العلاقات المغربية - الإسبانية بين الاشتراكيين والشعبيين العربي مفضال تستعد المعارضة الإسبانية اليمينية، بقيادة الحزب الشعبي، للانتخابات التي ستجري في مارس-آذار المقبل، بتفاؤل كبير. وتستند المعارضة المذكورة في هذا التفاؤل إلى النتائج الإيجابية التي حصلت عليها في الانتخابات البلدية التي جرت في مايو- أيار الماضي، وتبوأ الحزب الشعبي في أعقابها المركز الأول متقدماً بفارق ضئيل على الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم. وتجتهد المعارضة اليمينية الإسبانية، منذ مطلع العام الحالي، لاستغلال الفشل الذي منيت به حكومة زاباتيرو في محاولتها لمعالجة المشكلة الباسكية وللتفاوض مع منظمة “إيتا" الانفصالية. وذلك بعد أن عادت هذه الأخيرة إلى مواصلة أعمالها الإرهابية، ووضعت حداً “للهدنة الدائمة" التي كانت قد أعلنت عنها في مايو-أيار من العام الماضي. ويحرص الحزب الشعبي الإسباني على تعزيز حظوظه بالفوز بالتشريعيات القادمة حين يعيد التأكيد بأن غريمه، الحزب الاشتراكي العمالي، لم يفز في انتخابات الرابع عشر من مارس-آذار سنة 2004 إلا بفضل عامل لا دخل له فيه، وهو عامل التفجيرات الإرهابية التي هزت محطة قطارات الضواحي بمدريد في الحادي عشر من نفس الشهر. وبغض النظر عن احتمالات التشريعات الإسبانية القادمة وحظوظ مختلف الفرقاء فيها، فإن ما يستدعي الانتباه هو الإشارات الإيجابية الجديدة التي صدرت عن قيادة الحزب الشعبي تجاه المغرب. وهكذا، فبالإضافة إلى الإعلان عن زيارة يعتزم ماريانو راخوي القيام بها للرباط قبل التشريعات المذكورة، أكد ناطق باسم هذا الحزب أن المغرب يعد أولوية ضمن السياسة الخارجية للحزب الشعبي، وأن هذا الأخير يطمح إلى إرساء علاقات جيدة مع الجار الجنوبي. وأضاف المسؤول الحزبي الإسباني مشيراً أن الأزمة الحادة التي طبعت العلاقات بين الرباطومدريد، خلال قيادة الحزب الشعبي للحكومة الإسبانية في نهاية العقد الماضي وبداية العقد الجاري، عبرت عن “سوء فهم ناتج عن ضعف في التواصل أكثر مما عبرت عن رغبة في المواجهة أو الصراع". ولم يقف المسؤول الحزبي الإسباني عن هذا الحد، بل أكد كذلك أن حزبه يتجه بعزم إلى توسيع انفتاحه على العالم العربي. وكان المغرب قد اعتاد المواقف السلبية والتحريضية التي تميز بها الحزب الشعبي الإسباني من موقع المعارضة. وارتبطت هذه المواقف، أولاً بمهاجمة المطالب والحقوق المغربية المتعلقة باتفاقيات الصيد البحري، التي ربطته مباشرة بمدريد أو ربطته بهذه الأخيرة تحت يافطة الاتحاد الأوروبي. وارتبطت هذه المواقف ثانياً باعتراض مرور الصادرات الزراعية المغربية إلى أوروبا الغربية. وارتبطت ثالثاً بمشاكل تهريب المخدرات والهجرة السرية. وارتبطت رابعاً بمطالبة الرباط بتسوية لمشكلة احتلال إسبانيا لمدينتي سبتة ومليلية. وبعد صعود الحزب الشعبي إلى الحكومة الإسبانية المركزية في أواسط العقد الماضي، اعتقدت الرباط بأن المسؤولية الحكومية ستعيد الحزب المذكور إلى جادة الصواب، وستخلصه من المزايدة والمغالاة اللتين يبررهما أحياناً موقع المعارضة. ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، ولا سيما بعد تمسك المغرب بتحسين موقعه في اتفاقية الصيد البحري في صيغتها الجديدة، بعد أن انتهت مدة صلاحية الصيغة السابقة. وبلغت العلاقات بين المغرب وإسبانيا درجة عالية من التوتر في أوائل العقد الجاري، بعد أن أطلق الوزير الأول الإسباني يومئذ، خوسي ماريا أزنار، تهديدات علنية ضد الرباط، وبعد أن استدعت هذه الأخيرة سفيرها من مدريد، وبعد أن تمادت العاصمتان الإسبانية والمغربية في تبادل الانتقادات والاتهامات، إلى أن وصلتا إلى حدود المواجهة العسكرية في صيف سنة 2002 بسبب جزيرة ليلى المغربية. ولقد تأكد مع بداية سنة 2003 أن السياسة السلبية والمتعجرفة، التي كان يعتمدها خوسي ماريا أزنار إزاء المغرب كانت جزءاً من سياسة عامة تتجاهل العالم العربي، ولا تتورع عن استغلال خلافاته وتناقضاته مثل تلك القائمة بين الجزائر والمغرب، وتزج بإسبانيا وعلاقاتها التاريخية ومصالحها في الخندق الأمريكي، وتورطها في المشكلة العراقية. وإذا كانت السياسة المذكورة قد جرّت الكوارث على إسبانيا بعد تفجيرات الحادي عشر من مارس-آذار ،2002 وعزلت مدريد على الصعيد الأوروبي، فإن الاشتراكيين العماليين الذين فازوا في انتخابات نفس السنة سارعوا إلى استدراك الأمر، وسحبوا القوات الإسبانية من العراق، واستأنفوا التعاون والتفاهم مع المغرب، وتبنوا موقفاً إيجابياً يسعى إلى تسوية مشكلة الصحراء الغربية وتحسين العلاقات بين الجزائروالرباط. ويقول الناطق باسم الشؤون الخارجية في الحزب الشعبي الإسباني إن قيام الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم في مدريد بتقديم نفسه على أنه الوحيد القادر على إرساء علاقات جيدة مع المغرب، هو خطأ يتعين على المسؤولين المغاربة ألا يسقطوا فيه. ولكن التجربة الملموسة للحكومات الإسبانية التي قادها الاشتراكيون العماليون منذ بداية ثمانينات القرن المنصرم حتى منتصف تسعيناته، إضافة إلى الحكومة التي يقودها زاباتيرو منذ ربيع سنة ،2004 أكدت أن هؤلاء الاشتراكيين العماليين كانوا فعلاً أقدر من غرمائهم الشعبيين على تكريس علاقات أكثر إيجابية مع المغرب والعالم العربي. ويبدو أن الأمر لا يتعلق بخطأ يحسب على الرباط أو على الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، ولكنه يتعلق بواقع ملموس كرسته، كما أسلفنا، الحكومات الإسبانية التي قادها هذا الحزب. وإذا جاز الحديث عن خطأ في هذا الباب فإنه خطأ الحزب الشعبي الذي أصر على اعتماد مواقف سلبية، بل عدائية أحيانا، تجاه المغرب وذلك سواء من موقع المعارضة أو من موقع الحكومة. ونتيجة لاستمرار تلك المواقف زمناً طويلاً بدا الاشتراكيون العماليون، من موقع الحكم ومن موقع المعارضة، أكثر اهتماماً بتحسين العلاقات بين مدريدوالرباط، وأكثر تفهماً لمطالب هذه الأخيرة. وكيفما كان الأمر، فإن اهتمام الحزب الشعبي الإسباني اليوم بأهمية الجار المغربي، وبضرورة تطوير علاقات التعاون معه يعتبر تحولاً إيجابياً يتعين على المغرب الاعتناء به والسعي إلى استثماره، والعمل على إقامة علاقات متوازنة، ما أمكن، مع الحزبين الإسبانيين الكبيرين اللذين يتناوبان على الحكم. والمؤكد أن الطرفين، الإسباني والمغربي، ضيّعا على نفسيهما فرصاً عريضة للتعاون رغم ما يجمعهما من تاريخ وجغرافيا ومصالح متعددة. وهكذا، ومع تسجيل الجهود التي بذلها الاشتراكيون العماليون الإسبان في سبيل تنمية علاقات التعاون بين مدريدوالرباط، فإن مستوى هذه العلاقات ظل بعيداً عن الإمكانات المتوافرة، وترك المغرب حكراً على الفرنسيين لغة وثقافة واقتصاداً. ومن جانبهم قصر المغاربة نظرهم على فرنسا في هذه المجالات، وفرطوا حتى في ما كان يتوافر لهم في شمال البلاد من استيعاب للغة والثقافة الإسبانيتين، وحين فتحوا أعينهم متأخرين على التقدم الهائل الذي حققته إسبانيا في العقدين الماضيين وجعل منها ثامن قوة اقتصادية في العالم، و"اكتشفوا" الانتشار العالمي الواسع للغة الإسبانية، وبدأوا يجدّون في تنمية العلاقات مع جارهم الشمالي، وجدوا أنفسهم ينطلقون من بعيد. ولكن هذا الانطلاق من بعيد يعد الجانبين الإسباني والمغربي معاً بالكثير من المنافع، خصوصاً إذا تم الحرص على تخليص المصالح المشتركة بينهما من سلبيات الماضي، ومن الحسابات الحزبية الضيقة. عن صحيفة الخليج الاماراتية 5/8/2007