امريكا ومرحلة ما بعد سعد محيو هل وصلت الولاياتالمتحدة إلى ذروة تمددها الاستراتيجي الزائد، على الأقل على المستوى العسكري؟ أجل، يرد سريعاً بعض المحللين الامريكيين الذين يقدمون العراق كمنوذج على هذه الحقيقة. ويقول هؤلاء إن الرئيس بوش وعد الجنرالات الامريكيين في بلاد ما بين النهرين بتزويدهم بكل ما يحتاجونه من جنود. لكن الجنرالات يعرفون بأن الجنود الاضافيين غير موجودين، لا بل هم يعرفون أيضا بأن حتى احتمال الحفاظ على المستوى الحالي من القوات (نحو 160 ألف جندي) يبدو شبه مستحيل بسبب الحاجة الى تدوير مدد الخدمة العسكرية، فهناك الآن 9 فرق للجيش إما في العراق أو في أفغانستان، وفي حال نفّذ بوش وعوده للجنرالات، فإن التزامات امريكا في هاييتي وكوريا الجنوبية قد تتأثر. بيد أن صقور الإدارة الأمريكية في مجلس الامن القومي والبنتاغون يصرون على المطالبة بزيادة عديد القوات الامريكية بأكثر من 100 ألف جندي، والى رفع الانفاق العسكري من 4 في المائة من الناتج القومي الخام كما الحال الآن الى المستويات التي كان عليها في عهد كيندي (9%) وريغان (6%)، تحت شعار أن الولاياتالمتحدة في حال حرب، وقد استجاب بعض الشيوخ الديمقراطيين لبعض هذه المطالب، حين وعدوا بزيادة عديد القوات الامريكية بنحو 40 ألف جندي. لكن هذه الوعود، حتى في حال تحقيقها، ستتطلب سنوات عدة لتنفيذها، إضافة الى إدخال تعديلات جذرية في العقيدة العسكرية الامريكية، وهذا لن يفيد شيئاً الآن في حالة العراق. ثم، هناك نقطة اخرى قد تكون أهم: الشعب الأمريكي لا يبدو مستعداً (كما كان الشعب البريطاني في القرن التاسع عشر) لدفع أكلاف الإمبراطورية، او هذا على الأقل ما نقرأه في الكتاب الجديد لمايكل مان الذي جاء تحت عنوان “امبراطورية غير متماسكة"، والذي ينطلق من السؤال: هل تصلح امريكا أصلا لتكون روما العصور الحديثة؟ يرد مان أنّ هذا المشروع الامبريالي يعتمد على المبالغة في تقدير فائض النفوذ الأمريكي، وهو يرى أنّ استحواذ الولاياتالمتحدة على عضلات عسكرية مخيفة، لا يخفي ضعف قدراتها الاقتصادية والسياسية، ومن شأن هذا الخلل في التوازن أن يدفع واشنطن الى التشديد المفرط على استخدام القوة العسكرية، بحيث يتحّول هذا السعي الحثيث الى انشاء الامبراطورية، الى ثقة مرضية بالنفس، والى نمط من العسكرتاريا الناشطة في كل الأمكنة. هذا الخلل، على وجه التحديد، هو ما يطلق عليه المؤلف “امبراطورية غير متماسكة" قد تتسبب بفرط الزعامة الأمريكية في العالم، وفبركة المزيد من الجماعات الارهابية والدول الخارجة على القانون الدولي. ويشّدد المؤلف، وهو رائد في الأبحاث السوسيولوجية، على ان الشعب الامريكي غير مؤهل لخوض معركة كهذه، فهو أقرب الى الارتداد الى عزلته التاريخية حين تحاصره الأزمات، وهو يحدد أربعة أصناف من نوازع القوة الكامنة وراء صعود وأفول الدول والأمم والامبراطوريات والمناطق الاقليمية والحضارات، وهي: الدافع العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والعقائدي، ولدى توظيفه هذه العوامل في سيرورة الولاياتالمتحدة، يخلص الى نتيجة تفيد بأنّ هذه الامبراطورية تقوم على مارد عسكري وقاطرة اقتصادية ضعيفة البنية، وانفصام في الشخصية السياسية وهشاشة في البناء الايديولوجي. ويخلص الى أنّ أيّ امبراطورية تبنى على الهيمنة العسكرية وحدها، لن يكتب لها النجاح أو البقاء. اذ أنّ نموذجا لممارسة السلطة كهذا، لا ينطوي الاّ على توحش أمريكي على مستوى العالم، مهمته لجم المشكلات القائمة والمستجدة، لقاء انصياع سائر البلدان والدول للنفوذ الأمريكي. هل يمكن لقباطنة النخب الامريكية الحاكمة أن يقتنعوا بمثل هذا المنطق، قبل أن يسبق سيف التمدد الاستراتيجي الزائد (الذي كان السبب الرئيس في زوال الإمبراطوريات) العزل؟ كلا! لماذا؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 4/8/2007