قاطرة حقوق الإنسان تسير دون غزة !! * محمد مصطفى عبد العزيز
غريب حقا شأن قيم الحضارة الغربية التي طالما تغني بها أبناؤها ، وتأملها بإعجاب من وراء حجب أمثالنا ممن ظلوا يحلمون بمناخ الحرية وصيانة حقوق الإنسان والمساواة وغيرها من المبادئ التي تشكل منظومة القيم الغربية ، وتدافع عنها العديد من الجمعيات والمنظمات الدولية التي دأبت على إصدار تقاريرها الشهرية والسنوية عن حالة حقوق الإنسان في مختلف دول العالم لتعبر عن عظيم القلق حيال صور ومظاهر انتهاك حقوق الإنسان بجانب التقارير السنوية التي تصدرها وزارات الخارجية لبعض الدول وعلى رأسها الولاياتالمتحدة التي تمتلك حصريا حق تصنيف الدول وفق أهوائها ومصالحها !
وبرغم جدية الاتهامات الموجهة لمعظم الأنظمة العربية إن لم تكن كلها وفق نتائج هذه التقارير استنادا إلى سياسات القمع والتنكيل بأطياف المعارضة لهذه النظم ، وتشديد القيود على حرية الرأي علاوة على تزوير نتائج الاستفتاءات والانتخابات إلا أن هناك العديد من علامات الاستفهام تثور حيال أهداف ومصداقية هذه التقارير ، فعلى سبيل المثال :
تراجعت الحكومة الكندية عن مضمون تقريرها المتعلق بمراقبة التعذيب خشية تأثر علاقاتها بحليفيها الأمريكي والإسرائيلي اللذين شملتهما النسخة الأولى من التقرير نظرا لممارستهما التعذيب بشكل منهجي في معتقلاتهما لكنها لغة المصالح السياسية التي تغفل هذه القيم الإنسانية حينما يكون الجاني "من الكبار" على الساحة الدولية ويكون الطرف المجني عليه عربيا أو إسلاميا ، لأنه من البدهي أن جرائم التعذيب المدانة بسببها إسرائيل طبقا لهذا التقرير تعني آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب دون استثناء الأطفال والنساء في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ، فيما يلاحق جلادو الولاياتالمتحدة مسلمي العالم بدعوى مكافحة الإرهاب
ولنا في مأساة غزة المحاصرة عالميا الدليل الدامغ الفاضح على كذب ادعاءات مناصرة حقوق الإنسان الغربية بعد أن بلغ الحصار الإسرائيلي حد حرمان السكان من الغذاء والوقود دون ادني اعتبار لحياة مئات المرضى المعلقة باستمرار عمل الأجهزة الطبية فضلا عن إصابة المدينة بالشلل التام مما يمكن معه وصفها بالمدينة المنكوبة
حصار دولي خانق بقرار إسرائيلي أمريكي خضعت له الأنظمة العربية ردا على ممارسة "ديمقراطية" فلسطينية وفق المفهوم الغربي أتت بحماس على رأس الحكومة في انتخابات أجمعت الدوائر العالمية على صحتها ونزاهتها ، وهو نفس المنطق الذي تعاملت به إدارة بوش بعد نتائج الانتخابات التشريعية بمصر عام 2005 حينما مارست ضغوطا على النظام المصري لتحقيق إصلاحات سياسية لكنها لم تلبث أن تراجعت عن نبرتها الحادة ، ولم تأت على سيرتها مجددا بعد صعود نجم الإخوان المسلمين في هذه الانتخابات ليصبحوا اكبر كتلة برلمانية معارضة في مجلس الشعب المصري
إنها بالفعل ديمقراطية ( على المقاس ) إن جاز التعبير تريد الولاياتالمتحدة والغرب بعامة تفصيلها بالشكل الذي يتفق ومصالحه في المنطقة على حساب مصالح المنطقة العربية وحقوقها المشروعة ، وهو ما يتجلى واضحا في استمرار صمت العالم حيال الحرب الصهيونية التي تستهدف إذلال وتركيع وتجويع الشعب الفلسطيني في مشهد لا يتصور العقل احتمال حدوثه في القرن الواحد والعشرين لأنه يحمل بصمات همجية القرون الوسطى
ومن المفارقات المبكيات أن تتعرض مصر لانتقادات دولية بالغة لقضائها على الكلاب الضالة بشكل غير آدمي فيما تفرض استراليا حظرا على تصدير خرافها إلى مصر صونا لكرامة خراف تحمل اسمها ، وفي مقابل هذا الحرص الهستيري على كرامة الحيوان تجد لا مبالاة على الإطلاق بسقوط العشرات من الشهداء صرعى آلة القتل الإسرائيلية الوحشية أو باستجداء الآلاف من سكان غزة لطعامهم ووقودهم !!
شعب يحاصر برا وبحرا وجوا يحرم من ابسط حقوقه الإنسانية وفق معايير الشرعية الدولية وتمتنع الإدارة الأمريكية عن إدانة سياسة القتل العشوائي وتؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ، ولا تكتفي بذلك بل يصدر قرار من مجلس النواب بالكونجرس الأمريكي متزامنا مع قرار البرلمان الأوروبي يستنكر استمرار معاناة إسرائيل جراء وجود أنفاق يتسلل منها السلاح إلى المجاهدين في فلسطين !!
ودعونا نتساءل مجددا ، إن الإجرام والوحشية الإسرائيلية ليست بجديدة على وعينا وأذهاننا لان الكيان العبري قام أساسا على أشلاء آبائنا وأجدادنا في اكبر عملية سرقة وتزوير تاريخية شهدها العالم على مر التاريخ لكن ماذا عن الصمت الدولي المطبق تماما هل يمكن اعتباره استسلاما للبلطجة الأمريكية كما هو حال الأنظمة العربية الداجنة أم هو اتفاق في الرؤى بشان أمثل الطرق في التعامل مع أطراف عربية ، ومكمن الخطورة حال ترجيح الاحتمال الثاني في اعتباره موافقة ضمنية على استمرار بربرية الإجرام الصهيوني لإبادة شعب أعزل ينشد حريته وكرامته في مواجهة أعتى أباطرة الإجرام في العالم بعيدا عن أسرته العربية التي فرطت في شرفها وعرضها ، ولم تحرك ساكنا لنجدته ، وكان الأمر لا يعنيها هي الأخرى لتزداد الفجوة اتساعا بين الحاكم والمحكوم ويزداد نفور الشعوب من حكامها وتتبرأ علانية من ضعفهم وتخاذلهم وتحالفهم مع أعداء الأمة ضد حقوقها المشروعة
رسائل احتجاج أخرى وجهتها نفوس الشعوب العربية الغاضبة للمجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين ، فيضفي الإنسانية على البعض وينزعها من الآخر ، يتشدق بمبادئ حقوق الإنسان ويرفع عن حالتها تقارير وتوصيات لكنها تغفل إدانة الجاني الحقيقي ، تجد في الجرائم الإسرائيلية ما يبررها فصواريخ المقاومة الفلسطينية على بلدة "سيدروت" تثير الذعر في نفوس المستوطنين ، وهي مشاعر سلبية قاسية لها اعتبارها في العقلية الغربية ، ولها الأولوية على أرواح الفلسطينيين ذاتها !!