قانون انتخاب مجالس المحافظات.. التشريع الناقص حازم مبيضين سيكون مخطئاً من يعتقد أن إقرار قانون انتخاب مجالس المحافظات في العراق ترفاً زائداً عن الحاجة، وأنه كان ممكناً تأجيله إلى مالانهايه، وسيكون مخطئاً أكثر من يظن أن إقراره بالصيغة التي أقر بها تخدم العملية السياسية القائمة الآن، والمحتاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تكاتف كل مكوناتها التي تحملت الكثير لايصالها إلى هذه المرحله، فضلاً عن ضرورة إدماج كل الكيانات السياسية فيها، لتخطي المصاعب التي تواجه بناء الدولة العراقية مابعد صدام على أسس ديمقراطية متفق عليها. يعارض أكراد العراق هذا القانون، وهم لم يشاركوا في التصويت عليه، لقناعتهم بأنه مناف للدستورالنافذ، وانه يستهدف تجريدهم من بعض المكتسبات التي جنوها نتيجة مشاركتهم الفعلية في التخلص من نظام البعث، ومشاركتهم الفاعلة في العملية السياسية التي انطلقت بعده، على أساس التوافق بين المكونات الاساسية للبرلمان العراقي، وبما يمكن أن نسميه الديمقراطية التوافقية التي تعني الاتفاق المسبق على القوانين والتشريعات الناظمة لحياة العراقيين. في كافة الأوجه، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعيه، والتي على أساسها لاحظنا أن صاحب الأغلبية في البرلمان العراقي لم يستأثر بكافة المناصب الحكومية بقدر ما سعى إلى إشراك كل من ساهم في الانتخابات البرلمانية بالمناصب الوزارية وتحمل في سبيل ذلك تأخيراً في انجاز التشكيلة الحكومية مثلما تحمل مزاجية بعض من أشركهم فتركوا الحكومة مرة وجمدوا نشاطهم البرلماني مرة أخرى، ثم عادوا للبرلمان وللحكومة إما بشروطهم وإما متخلين عنها. وكان واضحاً أن صاحب الاغلبية البرلمانية يسعى إلى حشد أكبر تجمع سياسي لتكون القرارات الصادرة عنه محصنة بالاغلبية الشعبية، وليس بالنيابية فقط. يؤشر إقرار القانون الجديد محل الخلاف بين التحالف البرلماني الكردستاني وكتل برلمانية أخرى إلى تراجع عن الصيغة التوافقية التي حكمت الحياة السياسية في العراق منذ سقوط نظام صدام، وهو تراجع يحق للاكثرية أن تفرضه إذا شعرت أن بامكانها التفرد بالقرارات، أو إذا شعرت أن هذا التفرد هو لمصلحة العراقيين، لكن الواضح أنها أقرت القانون وواصلت السعي للمضي في تجربة التوافق الديمقراطي، وهذه صيغة تلقى معارضة شديدة وحادة من الكورد الذين يشعرون أن التحالف معهم كان يستهدف مصلحة الاغلبية البرلمانية قبل أن يستهدف مصلحة العراق والحفاظ على دستوره وتخليصه من مخلفات الحكم الشمولي الذي جثم على صدور العراقيين أكثر من ثلاثة عقود كتم فيها أنفاسهم، وساقهم كالقطيع إلى حروب عبثية لم ينجم عنها غير الخراب والدمار، وأن تلك الصيغة مرشحة للقفز عنها إلى صيغ أخرى قد ترضي الكثيرين، لكنها لن ترضي الجميع. مرة أخرى نؤكد أنه ليس غلطاً فاحشاً أن تحكم الاغلبية البرلمانية وحدها بحكم التفويض الشعبي الممنوح لها عبر صناديق الاقتراع، لكن المؤكد أن للانتقال من التوافق الديمقراطي إلى ديمقراطية الاغلبية البرلمانية استحقاقات لا ندري إن كانت الساحة العراقية الملتهبة مهيئة لها، أو إذا كانت تلك الاغلبية قادرة على مواجهة تلك الاستحقاقات، التي قد يكون من بينها بناء تحالفات برلمانية مصلحية جديدة تعرقل العمل البرلماني والحكومي وتنزع عن الحكومة صفتها الجميلة بأنها تمثل كافة أطياف الشعب العراقي، لتغدو حكومة تمثل طيفاً واحداً كان قادراً على إيصالها إلى الحكم لكنه قد يعجزعن إعادتها إليه عند أول امتحان انتخابي قد يجمع كل ما عداها في تكتل مضاد يحكم من بعدها، وأيضاً بطريقة الاغلبية البرلمانية التي لجأت هي إليها.؟ عن صحيفة الرأي الاردنية 28/7/2008