاولة لاستفزاز المشاعر العربية والإسلامية حيث اعدموه صبيحة عيد الأضحى المبارك من العام الماضي، وقبل الحديث عن بقية الزعماء العرب المحاصرين و«المطاردين» والمطلوبين للعدالة الدولية، لابد أن نعود بالذاكرة إلى شهر مارس من عام 1986 عندما اغارت الطائرات الأميركية ومعها طائرات الحلف الاطلسي على بيت الزعيم الليبي معمر القذافي في محاولة لقتله لكنه نجا باعجوبة وقصفت تلك الطائرات اهدافا مدنية ومدارس فكان معظم الضحايا من الأطفال. أما الرئيس اللبناني اميل لحود فقد واجه حصاراً من نوع اخر بعد عام 2004 اثر التمديد له الذي لم يرض الاميركيين على ما يبدو، فاتخذوا قراراً قضى بمقاطعة الرئيس لحود سياسيا ودبلوماسياً فلم يزره أو يجتمع به أي مسؤول أميركي أو غربي طيلة ثلاث سنوات كعقاب له على مواقفه الوطنية والعربية خاصة تأييده ودعمه القوي للمقاومة وحزب الله ضد إسرائيل والمضحك في الأمر ان الرئيس الراحل الياس الهراوي سبق ومدد له لثلاث سنوات أخرى بنفس الطريقة التي مدد بها للرئيس المقاوم لحود وذلك عام 1995 دون أية ردة فعل من أميركا والغرب وبقي التعامل الدبلوماسي معه قائما بشكل طبيعي، وهذا ما فعلوه مع الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد الذي واجه نفس الأسلوب الذي واجهه الرئيس لحود بحجة اتهام سوريا بقتل رفيق الحريري والاساءة الى سيادة لبنان في حين كان القبول والسكوت عن الوجود السوري في لبنان طيلة اكثر من ثلاثين عاما.. وتعرضت سوريا والرئيس الأسد الى أبشع وأخطر الحملات والضغوط لثني سوريا عن مواقفها المؤيدة والداعمة للمقاومة في العراق ولبنان وفلسطين ولكن دون جدوى ووضعوا المحكمة الدولية بشأن اغتيال الحريري «شماعة» يهددون بها سوريا والرئيس السوري ولم يخفوا رغبتهم الدائمة باحضاره الى المحكمة الدولية لمحاكمته مع الرئيس لحود ونصر الله وقيادة المقاومة والمعارضة في لبنان كعقاب لهم بسبب الهزيمة التي ألحقوها بإسرائيل وافشال المشروع الأميركي في المنطقة. وها هو السودان يشهد ما واجهه لحود والأسد ولكن بشكل علني وواضح كما هو الحال مع صدام حسين بحجة قتل الآلاف في دارفور لذا يريدون اعتقال الرئيس البشير لمحاكمته في دوائرهم الشيطانية، وهنا لابد من القول إن الرئيس السوداني نفسه يتحمل مسؤولية الوصول به الى ما وصل اليه مع الغرب فلو اتخذ نفس المواقف الصلبة ودون أي تنازل أمام الأميركيين والغرب لما وصل الأمر الى هذه الوقاحة بالأمر باعتقاله واتهامه اتهامات لا يقبلها العقل فإيران وسوريا ولحود وحزب الله وحماس والجهاد لم يتنازلوا قيد انملة عن مواقفهم منذ بدأ الصراع مع الأميركي والصهيوني والغرب.. أما الرئيس السوداني فقد قدم تنازلات كثيرة بناء على ما طلبوه، فأقصى الترابي ثم اعتقله وسجنه وحل العديد من الأحزاب والحريات السياسية ثم وافق على حل الجيش الشعبي وهو الذراع العسكرية القوية التي تحملت اشرس المعارك مع الانفصاليين في جنوب السودان طيلة سنوات بدأت منذ عام 1992 حتى عام 1998 بالإضافة الى تنازلات أخرى حول التنقيب عن النفط وها هو اليوم يدفع ثمن تلك التنازلات التي لا يشبعون منها لذلك قال لهم يوما أحمدي نجاد: تعالوا وقولوا لنا من الآخر ماذا تريدون. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تهديد رؤسائنا باستمرار ولماذا ملاحقتهم وتهديدهم بقرارات دولية يمكن ان تؤدي الى الاعدام كما حصل مع صدام في حين نجد ان اميركا تواجه دولا وزعماء آخرين يتميزون بعداء قوي لسياسة واشنطن مثل الرئيس الكوبي فيدل كاسترو والفنزويلي شافيز وكل الزعماء الايرانيين تقريبا فلم تقدم واشنطن على قصف مقارهم او ملاحقتهم بالقوانين الدولية او مقاطعتهم سياسيا ودبلوماسيا لدرجة أن الرئيس بوش شطب اسم المناضل نيلسون مانديلا من لائحة الارهاب دون ان نلمس ان مانديلا غير او بدل مواقفه او خطابه السياسي ازاء مفهومه للحرية والسيادة والنضال. اما هذا التعامل مع بعض الزعماء العرب فهو محط استهجان ولابد من العمل الحثيث لتقلع واشنطن عن هذه السياسة فإن لم يتوفر الاجماع العربي حول هذه الهجمة الشرسة ضد بعض الزعماء العرب فعلى الاقل لابد من تحرك عربي للدول التي يواجه رؤساؤها هذه الهجمة الشرسة بسبب اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، فإن كان بالأمس صدام ثم لحود والأسد واليوم البشير فإن غدا ينتظر رئيسا آخر. عن صحيفة الوطن القطرية 3/8/2008