اتخذت أزمة العلاقات المغربية الاسبانية الناجمة عن المواجهات التي عرفتها مؤخرا مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء الغربية، منحى تصعيديا إثر توعد حكومة الرباط بمراجعة مجمل العلاقات مع مدريد ردا على قرار لمجلس النواب الاسباني يندد بما اعتبره انتهاكات لحقوق الإنسان صاحبت تفكيك السلطات المغربية لمخيم احتجاجي أقيم في ضاحية العيون. ويتعلق الأمر بتطور نوعي في مسار التوتر بين البلدين، حيث أبانت حكومتا الرباطومدريد طيلة الأيام التي أعقبت الاضطرابات عن عزمهما تفادي أي تأثير لأحداث الصحراء على العلاقات السياسية الرسمية، وظلت المواجهات منحصرة على محور العلاقة بين الرباط من جهة والحزب الشعبي ووسائل الاعلام الاسبانية من جهة ثانية، قبل أن يدفع قرار البرلمان الاسباني المغرب في اتجاه تصعيد اللهجة تجاه جارته الشمالية. وبرر وزير الاتصال المغربي، خالد الناصري، موقف حكومته بتضمن قرار مجلس النواب الاسباني ل"فقرات وعبارات ضد المغرب لا يمكن إطلاقا قبولها"، مضيفا أنه "يتسم بالعدوانية في حق المغرب، ويتضامن ضمنيا مع خصومه، ويظل صامتا حيال الجزائر رغم تحملها لمسؤولية أساسية في التوتر الشديد الذي تعاني منه المنطقة". وقال الناصري في لقاء صحفي الأسبوع الماضي، إن القوى السياسية الإسبانية تضع المغرب في قلب الصراع السياسي الداخلي، وذلك في سياق انتخابي محموم، تسعى أطرافه، من خلاله، إلى تحريف الأنظار عن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعرفها إسبانيا. وتعليقا على موقف الحكومة المغربية، لاحظ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الرباط، الحسان بوقنطار، أن ثمة شعورا لدى الحكومة والقوى المغربية بأن الأمر لا يتعلق بمواقف اسبانية معزولة بل بتوجه تمليه مصالح واختيارات، خصوصا من لدن الحزب الشعبي الذي يتطلع الى ركوب واقع الأزمة الاقتصادية باسبانيا وتصعيد العداء تجاه الملكة من أجل استعادة السلطة في مدريد. واعتبر بوقنطار في تصريح لموقع CNN بالعربية أن الحزب الشعبي مازال مخلصا لارث الفرانكوية، واتجاهاته المحافظة والاستعلائية تضعه على تناقض مع مواقف المغرب تجاه الملفات الحساسة من قبيل مشكلة سبتة ومليلية المحتلتين وقضايا قطاعية مثل الصيد البحري والفلاحة. وأوضح الجامعي المغربي أن اعادة تقييم العلاقات مع اسبانيا تقتضي عملا دؤوبا وعميقا من أجل فهم آليات اشتغال الدوائر الاسبانية كما تفرض مساءلة نقط القصور في الحركة الدبلوماسية المغربية تجاه اسبانيا وتحليل مكامن سوء الفهم المتبادل كمقدمة لتجاوز حالة "الجوار المزعج"، دون السقوط في مواقف انفعالية قد تضر بالمصالح القومية. ومن جهة أخرى، استبعد بوقنطار امكانية تطور التوتر في العلاقات الثنائية الى قطيعة كاملة بالنظر الى عمق وكثافة التفاعلات الاقتصادية والأمنية والسياسية بين الرباطومدريد مشيرا الى أن اعتماد لمغرب مؤخرا لسفير جديد لدى اسبانيا يعكس رغبة في تنشيط الآلة الدبلوماسية تجاه الجار الشمالي. وأمام زحف المواقف الدافعة في اتجاه التصعيد، على الجانبين، تتمسك أصوات أخرى بضرورة التحلي بمزيد من الحكمة في تدبير الأزمة الحالية بين بلدين جارين يشكلان نقطتي وصل بين أوروبا وافريقيا في المجال المتوسطي. وفي هذا السياق، يحذر رئيس مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، الذي يشتغل على الملفات العالقة في تاريخ العلاقات المغربية الاسبانية، في تصريح لموقع CNN بالعربية، من أن التسرع والتصعيد لا يخدم مصالح الطرفين، خصوصا أن القرار الاستراتيجي في مدريد يقضي بالبحث عن صيغ علاقة ايجابية مع المغرب الذي يأوي مصالح بالغة الأهمية للاسبان، اقتصادية وأمنية واستراتيجية. ويرى عبد السلام بوطيب في الحملة الاسبانية على المغرب تصريفا للأزمة الداخلية التي يعرفها الجار الايبيري، فبالاضافة الى الأزمة الاقتصادية الخانقة، هناك من يطالب بانتخابات سابقة لأوانها، وفي وضع كهذا، تكون العلاقة مع المغرب الضحية الأولى لخلل الديموقراطية الاسبانية. وتعقيبا على قرار الرباط باعادة تقييم علاقاتها مع اسبانيا، عاب عبد السلام بوطيب على الآلة الدبلوماسية المغربية عدم الاشتغال على الملف الاسباني بطريقة استباقية داعيا الى خلق مؤسسات أكثر ديناميكية في اطار دبلوماسية تفاعلية تضفي على حركة البلاد مزيدا من النباهة والصرامة والذكاء وتستحضر الرهانات المشتركة والمشاكل المعقدة التي تهدد مجموع المنطقة من تجارة المخدرات والهجرة السرية وتغلغل الجماعات الجهادية. وبينما تنبئ التطورات بمزيد من التصعيد مع قرار البرلمان المغربي عقد اجتماع استثنائي حول الموضوع، اليوم الجمعة، نبه بوطيب الى أن قرار البرلمان الاسباني لم يذكر المغرب بشكل مباشر في ما يتعلق بأحداث العيون بل أدان أحداث العنف بصيغة عامة، كما أن رئيس الغرفة الثانية خافيير روخو أقر بأن لاسبانيا والمغرب مصالح ومسؤوليات مشتركة، وأن الحل ليس في رفع الأصوات بل في الحوار، وهو عنصر يتعين على المغرب أخذه بعين الاعتبار في صنع القرارات المستقبلية تجاه مدريد.