لا مفر من التطهر!! عادل سعد (إذا كنت تريد ان تخالف أوامر الله وتعصي وصاياه ففتش عن مكان لا يراك فيه) هكذا قال احد الحكماء لابنه واعظاً إياه بمخافة الله والابتعاد عن ارتكاب المعاصي. لم يقل ذلك الحكيم لولده عليك ان تطيع الله وتحفظ وصاياه وتلتزم بأوامره، ولم يقل له إن الله سوف يعاقبك بكذا وكذا من العقوبات الصارمة لخروجك على تعاليم الرب، بل قال له ابحث عن مكان ترتكب فيه المعاصي بحيث لا يراك فيه الله إذا كنت مصراً على ارتكاب هذه المعاصي وتعتقد انك في مأمن من العقوبة. إن القراءة الموضوعية لهذا العرض الذي قدمه هذا المربي إلى ولده إنما يمثل نموذجاً رادعاً في البناء التربوي المنسجم مع حقيقة ان الله عز وجل يرى جميع أفعالنا وهي تحت منظار قدرته الربانية، ولذلك لا بد لنا أن نتوخى السلوك الصحيح في أي موقف نتخذه لأننا جميعاً تحت أنظار رقيب عظيم على أفعالنا. أمام هذه الصورة الواقعية لحقيقة أعمالنا وكيف ينبغي ان تكون، فإن الذي يحير تحاشي العديد منا هذه الحقيقة حيث يعتقد أن أفعاله يمكن أن تأخذ طريقها مع الخطأ الذي فيها دون ان يتم اكتشافها، لكن لدينا الكثير من (الشجعان المغاوير) الذين تفننوا بأخطائهم وآثامهم قبل ان يكتشفها الآخرون. لنأخذ هذا التشخيص ونطبقه على حياتنا السياسية، عندها تواجهنا العديد من الأسئلة الحائرة التي لا تزال تدور في الوطن العربي ولم تجد لها أجوبة على أساس أنها أسئلة طوبائية ذات بعد فلسفي لا يحمل شيئاً من الواقعية، إلا أنها أسئلة منطقية في كل الحسابات، لنسأل كم هم الذين صحت ضمائرهم من ارتكاب أخطاء معينة وبادروا بعد ذلك في طلب الصفح والسماح، ولماذا لا نمارس التطهر النفسي في إطار الحكمة العربية المعروفة ان الاعتراف بالخطأ فضيلة، وأين هي مشاغلنا اليومية التي تكون على محاسبة أنفسنا مما نحن فيه في الوقت الذي لا نمل فيه من الشكوى والتبرم بسبب ضغوط الآخرين عليها. علينا أن نعترف كتنظيمات سياسية وهيئات ثقافية واجتماعية وشخصيات مستقلة أننا كثيراً ما نتعامل مع الأخطاء بعنجهية أن تأخذنا العزة بالإثم، مع محاولة التفتيش عن ذرائع لها أو اعتبارها انتصارات غصباً عن الواقع، وكم تعاملنا بمعايير مزدوجة وانتقائية ومحاولة الإيحاء بل والإيهام أننا أكثر قدرةً واستعداداً لمواصلة المشوار، وكم تفننا في الإعلان على رؤوس الاشهاد أن أيدينا مفتوحة للآخرين في حين تتزين هذه الأيدي بخواتم السحر السياسي والطائفي. لم يشهد الوطن العربي منذ أكثر من قرن أن اعترف سياسي أو مثقف واحد انه اخطأ بدون ان يكون هذا الاعتراف تحت ضغط الآخرين وبعد انتشار فضيحته وليس مخافة من الله في إطار صحوة ضمير جاءت لتعيد ترتيب أولويات هذا المخطئ، وكم هو عدد الذين أعلنوا توبتهم من أعمال مشينة أضرت بمصالح الأمة العربية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ولماذا هذا النزوع اليومي المفتوح للسرية في أعمالنا والنأي عن المكاشفة ومعرفة الحقائق، ان ساحة العمل السياسي العربي ما زالت تزدحم بسياسيين ارتكبوا معاصي عديدة، في حين ما زالوا يملأون صفحات الإعلام بالحديث عن مآثر وبطولات. لقد أضاعت المنطقة العربية الكثير من فرص النمو السياسي والاجتماعي الصحيح المبني على المكاشفة والواقعية نتيجة الازدواجية في السلوك اليومي الذي لم يقتصر على ما يفعله بعض السياسيين والمسؤولين الآخرين، بل امتد هذا الوضع إلى مؤسسات أكاديمية وهيئات ليس لها وظيفة سوى وظيفة إنماء البلاد. فطبقاً لمعلومات موثقة صادرة عن مؤسسات معنية بالنزاهة ان من النادر جداً أن لا يكون هناك مشروع واحد قد أنجز بدون ان يصاب بهامش معين من الفساد الإداري والمالي حتى وان كان ذلك بنسب ضئيلة، وكما ان الغدير يملأ من قطرات الماء، فإن الفعل السيئ يتضخم من الأفعال السيئة اليومية الصغيرة، أقول ذلك مؤكداً أننا في البلاد العربية لا نفتقر أصلاً للحصانات الخاصة بالفعل الجيد الذي يتواصل بالصمت، ولنعوّد أنفسنا على التعامل مع الحقيقة فهي المطهر لكل الهموم والمخاوف والإشكالات مهما كان مصدرها. عن صحيفة الوطن العمانية 15/8/2007