كان واضحاً وبديهياً منذ البداية ان الأسس التي بنيت عليها العملية السياسية كانت واهمة وواهنة وتقسيمية وهي الأسس التي روَّجَ لها (خليل زاده) عرَّاب مؤتمرات المعارضة حين وضع نسب محاصصة طائفية وعرقية للعرب السنة والعرب الشيعة والكرد في توزيع مقاعد المعارضة في مؤتمراتها قبل الاحتلال وأستند عليها الحاكم الأمريكي (بريمر) في تشكيل مجلس الحكم ومن ثم مجلس الرئاسة ومجلس النواب وتشكيل الحكومات اللاحقة وفق دستور صممَّ وكتب ضمن هذه المواصفات .
هذه الأسس الواهنة وغير المنطقية اختيرت من قبل الإدارة الأمريكية لتتوافق مع أهداف الغزو الإستراتيجية وفي مقدمتها إضعاف كيان الدولة العراقية وتقسيمها إلى دويلات طوائف وقوميات وعشائر ومدن ليتم بعدئذٍ تعميم هذا المشروع على منطقة الشرق الأوسط بكامل دوله وكياناته.
على مدى ما يقارب سبع سنوات أنتجت هذه العملية حكومات حزبية فاسدة طائفية ومجلس رئاسي تشريفي منقسم ومجلس نواب متهرئ ودستور بائس وانتخابات برلمانية غير نزيهة ومزورة تؤجج صراعات ومواقف حادة تثير الشارع وتودي بحياة مئات الألوف من أرواح العراقيين بسبب انعكاس المواقف السياسية على الحالة الأمنية والتي أنيطت مهمة الحفاظ عليها بقوات أمن وشرطة وجيش شكلتها الأحزاب الدينية الطائفية ومنظوماتها المليشياوية والتي أسهمت نفسها بإشعال فتيل القتال الطائفي وتنفيذ الاغتيالات والمداهمات والاعتقالات وترويع العوائل والطوائف وافتعال التفجيرات الهائلة في سامراء والأربعاء والأحد الداميين.
قانون الانتخابات في هذه الدورة الذي استغرق إنضاجه وطبخه أكثر من سنتين ليخرج بطعم مقرف محترق بما فيه من هفوات والذي أثار أزمة إعلامية وسياسية تم من خلالها لفت الأنظار الى نقاشات وأزمة صيغ انتخابية سقيمة بدلا من إمكانية التثقيف الوطني والجماهيري حول جدوى المشاركة من عدمها وإمكانية التغيير من خلال تحجيم الطائفية وإسقاط مشروع التقسيم وتحقيق تغيير نوعي في مواصفات المترشحين وتشكيلة مجلس النواب القادم نوعاً وكماً بما يحافظ على الثروة الوطنية على اقل تقدير من سرقات وفساد المسؤولين والوزراء والمتنفذين والنواب أنفسهم .
لن تحدث هذه الانتخابات تغييرا جذريا لان التخطيط لنتائجها محتومة ومحاصصاتها محسومة تتمثل بالمجيء بحكومة توافق ضعيفة أكثر توازنا توفر هيمنة سياسية واقتصادية للإحتلال وتؤمن إمكانية انسحاب عسكري محسوب وبالتالي فإنها لا يمكن أن تفرز مفاجئات أو تحقق إرادات جماهيرية بدليل أنها تجري في ظل احتلال أمريكي ونفوذ سياسي إيراني لا يتيح تحقيق وفاق على قانون انتخابي إلا بتدخل وحضور وجهود السفير الأمريكي أو البريطاني أو قائد قوات الاحتلال وزيارات سياسية مكوكية بين بغداد وطهران.
ما جرى خلال الشهر الحالي من خلاف ونقاش وتعديلات ونقض ونقض للنقض وما تمَّ نقله على شاشات الفضائيات من نقاشات وردود داخل القبة البرلمانية العراقية وما حدث من ائتلافات وتحالفات وتنقلات وجولات ترحال من كتلة الى أخرى،الملاحظات التالية المثبتة على طبيعة الإستعدادت لهذه الانتخابات تعكس بوضوح مواضع الخلل وعدم إمكانية أن تؤدي هذه الانتخابات الى تغيير منتظر أو تحرير مرتقب أو إصلاح لفساد شامل:
غياب وأفول الخطاب الوطني في البرامج الانتخابية للكيانات وخلوها من نصوص تمس عدم شرعية الاحتلال وشرعية المقاومة والتعجيل برحيل الغزاة.
وضوح ظاهرة انتقال مبدأ المحاصصة الى داخل جميع الكيانات والائتلافات بمبرر التنويع والتوزيع وليس على اسس إيديولوجية أو مهنية واختفاء معاييرالنزاهة والكفاءة من مواصفات الترشيح.
تحكم المعايير العشائرية والطائفية والمادية في أسبقيات الترشيح.
محاولة الكتل الكبيرة المتحكمة ابتلاع وطمس القوائم الصغيرة والفردية كما يتناغم قانون الانتخابات مع هذا التوجه في مسألة احتساب الأصوات والمقاعد التعويضية.
بروز تأثير العامل الطائفي والعرقي في الانتصار لهذا الرأي أو معارضته أو لهذا المكون دون ذاك وليس على أسس دستورية أو قانونية أو وطنية.مما يفقد التشريع والإقرار والرفض محتواه الوطني والديمقراطي.
اللف والدوران بمواقف الكتل والنواب وفقا لمصالحهم الشخصية حتى ضمن الكتلة الواحدة ومحاولات التخلي والتوريط والتأييد والمعارضة بلا مبدئية.
إخضاع الشرعية والدستورية للمصالح الفئوية.
إفتعال المواقف المتشنجة والحادة ذات التأسيس الطائفي والعنفي.
إستغلال النفوذ الحكومي والمال العام واختلاق الأزمات الأمنية والسياسية للتأثير على كثافة الناخبين في مناطق جغرافية محددة.
التأثير المباشر والتدخل الفاعل للإدارة الأمريكية بشكل مباشر وغير مباشر على طبيعة الإجراءات الانتخابية وصيغتها ومن خلال سياسة الترغيب والترهيب.
الدور المفضوح لقوى إقليمية ونفوذ واسع لدول الجوار على طبيعة الانتخابات.
ضعف الدستور وفشله في إيجاد سبل للحلول الوطنية وتبنيه للمحاصصة والتوافقية الطائفية والعرقية كأساس للتشريع وتعقيد الأزمات.
الرفض الجماهيري الواسع لإداء البرلمان وتكتلاته وشخوصه بعد ان عجز عن تحقيق المصالح والمصالحة الوطنية وتعديل الدستور والاقتراع على الاتفاقية الأمنية وانهماكه بتحقيق المصالح والمنافع الشخصية.
التشبث بترشيح الشخوص والوجوه القديمة ومحاولة تغيير العناوين والمسميات للكتل ونزع العناوين الدينية والطائفية ترسيخ التمثيل الديني والعرقي والعنصري والنسوي من خلال استخدام نظام( الكوته) بلا مبررات لمكونات كبيرة وقطاعات يشكل حجمها ثقلاً انتخابياً لا يستوجب ترسيخ هذا الاستخدام الذي يستهدف تغييب الدافع والحس الوطني.
الفشل بانتقاء رموز نزيهة محايدة لتبديل مفوضية انتخابات ثبت عدم نزاهتها باعتراف أغلبية الكيانات.
تمسك الحكومة التي تشكل طرف انتخابي بالإشراف على إجراء الانتخابات والتي يفترض ان تكون تحت إشراف حكومة مؤقتة .
التهديد بالعزل السياسي والاجتثاث للبعثيين غير المشمولين بالاجتثاث وتجريدهم من حق الانتخاب والترشيح بلا مبرر دستوري.
اختزال مبدأ القائمة المفتوحة بالتصويت لمرشح واحد او كيان انتخابي واحد.
غياب إحصاء سكاني حديث دقيق ومعتمد في ظل حصول مستجدات ديموغرافية وبسبب التزوير والانتقال والتهجير الطائفي والتوطين والهجرة وعدم إيجاد حلول جذرية لقضية كركوك وما أسموه بالمناطق التنازع عليها.
التهديد بالتقسيم والانفصال والمقاطعة وانعكاساتها على تفاصيل الصيغة الانتخابية.
استغلال الإعلام الحكومي والمنابر الدينية والجامعية والمؤسسات الوظيفية والعسكرية والأمنية ومجالس الإسناد والعشائر والصحوات .
غياب الضمانات والإجراءات العملية والفعلية لمنع التزوير بكل مراحل العملية الانتخابية والتي ثبت حصولها بالانتخابات السابقة.
تفاقم أعداد النازحين والمهاجرين بسبب الهاجس الأمني الذي يترافق مع فترة الانتخابات والعزوف عن التصويت والمشاركة بسبب فقدان الثقة بجدوى هذه الانتخابات ورموزها.
كل هذه الإخفاقات والهنات التي تتزامن مع أزمة الانتخابات القادمة وما قد تحدثه هذه الأزمة من فراغ دستوري وصراع طائفي وتأجيج عرقي ونشاط معارض ومناهض للعملية السياسية القائمة برمتها تدعم رأي القوى المناهضة والمقاومة للاحتلال من أن هذه الانتخابات لن تفلح في إيجاد تغيير نوعي مستقبلي لتحقيق الأمن والأمان في العراق الذي تتفاقم أوضاعه سوءاً وتدهوراً يوماً بعد يوم وإن الخلاص من الاحتلال من خلال مقاومة وطنية شاملة وفاعلة هو المنفذ الوحيد لتحقيق التحرير الشامل والسيادة وبناء دولة المؤسسات وحماية الثروة والبناء والتنمية.