* د. حسن الحيوان حسن الحيوان أحوال المسلمين تؤكد أننا لا بد أن نعي الرؤية الإستراتيجية الإسلامية لإدارة كل مجالات الحياة من خلال التكامل الروحي والمادي بين أركان الإسلام الخمسة في إطار منهج يستهدف تحقيق التقدم والنهضة على الأرض.
- إن شهر رمضان لا يمكن إلا أن يكون مركز تدريب مكثف، روحي ومادي، على ثقافة الصيام والمقاومة فهل هناك شعب أو أمة غير المسلمين تتخذ فترة التدريب في حد ذاتها كهدف من هذا المركز؟
أم أن البديهي أن يكون الهدف هو أيضًا فترة ما بعد مركز التدريب.. إن تدريب الأفراد بالقوات المسلحة يستهدف الانتصار في الحروب التي تعد أكبر مشروع قومي لدولة أو أمة فهل هي مجرد صدفة أن تكون كل هذه الانتصارات الإسلامية في رمضان.. بدر، الخندق، فتح مكة، القادسية، اليرموك، عين جالوت، حطين، والعاشر من رمضان الأخيرة؟.
- القرآن الكريم يؤكد ذلك، -?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)? (البقرة)، ?وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ? (البقرة: من الآية 197).
- أي أن الحكمة من الصيام هي التقوى والتي تمثل في الآية الأولى الهدف في حد ذاته، لكن التقوى في الآية الثانية تمثل الزاد أي الوسيلة، أي أن الصيام لا بد أن يكون هدفًا ووسيلة في نفس الوقت.
ونلاحظ أن الآية الأولى لا تشير إلى أولي الألباب لسهولة فهم أن أركان الإسلام الخمسة تمثل أهدافًا في حد ذاتها لكن الآية الثانية تؤكد على أن التوجيه لأولي الألباب لإدراك الإستراتيجية الإسلامية من خلال ضرورة اتخاذ أركان الاسلام الخمسة ليس فقط كأهداف إيمانية روحية مثل أداء العبادة لإسقاط فرضية ركن الصيام في رمضان، بل أيضًا وسائل عملية مادية لتفعيل الحياة.. ونحن بصدد ركن الصيام- كمثال- والذي يتولى تدريب الفرد والأمة على الإرادة الداخلية لدعم ثقافة المقاومة والمقاطعة السلمية لكل ما هو ضد الإسلام في كل المجالات.. مثلاً وليس حصرًا:
- المجال الاجتماعي: الاختلاط في حد ذاته ليس من المحرمات وصولاً لتحقيق تضامن المرأة مع الرجل في مسئولية الاستخلاف وإعمار الأرض لكن مع ضرورة مقاومة أي خروج على الضوابط الشرعية لاجتناب الإباحية ومحاكاة الغرب والزواج السري وخلافه.
- المجال الإعلامي والثقافي: التلفزيون والإنترنت والفضائيات كلها وسائل مباحة (بل الأصل أن الواجب شرعًا هو مبادرة المسلمين باختراعها) ولا بد من التفاعل الايجابي معها لمواكبة تطورات العصر لكن مع ضرورة اعتبار الضوابط المذكورة لأخذ المفيد واجتناب الضار لحماية الشباب والجميع من الغزو الثقافي الغربي العلماني في كل المجالات، والذي وصل لاختراق الأسرة المسلمة من الداخل.
- المجال الاقتصادي: ?وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)? (الفرقان)، كيف يمكن ذلك في ظل الثقافة الاستهلاكية العلمانية وغزو الإعلانات التجارية الكاسح والذي يضغط بقسوة على المواطن لإنفاق الحد الأقصى من خلال تقسيط السلع وصولاً لأقصى درجة من الرفاهية وحب الظهور والكسل وكلها مستهدفات تضاد الإسلام الذي يوجه لثقافة الضرورة ثم الحاجة ثم التحسينات.
- المجال الصحي: ثلث لكل من الطعام والشراب والتنفس، مقاومة شهوة البطن!!
- المجال الشخصي: غض البصر، الغضب، الموضة، شهوة اللسان، الإدمان.. لماذا لا يمتنع المسلم عن التدخين المحرم شرعًا ليس فقط في نهار الصيام بل طوال العام؟
- المجال العام: فمثلاً المقاطعة الاقتصادية اللازمة لتحقيق قوة وكرامة المجتمع بشأن عدم شراء منتجات الدول التي تستهدف الإسلام والمسلمين بالظلم والعدوان لقد أفتى مفتي الديار المصرية بوجوبها شرعًا والواقع يؤكد عكس ذلك عملاً، حيث إن الكثير منا يستغرق في النوافل في شهر الصيام وأيضًا طوال العام.. فأين مفهوم الأولويات الذي يعتبر من أهم أساسيات الفكر الإسلامي؟؟
- لقد ضيعنا ثقافة الصيام ليس فقط كوسيلة عملية لتفعيل نهج المقاومة اللازم للفرد والأمة لتحقيق التقدم والنهضة.. بل أيضًا ضيعناها كهدف إيماني روحي بدليل الارتفاع النسبي لأسعار السلع الغذائية نتيجة لزيادة الطلب بالإسراف في الطعام في رمضان، وهو عكس المطلوب! وكذلك الارتفاع النسبي لسعر دقيقة الإعلانات بالقنوات والفضائيات نتيجة لزيادة الإقبال على مشاهدتها في رمضان وهو أيضًا عكس المطلوب!
- إنها مسئولية العلماء والمفكرين نحو ضرورة استثمار وتوجيه الصحوة والمد الإسلامي تجاه الإسلام كعقيدة وشريعة.. كمنهج ونظام متكامل لكل مجالات الحياة في كل زمان ومكان... كما أنها مسئولية الجميع نحو القيام بالواجب الشرعي، الفردي الخاص والمجتمعي العام، اللازم بالضرورة لتفعيل هذا المنهج وصولاً لتحقيق النهضة.
* رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار [email protected] * جريدة اهرام 29/9/2009