في الوقت الذي تحاول فيه الرباطومدريد احتواء الأزمة المترتبة عن اعتداءات الشرطة على مواطنين مغاربة في المعبر الحدودي في مليلية المحتلة، فاجأ رئيس الحكومة الإسبانية السابق خوسيه ماريا أثنار أمس الجميع بزيارة هذه المدينة المتنازع حول سيادتها في مبادرة تم تصنيفها "بالخطوة الاستفزازية". جاء ذلك فيما افادت مصادر متطابقة الاربعاء في مدينة الناظور المجاورة لمليلية الاسبانية في شمال المغرب، ان عملية اغلاق الطريق امام شاحنات البضائع المتوجهة الى مليلية التي قام بها ناشطون مغاربة "علقت بالكامل حتى نهاية رمضان".
وقال منعم شوقي مسئول "تنسيقية جمعيات شمال المغرب" في اتصال هاتفي مع فرانس برس "قررنا الاربعاء رفع حظر دخول الشاحنات الى مليلية حتى نهاية رمضان".
واضاف ان "هذه التهدئة ستسمح لرجال السياسة في كلا البلدين بمناقشة المشاكل العالقة بين اسبانيا والمغرب".
وسينتقل وزير الداخلية الاسباني الفريدو بيريث روبلكابا الاثنين المقبل الى الرباط ليبحث مع نظيره المغربي الطيب الشرقاوي في هذه الازمة.
وتعود وقائع هذه الأزمة التي دخلت شهرها الثاني إلى اعتداءات تعرض لها مغاربة في المعبر الحدودي مليلية مع الأراضي المحتلة، ومن وقتها وناشطون مغاربة يقومون بالاحتجاج ومنع مرور شاحنات الخضر والسمك ومواد البناء بين الفينة والأخرى، وآخرها أمس الأربعاء. في حين تعتبر الطبقة السياسية الإسبانية أن هذه الاحتجاجات تخفي أجندة سياسية تتعلق بضغوطات من طرف الرباط لإجبار مدريد على فتح مفاوضات حول مستقبل مدينتي سبتة ومليلية.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه الجميع زيارة وزير الداخلية الإسباني ألفريدو روبالكابا الاثنين المقبل للرباط لمعالجة الأزمة مع المسؤولين المغاربة وعلى رأسهم وزير الداخلية الطيب الشرقاوي، وتبذل الرباطومدريد مساعي جمة لاحتواء هذه الأزمة ومن ضمنها احتجاجات ناشطي المجتمع المدني المغربي، يقوم رئيس الحكومة السابق خوسيه ماريا أثنار بزيارة مفاجئة أمس الأربعاء لمليلية ومن ضمن ذلك زيارته للحدود عند المعبر مع الأراضي المغربية.
وصرح أثنار أن زيارته تهدف للدفاع عن سكان مليلية وأجهزتها الأمنية أمام "تراخي حكومة مدريد والتحرشات المغربية"، في إشارة إلى احتجاجات ناشطي المجتمع المدني المغربي وما تروجه بعض الصحف الإسبانية من تحرك خفي تدعمه الأجهزة المغربية.
وتابع قائلا "الأجهزة الأمنية التي تدافع عن حدود مليلية تعرضت للسب والتجريم وهو ما يتعارض مع سياسة قائمة على حسن الجوار"، أي محاولا إبراز عدم احترام المغرب لاتفاقية الصداقة وحسن الجوار. وشكلت زيارة أثنار لمليلية الحديث السياسي والإعلامي الأبرز، حيث تصدر نشرات الأخبار ومواقع الجرائد في شبكة الإنترنت، وقدمه الإعلام اليميني المحافظ بمثابة حامي وحدة اسبانيا.
وخلفت زيارة أثنار لمليلية امتعاضا وسط الحكومة الإسبانية، وأكد وزير الأشغال العمومية خوسي بلانكو والرجل الثاني في الحزب الاشتراكي الحاكم أن "هذه الزيارة تعتبر بمثابة عدم الولاء لإسبانيا"، وأكد على طابعها الاستفزازي، واتهم الحزب الشعبي المحافظ بعرقلة البحث عن الحل مع المغرب واستغلال هذه الأزمة لأسباب سياسية.
ولم يصدر عن المغرب أي رد حتى الآن حول هذه الزيارة، علما أن أثنار يعتبر من السياسيين الذين لا ترتاح لهم الرباط، وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد انتقد تطرف أثنار في حوار مع جريدة "الباييس".
وكان أثنار وراء أكبر أزمة سياسية بين البلدين خلال الأربعين سنة الأخيرة، ويتعلق الأمر بأزمة جزيرة ثورة في صيف 2002 عندما كادت أن تندلع حرب بين البلدين حول جزيرة صغيرة في مضيق جبل طارق.
وحول ردود الفعل المغربية حول هذه الزيارة، صرح مصدر مقرب من الأوساط الحاكمة في الرباط "زيارة أثنار استفزازية بشكل كبير، ستدفع ناشطي المجتمع المدني المغربي لمزيد من التشدد في مطالبهم واحتجاجاتهم، لكن رسميا من الأحسن تجاهل هذه الزيارة واعتبارها تدخلا في إطار السياسة الصبيانية".
وأكد محمد سعيد السوسي منسق الشؤون التنظيمية في، اللجنة الوطنية لتحرير سبتة ومليلية والثغور المحتلة "نعتبر هذه الزيارة استفزازية من طرف سياسي يميني محافظ تجاوزه الزمن ولن تؤثر في أجندة عملنا نهائيا وكأن أثنار لا يوجد بالنسبة لنا".